التحديات الحدودية أمام العراق في رقعة الشطرنج الجيو سياسية

0b680498de5af2842c83c66768a1a98f

أعلن العراق منذ أيام أنه وضع "إستراتيجية" لتأمين حدوده مع كلّ من إيران وتركيا، في قرار يأتي غداة قصف متكرر من جارتيه إيران وتركيا استهدف في إقليم كردستان- العراق مسلحين من المعارضة الكردية.
وجاء الإعلان في بيان صادر عن الحكومة العراقية الأربعاء الفائت بعد اجتماع للمجلس الوزاري للأمن الوطني ترأسه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني.
وقال البيان إن الحكومة قررت "وضع خطة لإعادة نشر قوات الحدود العراقية لإمساك الخط " صفر" على طول الحدود مع إيران وتركيا"، موضحاً أن هذه الخطة ستوضع "بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان - العراق ووزارة البيشمركة"، مشيراً إلى أن رئيس أركان البيشمركة شارك في هذا الاجتماع.
وكان وفد من البيشمركة قد التقى الثلاثاء الماضي ممثلين عن وزارتي الداخلية والدفاع حيث اتفق الطرفان على "إستراتيجية تهدف إلى تعزيز أمن الحدود"، بحسب بيان صادر عن إقليم كردستان - العراق.
وقال الناطق بإسم حكومة إقليم كردستان لاوك غفوري لوكالة الصحافة الفرنسية إنّ "حكومة إقليم كردستان سترسل تعزيزات من البيشمركة إلى الحدود".
وفي طهران، قال الناطق بإسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني إن بلاده تأمل في "عدم استخدام الأراضي العراقية لتهديد أمن إيران".

وكان الحرس الثوري الإيراني قد نفّذ الثلاثاء الفائت ضربات صاروخية وهجمات بمسيّرات مفخخة على مواقع تابعة للمعارضة الإيرانية - الكردية المتمركزة في كردستان - العراق، الإقليم المتمتّع بحكم ذاتي في شمال العراق، فيما شنّت تركيا من جهتها الأحد الماضي عملية عسكرية ضد مواقع لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية في شمال العراق وسوريا.

وفيما يبدو أن الإعلان العراقي موجّه بشكل خاص إلى إيران التي أكدت عزمها على الاستمرار في مواجهة "التهديد" الآتي من الإقليم العراقي، فإن هذا الإعلان يبقى ضعيفاً وغير فاعل ما لم يحظَ بدعم غربي وتحديداً أميركي، الأمر الذي لا يبدو الى الآن متوافراً بالنظر لسياسية واشنطن التي لا تزال تهادن النظام في طهران وتسايره رغم القمع الدموي للثورة الشعبية.

مسلسل القصف التركي والإيراني للأراضي العراقية مستمر منذ سنوات ولا يزال، طالما استمر مَن تصفهم تركيا وإيران بـ"الارهابيين" على الأراضي العراقية، بحسب مسؤولي البلدين في ما يبدو أنه تقاطع مصلحي بين البلدين الجارين للعراق، في وقت لم تخفِ فيه أنقرة إحتمالية شنها عمليات برية، وهو ما هدّدت به طهران بغداد كذلك.

العراق بإعلانه عن وضع "إستراتيجية" لتأمين حدوده مع كلّ من إيران وتركيا بعد اجتماع للمجلس الوزاري للأمن الوطني الذي رأسه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، وضمّ مختلف قادة الأجهزة الأمنية العراقية ومن ضمنها قوات البيشمركة الكردية التابعة للإقليم حاول وضع شروط وضوابط في وجه جارَيه اللدودين لمكافحة مطامعهما المتبادلة في الأراضي العراقية وسيادته.
الى جانب الناحية الأمنية والعسكرية، هناك أيضا جانب سياسي في هذه القضية، فضلاً عن مشكلة بين إدارتي محافظتي السليمانية وإربيل واختلاف توجهات الحزبين فيهما، وبالتالي هناك تعقيد سياسي كبير وولاءات كثيرة للجماعات الكردية الأجنبية المناوئة لإيران، وهناك وضع يشبه الأحجية على الحكومة العراقية تداركها وحلحلتها، في وقت وضع فيه المجلس الوزاري للأمن الوطني خطوات لمعالجة المشكلة من الناحية الأمنية والعسكرية ضمن الإستراتيجية، علماً أن مشكلة الحدود ليست جديدة بين العراق وتركيا وإيران، إذ تمتد إلى عقود ماضية.

