في مقال سابق لنا بتاريخ ١٦ الجاري تحت عنوان " إسرائيل الى التصعيد في المنطقة من سوريا "، أشرنا الى العوامل والمؤشرات الداعمة لهذا التصعيد، وقد قامت إسرائيل بسلسلة من الغارات الجوية والبحرية والبرّية على سوريا في الأيام القليلة الماضية بوتيرة مرتفعة جداً بلغت حد تسجيل أكثر من عملية أو غارة في اليوم الواحد.
الدبابات الإسرائيلية إجتازت خط فك الاشتباك في الجولان
وفي هذا السياق التصعيدي، نفذت إسرائيل بالأمس عملية عسكرية في بيت جنّ في الجولان المحتل بواسطة مسيّرة استهدفت مسؤولين في الجهاد الإسلامي داخل الأراضي السورية، وبخاصة المنطقة المعروفة بخط وقف إطلاق النار المقامة منذ العام ١٩٦٧.
الطائرة المسيّرة استهدفت دراجة نارية كانت تقلّ على متنها شخصين قُتلا على الفور، وإثر ذلك حمّل الجيش الإسرائيلي النظام السوري مسؤولية أية عمليات تحصل داخل أراضي سيطرته. منطقة الجولان اذاً في حالة حرب لم تشهدها منذ العام ١٩٦٧ خصوصاً وأن قصفاً مدفعياً إسرائيلياً تبع عملية اﻻغتيال، بحيث توغّلت الدبابات الإسرائيلية أول مرة الى عمق المنطقة مجتازة خط فكّ اﻻشتباك، وقصفت مبانٍ قال الجيش الإسرائيلي إنها لتخزين الأسلحة للنظام والإيرانيين. وقد أعلن الجيش اإسرائيلي أنه قصف بالمدفعية مبنيَين تابعَين للجيش السوري في منطقة عين التينة في الجولان، واللافت أن تل أبيب أعلنت عن هذه العمليات أول مرة بعدما كانت تلتزم الكتمان حيال هذا النوع من العمليات.
رسائل إسرائيلية واضحة
الرسالة الإسرائيلية واضحة سياسياً وميدانياً :
من الناحية السياسية، العمليات في الجولان تعني أن قواعد الاشتباك قد تغيّرت في الجولان ولم تعد إسرائيل تركن الى دور النظام السوري في حماية أمنها هناك، وأنها صمّمت على الحفاظ على أمنها في الجولان بنفسها وبإمكاناتها الذاتية ومعاقبة النظام المتحالف مع الإيرانيين وميليشياتهم ضد أمن إسرائيل، وهذه الرسالة السياسية تؤكد أيضاً ما سبق وأشرنا اليه في مقالات سابقة من أن إسرائيل لم تعد ترى في بشار الأسد ونظامه ضماناً للحفاظ على أمنها في الجولان بعدما ارتمى الأسد في حضن الإيرانيين كلياً، ولم يعد بالتالي قادراً على اﻻستمرار في ضمان أمن اسرائيل في الجولان، ولذا فإن الأخيرة باتت بحلٍ من إبقاء نظام اأسد خلافاً لما كان عليه الأمر منذ العام ١٩٦٧.
أما الرسالة الميدانية فهي في أن إسرائيل لا يقف بوجهها أي اتفاق أمني، سواء مع الروس أو سواهم عندما يتعلّق الأمر بأمنها القومي، وهي مستعدة لدخول الأراضي السورية في عمق أعماقها لحماية أمنها من خطري النظام وإيران.
ألآف المقاتلين في صفوف ميليشيات إيران
ثمة تقارير استخباراتية إسرائيلية تحذّر من نشاط ميليشيات إيران محدّدة بالإسم ميليشيا "لواء الإمام الحسين" وتضم ٦٠٠٠ مقاتل منهم ١٠٠٠ مخصصين لشنّ هجمات ضد إسرائيل ويملكون طائرات مسيّرة وصواريخ أرض- أرض وأرض- جو، وتتصدّى لهم الفرقة الإسرائيلية رقم ١٢ المعروفة بإسم " باشان " التي تتصدّى للمشروع الإيراني المتمثّل بهذه الميليشيا، والتي كان قاسم سليماني قد أسسها شبيهةً بحزب الله اللبناني، كما تحدثت التقارير الاستخباراتية اإسرائيلية عن أن قائد الألف عنصر يُدعى ذو الفقار حناوي ويبلغ من العمر ٤٠ عاماً و قد عيّنه سليماني بنفسه.
خرق اتفاق بوتين- نتنياهو
إسرائيل وصلتها معلومات مؤكدة عن أن إيران تقترب كثيراً من حدودها الشمالية الشرقية، الأمر الذي لا يمكن لها القبول به، و كانت قد اتفقت مع موسكو عام ٢٠١٨ على إبعاد إيران وميليشياتها عن الجنوب مسافة ٨٠ كيلومتراً وفق اتفاق بوتين - نتانياهو، إﻻ أن إيران أطاحت باﻻتفاق وبدأت تقترب من الحدود أكثر فأكثر، ما حدا بإسرائيل الى مراجعة قواعد اﻻشتباك واتخاذ القرار بالتدخّل عسكرياً.
سقوط ضمانات بوتين وضغط على الأردن
ما تريده إيران من جنوب سوريا هو الضغط على الأردن وإسرائيل في نفس الوقت، وقد سقطت ضمانات بوتين فايران توغّلت في قوات النظام السوري ومن خلالها وكذلك من خلال الميليشيات الإيرانية المستحدثة والمنتشرة بصورة خطيرة.
خطورة ما يحصل في سوريا حالياً تكمن في تسليم الأسد زمام الأمور إيران وحزب الله وميليشيات متطرّفة ستُستخدم ضد السويداء ودرعا والثورة هناك، بحيث يمكن حتى أن يُفتح المجال أمام دخول "دواعش" الى المنطقة لإحداث انفلات أمني.
الأسد كان سبق له أن أوصل رسالة الى الأردن مفادها أن الجنوب السوري هو مشكلة أردنية، ولسان حاله يقول إن المشكلات التي يواجهها الأردن هي خاصة به هو، وﻻ دخل لنظامه فيها سواء في موضوع اللاجئين أو الأمن أو التهديد الأمني للحدود الأردنية، والغاية خلق فوضى والضغط على دول الجوار السوري وبخاصة في الأردن.
خرق الخطوط الحمر من قبل إيران
إسرائيل من جهتها تعتبر أن إيران خرقت الخطوط الحمر في الجنوب السوري مع سقوط التفاهمات التي حاكتها مع الرئيس فلاديمير بوتين بهدف إبعاد إيران وميليشياتها عن الحدود الشمالية لإسرائيل، وقد بلغ الأمر بالإسرائيليين حد قصف مواقع للنظام في الآونة الأخيرة من دون اﻻكتفاء بالتحذير وتجنيب قوات النظام السوري ضرباتها.
إسرائيل تريد ردع إيران ﻻ سيما وأن هناك خلف الأبواب المغلقة تجري مفاوضات إيرانية- أميركية تهدف للسماح لطهران بتخصيب اليورانيوم بنسبة ٦٠%، الأمر الذي ترفضه إسرائيل كلياً ما يزيد من احتمالات المواجهة بينهما على أرض الغير كما في سوريا حيث تتم تصفية الحسابات مع رغبة بتجنب اﻻصطدام المباشر، ومن هنا التوترات المتنقلة بين جنوب لبنان والجولان السوري حيث إسرائيل تتحضّر لعملية أوسع قد تجرُ الى مواجهة واسعة النطاق.
روسيا تسلّم زمام الأمور الميدانية الى إيران
الدور الروسي من جهته في سوريا الى انحسار وتسليم إيران زمام الأمور، ما أتاح ويتيح للإيرانيين التقدّم باتجاه الشمال الإسرائيلي على الحدود يضع إسرائيل في حالة حرب ومواجهة ضد الوجود الإيراني في الجنوب السوري، علماً أن الجنوب السوري وﻻ سيما الجولان محكوم بخطوط حمر تضمنها قوات دولية للفصل لكن تل أبيب ﻻ تثق بإمكانيات قوات حفظ السلام في منع توغّل الإيرانيين وميليشياتهم الى الداخل السوري الحدودي معها .
الجنوب السوري في " عين التصعيد"
الجنوب السوري اذاً في عين التصعيد والأيام والأسابيع المقبلة ستكون حافلة بالتطورات في المنطقة، خصوصاً واأن النظام السوري في عين العاصفة بين ثورة متجدّدة ومتصاعدة وبين تهديد اإسرائيلي بخرق كل الخطوط الحمر نتيجة سقوط التفاهمات وتحكّم طهران بالوضع السوري سياسياً وعسكرياً واستراتيجياً، وقد تصل مضاعفات التوتر الى لبنان وجنوبه إنما وفقاً لحسابات أخرى ليس لحزب الله الى الآن قدرة على تحمّلها في مواجهة الداخل اللبناني لكن الى متى ؟