الثورة الشعبية اليتيمة في إيران

TXzFLLSb

مع دخول المظاهرات واﻻحتجاجات الشعبية في إيران شهرها الثاني، وتميّزها عن سابقاتها من حيث المدة والعمق والشمول واﻻستمرارية، رغم القمع الذي تمارسه سلطة الملالي بأجهزتها الأمنية المستنفرة على الشعب الثائر ضد ظلمهم، وفي ظل فضيحة العالم الغربي الساكت الى الآن بخجل عن اتخاذ ما يلزم من إجراءات وخطوات ليس أقلها إحالة النظام الإيراني الى العدالة الدولية، ووقف أي تفاوض معه ومعاقبته بعقوبات صارمة وشاملة ﻻ بعقوبات رمزية ﻻ ترقى الى مستوى المطلوب ضد نظام يقتل شعبه وينكل به على مرأى ومسمع من العالمين الغربي والعربي، ويبقى السؤال عن غياب حراك الرأي العام العربي الذي يجب أن يدعم الثورة الشعبية في إيران في هذه اللحظة بالذات.

نعلم أن الحكومات الغربية الليبرالية متواطئة مع النظام الإيراني ضد شعبه، وما التصاريح الخجولة من وزير خارجية الوﻻيات المتحدة الأميركية أنطوني بلينكن أو من الرئيس جو بايدن سوى كلام ما دون المستوى المطلوب، خاصة اذا صحّت المعلومات أن ثمة إفراج عن أموال إيرانية مجمّدة مقابل صفقة تبادل الأسرى بين طهران وواشنطن مؤخراً، وفي عز اﻻنتفاضة التي تعيشها إيران بدل أن تعمد واشنطن الى تحويل تلك الأموال الى الشعب الإيراني.

لكن ما نعلمه أيضاً أن ثمة رأي عام غربي وعربي في آن يجب أن يعبّر عن دعمه وتأييده للشعب الإيراني في ثورته وعدم اﻻكتفاء "بالتويتات والهاشتاج" ووسائل الدعم والتأييد على مواقع التواصل الإجتماعي.

بالأمس في لندن على سبيل المثال، نُظمت مظاهرة تأييد للشعب الإيراني شاركت فيها جاليات دول محتلة من إيران من عراقيين ويمنيين وسوريين الى جانب الإيرانيين المعارضين للنظام في طهران، وكانت الهتافات ﻻ تطالب فقط بإسقاط النظام بل وأيضاً تنتقد الصمت الدولي واﻻمتناع عن دعم الثورة الشعبية.

إنها اللحظة المؤاتية للرأي العام العربي ليهبّ في مساعدة الشعب الإيراني بدءاً من تنظيم وحشد مظاهرات تأييد في كل العواصم العربية وبخاصة العواصم التي عانت من ظلم وبطش ومصادرة النظام الإيراني عبر وكلائه في المنطقة لدولهم وحكوماتهم وسيادتهم، فالمطلوب من الرأي العام العربي اليوم قبل الغد ملاقاة الشعب الإيراني الثائر ودعمه والعمل على إعادة الإنترنت اليه كي يستطيع إعادة التواصل بينه وبين العالم الخارجي لنقل فظائع النظام وحرسه الثوري وقواه الأمنية من باسيج وباسدران وشرطة في حق أبنائه الثائرين على تخلفه وتجويعهم.

الغضب بات يتجاوز مجرد المطالبات الحياتية الروتينية، ولأول مرة تستمر المطالبة بآسقاط النظام وإنهاء حكم الدكتاتور من دون كلل وتراجع رغم القمع الوحشي، وباتت الثورة أيضاً تشمل كل المناطق في إيران ﻻ بل كل الشعوب في إيران من بلوش وأحوازيين وآذريين وأكراد وسواهم، فيما التوتر سيد الموقف على الحدود بين إيران وأفغانستان ( طالبان ).نفهم أن يكون الغرب الليبرالي مؤيداً للنظام الإيراني ويتجنّب الصدام الكبير معه لأنه ﻻ زال بحاجة اليه ولو على حساب دماء وقهر شعبه وقمعه وإراقة دمائه، الأمر الذي لم يكن ليكون مشابهاً لو أن أي نظام عربي تصرّف بمثل ما يتصرّف النظام الإيراني مع شعبه، وقد استبسل الديمقراطيون في الوﻻيات المتحدة عام ٢٠١١ للإطاحة بالأنظمة العربية التي كانت واشنطن تصفها بالدكتاتورية، فيما تصمت صمت القبور أمام النظام الإيراني الذي ينكّل بشعبه ويحكمه بقبضة الحديد والنار.هذا النفاق الغربي الليبرالي، ونشدد على تسمية الليبرالي لأن كل الأنظمة الأوروبية الليبرالية تتشارك فيه أيضاً في مقابل المنافع والمكاسب اﻻقتصادية التي يريدون جنيها من الإيرانيين وتحديداً من هذا النظام الإيراني المستبد والمترهل، ﻻ يجب أن تتماهى معه عن غير قصد اللامباﻻة العربية أقله الشعبية إن كانت للحكومات العربية اعتباراتها التي تمنعها من التدخل في الشأن الإيراني الداخلي.