ومَن ينظر الى خريطة العراق السياسية يلاحظ أن الحدود العراقية- التركية تمتد 350 كيلومتراً، فضلاً عن الحدود العراقية- الإيرانية ضمن حدود إقليم كردستان التي تناهز 750 كيلومتراً (من مجموع 1460 كيلومتراً هي طول الحدود بين العراق وإيران)، وبالتالي فإن الحدود التي تشهد مشكلات تزيد على 1100 كيلومتر، بحسب الخبراء العسكريين، وبالتالي فإن قرارات الحكومة العراقية بنشر قوات على حدود كل من تركيا وإيران مطبق فعلياُ، وأن هناك 3 ألوية عسكرية من قوات حرس الحدود في المناطق الشمالية، فيما الحكومة العراقية بدأت الآن بتشكيل لواء رابع من أجل إمساك الحدود والعودة إلى النقاط "صفر" التي تقع على الحدود الأصلية بين كل من العراق وتركيا، بعد تعزيز هذه القوات بمعدات ومركبات عسكرية، فيما يبقى من الصعب أن يتم تنفيذ أو تطبيق قرار العراق نشر قوات الحدود أو الجيش أو البيشمركة على طول حدوده التي تفصله عن إيران وتركيا، بالنظر للعديد من المشكلات ومن بينها انشغال القوات العراقية بمقاتلة الجماعات "الإرهابية"، فضلاً عن علاقة الحكومة الاتحادية مع الإقليم التي لا تتيح حركة انسيابية مرنة أو مريحة في الأراضي الخاضعة للإقليم،
وبالتالي و من دون دعم أميركي - غربي بعيد المنال حالياً سيكون العراق بحاجة لإرادة تعاونية من الجانبين التركي والإيراني، وهو أمر عسير لأن إيران تتذرع بوجود 9 جماعات مسلحة مناوئة لها في أراضي الإقليم، الأمر الذي يعد تحدياً كبيراً للحكومة العراقية للتعامل معها.

لذلك نرى أن مشكلة الحدود العراقية لا تحتاج إلى نشر قوات أمنية أو حرس حدود بقدر ما تحتاج إلى معالجات سياسية من كل من إيران وتركيا، والتوصل الى تسوية سياسية مع المعارضة للحدّ من العمليات العسكرية المناهضة لهما، ما يحتم تحمّل القوى الإقليمية مسؤولياتها المشتركة، كما بين العراق ودول المنطقة التي تعاني بدورها من تسلل معارضين مسلحين إلى داخل بلدانها.

هكذا يبقى العراق الحلقة الأضعف في المنظومة الأمنية الإقليمية الحالية وحدوده في مهب التهديدات العسكرية والاستخباراتية الأجنبية لجيرانه لاسيما وأن بغداد لا تمتلك وسائل سياساتها وقراراتها وإمكانيات استراتيجياتها الأمنية والحدودية، وهي بحاجة لتقويتها عسكرياً ولوجستياً، الأمر الذي لا يمكن أن يتم الا بدعم خارجي لا يبدو متوفراً في المديَين القصير والمتوسط، في ظل تشنج إقليمي- دولي وتشدّد كل طرف في الحفاظ على أوراقه وزيادتها لمصلحته تمهيداً لتسوية على مساحة المنطقة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: