إيران الداخل أمام منعطف خطير ولحظة دولية حرجة

Iranians gather during a protest to voice their anger after their province's lifeblood river dried up due to drought and diversion, in the central city of Isfahan, on November 19, 2021. - The massive protest, that drew in farmers and other people from across Isfahan province, was the biggest since demonstrations over the water crisis started on November 9. (Photo by Fatmeh Nasr / ISNA / AFP)

ليست المرة الأولى التي تعيش فيها إيران موجة احتجاجات ومظاهرات عارمة تعم مدن البلاد الكبرى، وقد شهدت الساحة الإيرانية في السنوات الأخيرة موجات متتالية من مثل هذه الاحتجاجات، الا أن الجديد هذه المرة في هذه الإحتجاجات لا بل الإنتفاضات المستعرة أنها تأتي في لحظة إقليمية ودولية حرجة جداً للإيرانيين حيث :

1 – التفاوض في فيينا حول السلاح النووي مجمد إن لم نقل متوقفاً عند نقطة رفع الحظر عن الحرس الثوري الإيراني حيث واشنطن، بضغط من الكونغرس ومن إسرائيل ولوبيات عربية خليجية، رفضت الطلب الإيراني، بينما على صعيد آخر حاولت إيجاد حل وسط رفضته طهران وقوامه رفع الحظر عن الحرس الثوري وإبقاؤه على فيلق القدس .

2 – المعادلات الدولية ذات التأثير الإقليمي تبدلت منذ حرب أوكرانيا مع خلط أوراق وإعادة حسابات دولية جعلت إيران ومنطقة الخليج موضع تجاذب كبير، خصوصاً أن التأثيرات لصراع روسيا ضد الغرب بلغت حد محاولة الروس التمسك بأوراقهم الإقليمية في الشرق الأوسط كما في سوريا وإيران من ضمن محور الصين – ايران روسيا، فيما الأميركيون ومن ورائهم الغرب يرمون بثقلهم من أجل إبعاد إيران عن روسيا وفك المحور الصيني- الإيراني -الروسي .

3 – تصاعد الأزمة المعيشية والاقتصادية في إيران نتيجة العقوبات وعدم الإفراج عن أموالها، وبالتالي خفض الدعم على الغذاء وارتفاع الأسعار بنسبة وصلت الى 300% ، الأمر الذي ينذر بانفجار إجتماعي أوسع وأشمل وتفكك الوضع الداخلي وإضعاف الإلتفاف الشعبي حول القيادة الإيرانية .

من هنا وانطلاقاً من مجمل هذه الظروف والتطورات، يبدو أن طوقاً ما بدأ يرتسم حول عنق الإيرانيين، خصوصاً وأن دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية عادت منطقة اجتذاب للأميركيين والغرب، حيث من المتوقع أن تأتي زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة في شهر حزيران المقبل بدءاً من إسرائيل لتتوج التفاهمات الجارية في المنطقة من قمة العقبة الى قمة شرم الشيخ من أجل شد عصب الحلفاء في مواجهة الخطر الروسي والمساعدة في انتزاع إيران من المحور الشرقي عبر الدفع باتجاه الاتفاق النووي .

اذا الإحتجاجات في إيران حالياً بدأت تكتسب أكثر فأكثر منحى سياسياً، إذ ارتفعت الدعوات إلى إنهاء الجمهورية الإسلامية على غرار ما حصل عام 2019 وانطلقت شرارتها بسبب ارتفاع أسعار الوقود في حينه، وهذا المنحى السياسي يتعزز بفعل دعم خارجي يسعى من الداخل الى إسقاط النظام الإيراني إن لم يكن الى “تدجينه” .

المدن التي تشهد الإحتجاجات الدموية مثل فرسان بوسط إيران حيث أطلقت شرطة مكافحة الشغب الذخيرة الحية على المتظاهرين و شهركرد وهفشجان حيث استخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع والهراوات لتفريق محتجين تُمثل في معظمها معاقل لطالما كانت موالية للمرشد وللنظام الإيراني، ما يعني تغيّر في المزاج الشعبي بدأ يؤتي ثماره،
وقد شوهد المحتجون في مدينة دزفول الجنوبية وهم يهتفون في مقطع فيديو “لا تخف، لا تخف، نحن في هذا معا”.
قاسم رضائي المسؤول الكبير في الشرطة حذر أمس الخميس من أنه “لن يكون هناك تهاون مع التجمعات غير القانونية وستتم مواجهتها، ما يؤشر الى تصاعد القمع وبالتالي تصاعد النقمة الشعبية .

من جانبها، أقرت الحكومة الإيرانية الأسبوع الماضي بخروج احتجاجات لكنها وصفتها بالتجمعات الصغيرة، وأفادت وسائل إعلام رسمية باعتقال “عشرات المشاغبين والمحرضين”.
ويخشى النظام الإيراني تكرار احتجاجات عام 2019، وهي الأكثر دموية في تاريخ الجمهورية الإسلامية، على الرغم من أن السلطات رفضت تقارير عن عدد القتلى في تلك الإحتجاجات ومنها تقرير لمنظمة العفو الدولية عن سقوط أكثر من 300 قتيل، ورواية رويترز عن سقوط 1500 قتيل.

والمعلوم أن الحكومة خفضت دعم سلع أساسية مثل زيت الطهي ومنتجات الألبان ووصفت قرارها بأنه “إعادة توزيع عادلة” للدعم على أصحاب الدخل المنخفض،
لكن المحتجين وسعوا مطالبهم، إذ نادوا بمزيد من الحريات السياسية وإنهاء الجمهورية الإسلامية وسقوط قادتها، بحسب شهود ومنشورات على مواقع التواصل الإجتماعي،
وأظهرت لقطات نُشرت على هذه الوسائل أمس الخميس متظاهرين يحرقون صور الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي ويهتفون “لا نريد حكم رجال الدين”، مطالبين بعودة رضا بهلوي، النجل المنفي لشاه إيران المعزول.
بهلوي من جهته دعا إلى الوحدة بين الإيرانيين “من أجل إيران حرة”، وعبّر عن مواساته لأسر “من قتلوا خلال الإضطرابات في وقت انقطعت خدمات الإنترنت منذ الأسبوع الماضي.

وللعلم، يعيش حالياً نصف سكان إيران تحت خط الفقر مع تفاقم العقوبات الأميركية، وارتفاع التضخم والبطالة وتراجع العملة الوطنية والفساد الحكومي والوضع الاقتصادي المنهار.
وبعد كل هذا ينبري مَن يريدنافي لبنان أن نتشبه بإيران وأن نطبق النموذج الإيراني الذي أدى خلال السنوات الماضية الى انهيار لبنان تماماً كما تنهار إيران والدول العربية التي تحكمها طهران عبر ميليشاتها على مساحة المنطقة الشرق أوسطية .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: