في تقريره الأخير، خفّض البنك الدولي توقعاته للنمو العالمي لعام 2025 إلى 2.3% بعد أن كانت 2.7% في توقعاته السابقة مطلع هذا العام. المؤسسة المالية الدولية تعزو هذا التراجع إلى تصاعد الرسوم الجمركية، والحواجز التجارية المتنامية، وزيادة عدم اليقين السياسي، محذّرة من أن هذا العقد قد يسجّل أضعف نمو منذ ستين عاماً.
%2.3 ليست نسبة مثالية للنمو لكنها ليست مؤشر على ركود شامل، قد تكون تعبيرا عن حالة انتقالية أو فوضى مدارة. فالأسواق لم تتوقف، وسلاسل التوريد لم تنهَر، بل تعيد التموضع. لذلك التحذير وحده لا يكفي. من السهل دق ناقوس الخطر، الأصعب هو تفسير ما لا يمكن نمذجته.
ترامب، الرسوم، والدراما التجارية
لنكن صريحين: لا أحد يستهين بقدرة دونالد ترامب على إحداث اضطرابات اقتصادية عالمية. عودته إلى المشهد مع تهديدات جمركية، ضغط على الحلفاء، شيطنة للصين، ورفع الحواجز باسم حماية الوظائف أثارت مخاوف حقيقية. لكن الخطاب الاقتصادي الذي يتبنّاه ترامب حالياً ليس جديداً: فما حدث في 2018 و2019 كان أشبه بصدمات تفاوضية أكثر من كونها تغييرات بنيوية دائمة.
خطاب ترامب مليء بالدراما، لكن غالباً ما ينتهي إلى صفقات معدّلة لا كوارث اقتصادية.
تقرير البنك الدولي هو من خفّض نمو الاقتصاد الأميركي إلى 1.4% لعام 2025، بعد أن سجّل 2.8% في 2024. لكن لا يمكن تجاهل أن السوق الأميركية، على الرغم من التحديات، لا تزال تُظهر صموداً نسبياً:
• البطالة منخفضة نسبياً.
• أرباح شركات التكنولوجيا والخدمات تبقى قوية.
• الاستهلاك ما زال يتحرك، رغم الفوائد المرتفعة.
خلف هذه الأرقام، هناك أرض رملية غير مستقرة: ديون سيادية عند مستويات تاريخية، مخاوف من توقف الحكومة، اختلالات حقيقية في الموازنة، وانقسام سياسي عميق.
المفارقة؟ هذه العوامل لم تعد دائماً بتباطؤ حاد. وهذا يشير إلى أن الاقتصاد الأميركي لا يزال يملك محركات داخلية قوية، ولو أنها تعمل تحت ضغط.
الصين: تراجع هيكلي… لكن ليس بالضرورة انهيار
توقّع البنك الدولي تراجع نمو الصين من 5% في 2024 إلى 4.5% في 2025. السبب؟ أزمة العقارات، تراجع الاستثمار الأجنبي، والضغط التجاري من الولايات المتحدة.
الصين تمر بمرحلة إعادة تموضع، من اقتصاد مبني على التصدير والعقارات، إلى آخر أكثر اعتماداً على التكنولوجيا والاستهلاك الداخلي. علينا التمييز بين التراجع الموقت وإعادة الهيكلة المتعمدة. فالصين تدفع نحو نموذج اقتصادي مختلف فمن الطبيعي ان نشهد على تباطؤ مؤلم، لكنه قد يكون مرحلة انتقالية ضرورية لبناء ما قد يكون نموذج نموٍّ أكثر استدامة.
في الاقتصادات النامية: المشكلة أكثر من التوترات الجيوسياسية
60% من الدول النامية ستشهد تباطؤًا هذا العام. البنك الدولي يتحدث عن أن بعض الدول قد تستغرق 20 سنة لتعويض خسائر الجائحة.
بعض الدول التي تستثمر في التحول الرقمي، التعليم، والشراكات الإقليمية يمكن أن تتجاوز المتوسط.
أين قد تتجه رؤس الأموال؟
حتى وسط التراجع العالمي، يعيد التمركز. وبعضه يتجه نحو الخليج.
في الإمارات، رفع البنك الدولي توقعات النمو إلى 4.6% في 2025، و4.9% في 2026–2027، مدعوماً بعودة تدريجية للإنتاج النفطي ونمو قوي في القطاعات غير النفطية.
دول الخليج مجتمعة متوقعة أن تسجل 3.2% نمواً في 2025، يتسارع إلى 4.8% في 2027. النمو هنا إشـارة إلى أن بعض المناطق لا تزال تجذب التدفقات.