تضج وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي التابعة لمحور ما يُسمى بالمقاومة يومياً بالتحاليل والمقابلات التي تتناول موضوع إستفتاء الروس لأربع مناطق في أوكرانيا من باب تأييد ما يعتبرونه حق روسيا بهذه المناطق.اللافت والصادم أن تصدر مثل هذه المواقف ممن صدعوا رؤوسنا سنوات وسنوات ولا زالوا يومياً من خلال إطلالاتهم وخطاباتهم وخطبهم للتنظير علينا بالسيادة ورفض الاحتلال الإسرائيلي لأراضي فلسطين، واعتبار عمليات ضم أراضٍ فلسطينية من قبل المحتل الإسرائيلي أعمال عدوانية تسرع المقاومة لدحرها وتحرير الأرض.وأكثر ممن جاد علينا بمثل هذه المواقف إيران ورموزها في المنطقة، وبخاصة حزب الله وحلفائه في لبنان، ومن على منابر أمينهم العام وسياسييهم وإعلامييهم وكلهم ينظّرون بالسيادة ورفض الاحتلال ومقاومته وإنهاء إسرائيل من الوجود … وتتسابق شاشاتهم ووسائل تواصلهم في تأييد استفتاء روسيا في أوكرانيا، وفي المزايدة حتى على الروسي في حقه بتلك المناطق وفي حقه بضمها، تارة من منطلق الحقيقة التاريخية بأن هذه المناطق كانت تاريخياً روسية. وهنا نسأل، ليس بهدف تبرير الاحتلال الإسرائيلي بل من منطلق ضرورات النقاش المنطقي : أو لم تكن أرض كنعان تاريخياً لليهود قبل المسيحية والإسلام قبل أربعة الآف سنة؟ فلماذا اذاً نطالب باسترداد أرضٍ كانت تاريخياً لليهود ؟
وتارة أخرى يبرّرون استفتاء وضم الرئيس بوتين أراضٍ أوكرانية بضرورات أمنية لروسيا وعندها نسألهم : لماذا اذاً رفضنا ضم الجولان لإسرائيل؟ ألم تدّعي إسرائيل بأن الضم كان لضرورات أمنية أيضاً؟ فكيف يمكن لمحور يدّعي المقاومة والحقوق في الأرض وتحريرها من محتل أن يدافع عن دولة تريد احتلال وضم أراضي دولة أخرى؟
ما هذه الإزدواجية في المواقف وكيف يمكن أن يثق أي أحد بعد ذلك بمثل هذه المقاومة التائهة والمتناقضة مع نفسها؟
فهل الممانعة والمقاومة والسيادة نسبية؟ وهل مَن يروّج لحبه للأرض والسيادة في مكان يمكنه أن يدعم ويروّج لنقيضها في مكان آخر؟
الرفض والتنديد بالمخططات الإسرائيلية الهادفة الى ضم أجزاء من الضفة الغربية يجب أن يفترض رفضاً وتنديداً بمخططات روسيا بضم أجزاء من دولة جارة هي أوكرانيا.حتى الصين الحليفة الأساسية لروسيا وللرئيس بوتين أعلنت بالأمس ما يُشبه الرفض الحاسم لضم روسيا أراضي أوكرانيا من خلال تصريح لوزير الخارجية الصيني بضرورة احترام وحدة أراضي الدول ووقف إطلاق النار في أوكرانيا،فيما محور ما يُسمى بالممانعة والمقاومة، ومن خلال أبواقه الإعلامية والدعائية والسياسية يشيد بالإستفتاء الروسي في أوكرانيا، وتتسابق تلك الأبواق في تحليل الحدث العظيم وتفسيره والإقرار بحصول الضم وتحوّل المناطق التي طالها الإستفتاء من الآن الى أراضٍ روسية.الرئيس بوتين في أوكرانيا انتهج سياسة الأمر الواقع من خلال تنظيمه إستفتاءً غير “فتوني” بموجب معايير القانون الدولي وغير شرعي بموجب شرعة الأمم المتحدة التي تفرض على الدول الأعضاء احترام سيادة واستقلال ووحدة أراضي الأعضاء، لكن الرئيس الروسي ضرب عرض الحائط بكل هذه المبادىء والضوابط وقرّر تنظيم إستفتاء معروف النتائج وقد أسمينا هذا الإستفتاء “بالعرفي”، فإذا بإعلام ودعاية ومحللي محور المقاومة والممانعة يسبقون حتى الرئيس بوتين في إعلانهم “روسية المناطق” التي حصل فيها الإستفتاء انطلاقاً من الأمر الواقع الذي فرضه بوتين، وفي نفس الوقت يهاجمون ويندّدون بقرار إسرائيل الأحادي بتوسيع المستوطنات وضم مناطق في الضفة والأغوار بذات أسلوب الأمر الواقع الروسي في أوكرانيا متوعدين بالمقاومة.