لطالما عوّدنا الرأي العام العربي على الثورة ضد الظلم والظالمين والطغاة الإيرانيين خاصة عندما يمارسون ظلمهم وبطشهم واحتلالهم حتى خارج حدود إيران في الدول العربية ويمسكون بمفاصل الحكم والسلطة فيها بصورة غير مباشرة عبر أذرعها في تلك الدول كما في العراق واليمن ولبنان وسوريا وغزة ... فالشعب الإيراني الثائر والشجاع ليس الشعب الأوكراني كي تهتم لمصيره دول الغرب الليبرالي ولكنه بأهمية الشعوب العربية بالنسبة الينا كي تهتم به الشعوب العربية ...ما يحصل من صمت غربي ومجاملات ديبلوماسية واستنكارات إعلامية لتصرفات النظام الإيراني في حق الانتفاضة والاحتجاجات يفضح التخادم بين النظام الإيراني وهذا الغرب المنافق الذي لم يتوانَ عن إقامة الدنيا ولم يقعدها على جريمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، مركّزاً حملته المسعورة والمشبوهة على المملكة العربية السعودية وولي عهدها الأمير محمد بن سلمان في استهداف سياسي واضح سرعان ما افتضحت نواياهم من هذا اﻻستهداف عندما وضعوه جانباً لحاجتهم الى المملكة ودول الخليج العربي في لحظة استفحال أزمة الطاقة عندهم .. وهم أنفسهم وبسبب حاجتهم الى نظام الملالي في إيران يضعون جانباً قمعه ودكتاتوريته وبطشه وانتهاكاته لحقوق اﻻنسان ... ﻻ لشيء إﻻ لحاجتهم الى خدماته في متابعة زعزعة أمن واستقرار الخليج والمنطقة العربية ...

لذلك نرى من واجبنا عدم التماهي مع التواطؤ الغربي على الثورة الحالية في إيران والعمل، عرباً ورأياً عاماً عربياً بالأفعال وليس فقط بالهاشتاجات والتويترات واليوتيوب على دعم الشعب الإيراني الثائر على نظامه، وإمداده بما يلزم من دعم إعلامي وشعبي وسياسي لمواصلة ثورته على نظامه، وقد بدأ الأخير يضعف وقد تحين ساعة القطاف لنردّد مع الحجاج بن يوسف : بأننا نرى رؤوساً في النظام الإيراني قد أينعت وحان قطافها ....

فهل نترك نحن العرب وبخاصة العرب المتضررين من النظام الإيراني، الشعوب الإيرانية يتيمةً في مواجهتها آلة الموت والقمع والتنكيل للنظام الإيراني الذي بات آيلاً للسقوط ولو بعد حين.

سقوط حجاب المرأة في إيران كشف النظام الإيراني وأسقطه معنوياً ووطنياً وسياسياً، وبات علينا مساعدة الشعب الإيراني على إسقاطه خاصة وأن النظام يجهّز لمهاجمة المملكة العربية السعودية ودول الخليج وهو لم يتوانَ عن إرسال المسيّرات الى روسيا لضرب الناتو والدول الأوروبية انطلاقاً من أوكرانيا ... فغريب كيف أن الغرب، وبخاصة أميركا الديمقراطية، يسكت عن تحالف إيران مع روسيا في أوكرانيا وتقف واشنطن الديمقراطية حيادية بلا لون وﻻ رائحة أمام قمع النظام الإيراني لثورة شعوبه الديمقراطية ... قالها جون بولتون، ضرورة دعم أميركا لثورة الشعب الإيراني ... فأين الديمقراطيين من وقوفهم الى جانب الحركات الديمقراطية ؟

النظام الإيراني على طريق السقوط ولو بعد حين وأحفاد أبناء ثورة الخميني هم الذين ينهون اليوم ثورة أبائهم ويأكلونها من أجل حرياتهم وكرامتهم،فهل نبقى كعرب متفرجين ومصفقين للثوار الإيرانيين من دون أي حراك داعم ؟ في واشنطن، الكونغرس الأميركي سيعقد جلسات استماع حول ما يحصل في إيران خلال الأيام القليلة المقبلة ...

فعلينا عدم إبقاء الثورة الحالية في إيران يتيمة ... وقد اقتربت لحظة التغييرات الكبرى في المنطقة ...

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: