مع تعثر مفاوضات فيينا النووية بسبب الشروط الإيرانية المطالِبة برفع كافة العقوبات عنها، فيما واشنطن ترفض ذلك وتقبل برفع بعض العقوبات لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بالوضعين الداخلي الأميركي مع الكونغرس والخارجي الإقليمي الاسرائيلي -العربي- الخليجي الضاغط على الإدارة الأميركية،
يُطرح السؤال حول وضعية إيران الحقيقية وسط هذا التعثر وتفاجئنا المعطيات العلمية.
بدايةً لا بد من الإشارة إلى أن إيران حالياً ومن الناحية المالية مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط ومضاعفة سعره لأنها تصدّره الى الصين والهند بفارق أسعار يغطي إلى حد ما نفقاتها وميزانياتها بما يعوض عليها نسبياً المبالغ المالية التي لا تزال تحت العقوبات.
وفي نفس الوقت، نلاحظ أن إيران في هذه المرحلة وبحسب الخبراء والمراقبين، تستفيد من هذه الفترة من الجمود والتعثر في فيينا لتعزز ترسانتها الإنتاجية للطاقة النووية، وقد زادت إلى الآن قدراتها على صعيدين:
- الأول: زيادة عدد وحدات التخصيب المتطورة لتصل قدراتها الى ست مرات، قدرات الوحدات القديمة وهذه الوحدات المتطورة من طراز IR8 و IR9 والتي تزيد من القدرة الإنتاجية بين ١٦ و٤٠ مرة القدرات الإنتاجية للوحدات القديمة، ما يعني أن طهران قد لا يناسبها تسريع إبرام أي اتفاق يقيدها في مسيرة تطوير تخصيبها وهي تحاول كسب الوقت الضائع في سبيل تعزيز موقفها التفاوضي بتطوير وزيادة قدراتها في التخصيب.
- الثاني: أن إيران تسارع الوقت لإنتاج المادة النووية وقد أصبحت معدلات إيران في إنتاج الطاقة النووية عالية الإنتاج وبنسبة ٦٠% من اليورانيوم العالي التخصيب، علماً أن نسبة ٩٠% وما فوق تُستخدم لإنتاج السلاح النووي العسكري، وأنه إذا تُركت طهران بلا قيود فإنها في خلال أسبوع يمكنها الوصول إلى تلك النسبة بإجماع الخبراء وقد تكون تمتلك حتى تاريخه ٤٨ كيلوغراماً من اليورانيوم العالي التخصيب بنسبة ٦٠%، الأمر الذي ينبغي على وكالة الطاقة الدولية تأكيده في تقريرها الدوري كل ثلاثة أشهر والذي تصدره حول الإنتاج النووي الإيراني ومعدلات التخصيب، كما أنها تمتلك ٢٥٠ كيلوغراماً من اليورانيوم المخصّب بنسبة ٢٠% وحوالي ٥ أطنان من اليورانيوم المنخفض التخصيب.
ويقول خبراء إن مجموع تلك المواد والكميات قادرة على إنتاج ٤ قنابل نووية بمعدلات خطر متفاوتة تبلغ ربع مفعول قنبلة هيروشيما وقنبلة ناكازاكي.
وهنا تكمن الخطورة في أن طهران تحتاج الى ستة أسابيع لبلوغ مرحلة التخصيب ٩٠% التي تمكّنها من صناعة القنبلة النووية الكلاسيكية الشبيهة بقنبلة هيروشيما قوةً ومفعولاً.
.والعجب كل العجب كيف أن الأميركيين والغربيين يخفون عن الشعوب هذه الحقائق وكيف تركوا الأمور تبلغ هذا المستوى من التقدم.
والسؤال يبقى في معرفة هل أن هناك من أراد أن تصل الأمور الى هذه المرحلة من الخطورة بحيث يداهمنا الوقت من أجل اضطرارنا للقبول باتفاق نووي سيء على قاعدة أن لا خيار آخراً أمام المنطقة والعالم إلا الاتفاق على علاته الكارثية؟
كيف يمكن بعد اليوم تحجيم القدرات الإيرانية النووية وقد تخطت عتبة التحجيم، والمجتمع الدولي لا يقوى على ردعها وإيقاف تقدمها رغم ضغوط اللوبيات العربية والإسرائيلية؟
إيران اليوم لا تملك القنبلة ولكن باتت تملك قدرات تخصيب عالية مثل البرازيل واليابان والأرجنتين لتستخدمها أقله لأغراض سلمية،
فلم يعد أمام المنطقة والعالم من خيار سوى العمل على إجبار طهران على الإلتزام بموجبات التفتيش إنفاذاً لاتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية والتي وقعتها الجمهورية الإسلامية، وانتظار تغير النظام وسقوطه من الداخل لأن أي هجوم عسكري عليها قد يعطي مفعولاً عكسياً باتجاه تصنيع نووي عسكري، وطهران باتت قادرة على ذلك إن أرادت بلا رقيب ولا حسيب.
فاتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية تشترط التزام طهران متطلبات التعاون بحسن نية مع الوكالة الدولية ومفتشيها وبكل شفافية.
المؤسف أن الاميركيين لم يعرفوا منذ عهد الرئيس دونالد ترامب ومع الرئيس جو بايدن، إستثمار الإنسحاب من الإتفاق النووي بحيث أن ترامب فشل في تطويع إيران النووية رغم العقوبات الشديدة في حقها، فيما بايدن فشل في تحسين شروط العودة الى إتفاق لا يكون أكثر كارثيةً من اتفاق ٢٠١٥ ويقطع الطريق أمام كسب إيران مزيداً من الوقت لتطوير ترسانتها.
إيران نووية؟ ربما ليس بعد ولكن بقدرات نووية؟ نعم …
يبقى أن الآوان قد يكون فات لتجنب الأخطر.