مَن يدعم موسكو في ضمها أراضٍ أوكرانية لا يعود له الحق بالكلام عن رفض إسرائيل ضم أراضٍ في فلسطين وتوسيع الإستيطان. وانطلاقاً من كل ما ذُكر، يتبيّن بوضوح أن هذا الذي يدّعي نفسه محور مقاومة لإسرائيل لا علاقة له لا بفلسطين ولا بالسيادة بل هم مجموعة من التجار الفاجرين، صغاراً وكباراً، يتاجرون بالقضية الفلسطينية من داخلها وخارجها كمطية، ولا بال لهم بفلسطين ولا بتحريرها، لا أمس ولا اليوم ولا غداً.
حتى في موضوع تهديد روسيا باستخدام السلاح النووي ضد خصومها الغربيين، والذي نجد للمحور المذكور مواقف وفتاوى لتحريم استخدامه لا بل تحريم مجرد امتلاكه، مستشهدين بتجارب تاريخية كما في هيروشيما وناكازاكي والتي دمرها على حد قول جماعة هذا المحور الأميركي الإمبريالي الإستكباري الشيطان الأكبر ، ومن أهم تلك الفتاوى تلك الصادرة عن المرشد الأعلى للثورة في إيران علي الخامنئي التي تحرّم تصنيع السلاح النووي، نُفاجأ بإعلام وإقلام وتحاليل وخبراء ومحللي هذا المحور يؤيدون تهديد موسكو عبر مسؤوليها الغرب باستخدام السلاح النووي.والأدهى لا بل الكارثي أن هذا المحور يؤيد استخدام روسيا للنووي حالما تشعر موسكو بخطر وجودي عليها، وهم بذلك يبرّرون لإسرائيل، إن هي هدّدت يوماً باستخدام نفس النووي بحجة التهديد الوجودي الذي تتعرض له من المحيط القريب لها وبخاصة من إيران متى امتلكت الأخيرة سلاحاً نووياً أو هاجم وكلاؤها في المنطقة الكيان الإسرائيلي .
في المحصّلة، يمكن القول إن الحرب الروسية- الأوكرانية ساهمت في فضح دجل محور “المقاولة” وكذبها وليس المقاومة من خلال مواقف هذا المحور المتناقضة مع نفسه أولاً، ومع مبادئه ومواقفه المعلنة من إسرائيل والقضية الفلسطينية بأسلوب نفاق وكذب، وقد باعت إيران مسيّرات لروسيا، وليس بين طهران وكييف عداوات أو خصومات فيما وكلاؤها في المنطقة وهي نفسها يدعون مخالفة إسرائيل للقانون الدولي وسيادة الدول في فلسطين، وفي نفس الوقت يدعمون ويطبّلون لضم روسيا لأراضٍ أوكرانية خلافاً للقانون الدولي … واللائحة تطول …
قمة الدجل والكذب وفضيحة سياسية وأخلاقية كانت للحرب الروسية في أوكرانيا اليد الطولى في تظهيرها .