التكامل الإقليمي الدولي الآتي والسقوط الإيراني

FILE PHOTO: The Iranian flag waves in front of the International Atomic Energy Agency (IAEA) headquarters, before the beginning of a board of governors meeting, in Vienna, Austria, March 1, 2021. REUTERS/Lisi Niesner/File Photo/File Photo

بالعودة الى الحدث التاريخي الذي حصل منذ أيام في المملكة العربية السعودية التي شهدت 3 قمم صينية سعودية وخليجية وعربية، لا تزال الأنظار والتحليلات والاهتمامات منصبّة على تشريح ما حصل ولا سيما لجهة السياسة الخارجية - السعودية- الخليجية - العربية الجديدة تجاه القوى العظمى والتوازنات الدولية والحرب الباردة التي يعيشها العالم منذ اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية وتداعياتها.
أن القمم التي انعقدت في الرياض مع الزعيم الصيني ليست إبنة ساعتها كما يُقال، وقد كشف أمين عام الجامعة العربية أن التحضيرات كانت قد بدأت منذ العام 2001 الا أن ظروفاً عدة أخّرت انعقادها حتى يومنا هذا،
وبالتالي لم تكن القمم، لا ردة فعل على سياسات واشنطن والغرب، ولا انعطافة سياسية واستراتيجية مفاجئة من الدول العربية والخليجية باتجاه الشرق، ولا بمثابة تخلِّ عن الشراكة مع الولايات المتحدة والغرب، ولا كل ما يُحكى ويُشاع خصوصاً من إعلام وأبواق محور الممانعة والمقاومة التي تدأب على الدوام في تشويه المبادرات واللقاءات والقراءات السياسية للأحداث الإقليمية والدولية انطلاقاً من الأجندة الإيرانية التي باتت على طريق السقوط بدورها.
القمم مع الصين ولا سيما القمة السعودية والقمة الخليجية جاءت لبناء شراكات إقتصادية وتجارية واستثمارية مع الصين وليس تحالفات عسكرية وسياسية واستراتيجية وأمنية، التي تبقى قائمة بين المملكة والخليج والعرب مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب وإسرائيل، وبالتالي من الخطأ الإعتقاد أن السعودية والخليج أقفلا باب الشراكة مع الأميركيين والغرب وانتقلا رزمة واحدة الى الجانب الصيني، خاصة وأن الخبراء في الشأن الصيني يجمعون على اعتبار بيجين غير راغبة في أن تبني تحالفات عسكرية وأمنية مع دول المنطقة، وهي في غير أولويات الملف الاستراتيجي العسكري الأمني، وجلّ ما يهمها بناء استراتيجيات إقتصادية وإستثمارية وتجارية ومالية مع الدول الخليجية لتوسيع علاقاتها والاستفادة من الأموال الخليجية لإنعاش اقتصاد الصين الذي يمر بفترة أزمة خانقة، فالتجربة مع الولايات المتحدة شابتها الكثير من الأخطاء والشوائب التي أضرّت بدول المنطقة ولا سيما المملكة ودول الخليج شقيقاتها.
مضار السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة بدأت فصوله منذ غزو العراق عام 2003 حيث تحوّلت السياسية الأميركية تجاه العرب والخليج الى تصرفات يشوبها الخبث و"التمريرات" من تحت الطاولة بين واشنطن وإيران والجماعات الموالية للنظام الإيراني، بحيث عمدت واشنطن الى تدمير الدولة العراقية وليس خلع الرئيس صدام حسين، وقد حلّ الجيش العراقي وحلّت مؤسسات الدولة العراقية، ما سهّل تسليم العراق لإيران وميليشياتها.
منذ ذلك الحين، بدأت العلاقات الخليجية والعربية ولا سيما السعودية مع واشنطن تتراجع والعلاقات التاريخية بين الرياض وواشنطن اصطدمت بحاجز العراق وتوقفت عندها.
يستحضرنا في هذا السياق، التصريح الشهير لوزير الخارجية السعودية الراحل سعود الفيصل الذي قالها بالفم الملآن ومن دون مواربة: " لقد سلّمت واشنطن العراق لإيران على طبق من ذهب ".
منذ تلك اللحظة، بدأ التحوّل الاستراتيجي السعودي الخليجي والعربي تجاه الأميركيين،
فسياسة واشنطن في العراق تسبّبت ببروز خلافات سياسية داخلية حادة في الولايات المتحدة الأميركية بين الجمهوريين والديمقراطيين حاولت دول الخليج والدول العربية اللعب عليها لتصحيح المسار الأميركي الملتوي تجاه المنطقة والذي بات يقوّي "شوكة" النظام الإيراني على حساب الدول الخليجية والعربية الحليفة تاريخياً لواشنطن.
من هنا، كان وصول الرئيس دونالد ترامب الى البيت الأبيض بمثابة فاتحة أمل خليجية عربية باستعادة واشنطن للورقة الخليجية العربية وتحديداً السعودية، الا أن الرئيس ترامب لم ينجح بأكثر من تشديد الحصار والعقوبات على إيران بعد انسحابه من الاتفاق النووي العام 2015 من دون التمكّن من تحقيق الكثير لدول المنطقة.
رب قائل إن تجربة الرئيس ترامب لا يمكن الحكم عليها سلباً تجاه المنطقة لأن ولايته اقتصرت على أربع سنوات فقط، ولذا لم يكن أمامه لا الوقت الكافي ولا الصلاحيات الكافية لاستكمال سياساته العربية تجاه المنطقة وضد إيران، بخلاف الغالبية العظمى من الرؤساء الأميركيين الذين تمكّنوا من المكوث في البيت الأبيض لأكثر من ولاية.
قد يكون هذا الكلام صحيحاً ومبرّراً الا أن العبرة بالنتائج، وبالتالي لم ينجح الرئيس ترامب في تنفيذ وعوده والتزاماته تجاه العرب ودول الخليج التي قطعها في قمة جدة الشهيرة، والتي جمعته مع أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية في مستهل ولايته، آملاً يومها بالتمكّن، في ولاية ثانية، من إجراء المقتضى بعد أن يكون قد تحرّر من سيطرة الدولة الأميركية العميقة التي تتحكم عادة بالولاية الأولى للرؤساء.
ومع فشل التجربة الجمهورية في المنطقة، وإزاء الضغط الشعبي والجماهيري العربي والخليجي على حكام المنطقة للتخلي عن منطق الحماية الخارجية لهم والاتكال على قوة دول المنطقة الذاتي في مواجهة التهديد الإيراني الماثل أمام دول المنطقة والخليج والتماهي الأميركي الغربي مع طهران.
دول المنطقة توجهت نحو القرار التاريخي بأن يكون لها ما يلزم من ترسانة نووية وتنمية لقدرات إقتصادية وعسكرية وأمنية وتجارية ومالية واستثمارية تعود بالقوة والنفع على شعوب المنطقة، وتلغي نهائياً السياسة الإحتمائية التي كانت تمارس زهاء أكثر من سبعين عاماً.
من هنا، جاء مشروع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في رؤية 2030 تجسيداً للنهج الجديد في التطور والتنمية للقدرات والطاقات الذاتية للمملكة العربية السعودية، ومن هنا أيضاً جاء طموحه بأن يجعل من الشرق الأوسط أوروبا جديدة، من هنا فإن نجاح مشروع 2030 السعودي سيرتدّ بإيجابياته على مجمل دول المنطقة والعالم العربي، لذلك برزت استراتيجية سعودية خليجية جديدة بالتعاون مع كافة القوى العالمية على قدم المساواة وتوسيع مروحة العلاقات الاستثمارية والتجارية الدولية، ليس فقط مع الصين بل مع العديد من الدول العشرين الأولى الأقوى إقتصادياً وتجارياً مثل كوريا الجنوبية واليابان، وهي دول زارها ولي العهد محمد بن سلمان لتعزيز الانفتاح والتعاون والشراكات في هذه المجالات، علماً أن الولايات المتحدة الأميركية نفسها تبحث حالياً مع الصين كيفية تطوير العلاقات الثنائية ونقلها الى علاقات سلمية ووقف الصراعات بينهما من أجل شراكات كبرى بينهما …
فهل يُعاب على السعوديين والخليجيين والعرب ما يفعله الأميركي مع الصين؟
في خلال القمة الخليجية - العربية - الصينية، كان القادة العرب والخليجيون على قناعة بعدم إمكانية أن تكون الصين بديلاً عن الولايات المتحدة الأميركية، فلعبة البدائل ليست الخيار الصائب، وقد عكسَ تصريح وزير الخارجية السعودي بن فرحان هذه الحقيقة، وأساساً لا السعودية ولا دول الخليج ولا الدول العربية أرادت الدخول في لعبة المفاضلة وإيجاد البدائل عن الأميركيين والغرب،
فالخليج والعرب يريدون سياسات تعاون وتكامل مع كافة دول العالم ذات الاقتصاديات القوية والمصالح المشتركة الحيوية، ما يحتّم تنويع المصادر والبحث على المصالح، و يخدم البناء والتنمية والتعليم في الخليج والعالم العربي.

المملكة العربية السعودية، ومعها دول الخليج والعرب، لم يعودوا يراهنون على لجم إيران أميركياً وغربياً ولم يعودوا يرون في الحليف الأميركي والغرب سنداً كافياً لتأمين مصالحهم الإقليمية والدولية،
كما أن المملكة ودول الخليج والعرب لم يعودوا يراهنون على أي دور أميركي غربي لإسقاط النظام في إيران، وهو النظام الذي لن يسقطه الا الشعب الإيراني من خلال انتفاضته لا بل ثورته الميمونة … وفي نفس الوقت لا يعوّل السعوديون ولا الخليجيون ولا العرب على أي دور صيني ضد إيران، ولكن في نفس الوقت تطمئن الدول في المنطقة الى غياب أية مناورات صينية "خبيثة" من تحت الطاولة لدعم النظام الإيراني كما هو الحال بين واشنطن والغرب وطهران رغم فرض الغرب لعقوبات على النظام لكن من دون الذهاب الى دعم الشعب الإيراني الثائر مباشرة،
فسقوط النظام الإيراني بات مسألة وقت فيما تتزايد الثورة في كل مكان في إيران،فيما الرياض وأشقاؤها الخليجيون والعرب أعادوا تموضعهم الاستراتيجي ضمن معادلة "لا مقاطعة الأميركيين والغرب استراتيجياً ولا إقفال الباب اقتصادياً واستثمارياً وتجارياً أمام الصين ودول الشرق في كل ما يخدم مصالح دول المنطقة ويضمن أمنها وسلامتها وازدهارها.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: