الحرب العالمية الاقليمية في وجهها الفلسطيني

640a5d1f-2ced-488a-ad0e-c249913c2f88

نحن في حرب عالمية مرتسمة جبهاتها بوضوح كلي : في الغرب جبهة أوكرانيا – روسيا، في الشرق جبهة إيران – إسرائيل، وفي آسيا الشرقية جبهة الصين وتايوان.
فصول الصراع تُدار على تلك الجبهات التي هي جبهات الفصل بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي،
وهناك تحالف ثلاثي معادٍ للغرب وللولايات المتحدة تحديداً قوامه الصين وإيران وروسيا،
وهو تحالف ثلاثي يسعى لتوجيه الضربات للغرب وحلفاء الغرب وفي المنطقة حيث اسرائيل أبرزهم.
هذا التحالف الشرقي بقيادة الصين يتولى مقاتلة حلفاء أميركا سواء في أوروبا أو في الشرق الأوسط أو في أقصى شرق آسيا.
آسرائيل هي في “عين عاصفة” هذا المحور تماماً كما أوكرانيا وتايوان لكونهم يشكلون تهديداً مباشراً لدول المعسكر الشرقي، فروسيا عاجلت أوكرانيا بغزوها وراحت تدور رحى الحرب على أبواب القارة الأوروبية الحليفة الإستراتيجية الأولى للأميركيين، وتجابه بالناتو وبمجموعة من ٤٠ دولة متورطة ضد روسيا، منها دول عربية إنضمت الى مجموعة وزراء الدفاع والقيادات العسكرية للدول الحليفة للغرب.
الصين تحاصر تايوان إثر زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الإستفزازية لها وللولايات المتحدة تحالف الاوكوس،
فضلاً عن حلفاء واشنطن اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان.
إيران تهاجم إسرائيل في غزة عبر ذراعها التابعة كلياً لها وهي حركة الجهاد الإسلامي وسرايا القدس،
وهي بتهديدها إسرائيل تهدد أمن الأردن وقد أعلنها الملك عبد الله الثاني في اتهامات واضحة في حق إيران لأنها تشكل تهديداً على حدود المملكة الأردنية الهاشمية مع سوريا التي تسيطر عليها جماعات طهران وبأن تهريب السلاح والمخدّرات يتم
عبر الأردن باتجاه الضفة.
إيران تريد استهداف الضفة الغربية لإشعالها وتوحيد الجبهات بين عزة والضفة كما حصل في العام
2021 وصولاً الى القدس، فطهران لم تنجح في جعل الضفة “غزة ثانية” هذه المرة خصوصاً وأن لا لبنان تدخل عبر حزب الله، ولا غزة خرجت عن بكرة أبيها لمواجهة إسرائيل بقيادة حماس، فحوصر الجهاد الإسلامي فيما إسرائيل لم تضرب حماس بل الجهاد واغتالت قيادييه لتفشيل
مخطط إيران بحرب شاملة.
إسرائيل أمام استحقاقات دستورية قريبة في تشرين الثاني وثمة احتمال بعودة بنيامين نتنياهو،
وانطلاقاً من هذه الحسابات لم تفتح جبهة الضفة هذه المرة بوجود السلطة الفلسطينية التي ترأسها فتح، عدو إيران منذ وقوف
الرئيس ياسرعرفات الى جانب الرئيس صدام حسين في حربه ضدها،
فإسرائيل التي قرأت منذ سنوات خطة إيران إنسحبت من غزة وهي على استعداد للإنسحاب من الضفة
التي تصبح ملحقة عندئذ بالأردن فتعود حدود إسرائيل الى العام ١٩٦٧.
وبين عملية سيف القدس العام الماضي وعملية الفجر الصادق الأخيرة في غزة دلالة واحدة الا وهي ارتفاع بورصة المواجهة المحتملة بين إسرائيل وأيران من خلال عزل ذراع إيران، الجهاد الإسلامي، وفي هذا السياق اعتبر رئيس الشاباك رونين بار أن العدوان حقق غاية إستراتيجية بالفصل بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي، فيما شدد قادة أجهزة الأمن الإسرائيلية على أنه يجب الحفاظ على هذا الفصل.
وقال مسؤولون أمنيون إسرائيليون، رداً على سؤال وزيرة الداخلية أييليت شاكيد حول سبب عدم قصف أبراجٍ سكنية بإدعاء أن الجهاد تستخدمها، إن هجمات كهذه كانت ستجرّ حماس إلى داخل المواجهة، وهذا أمر حاولت إسرائيل منعه.
وزير الصحة الإسرائيلي نيتسان هوروفيتس، اعتبر أن “هدف العملية العسكرية وهو استهداف الجهاد الإسلامي، وقد تحقق …

من هنا فإن إيران حاولت وستعود الى محاولاتها بإشعال الجبهات الفلسطينية في آن واحد عملاً بمبدأ وحدة الساحات من خلال تحويل الضفة الى غزة، ما كان سيؤدي لو حصل الى نتيجة قوامها إلحاق غزة بمصر والضفة بالأردن بناءً على اتفاق دولي يواجه المؤامرة الإيرانية على إسرائيل بحجة الدفاع عن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، فتعود سلطة الهاشميين على القدس وتلحق
الضفة بالمملكة الأردنية.
إيران لن تركن تجاه إسرائيل ولن تقبل بأقل من إحياء جبهتي الضفة وغزة، الأمر الذي سيصعّب كثيراً
أمر توقيعها على الاتفاق النووي الذي سيشل قدرتها على تنفيذ مخطط الضفة وغزة.

الملاحظ أن الغائب الأكبر في البرامج الإنتخابية في إسرائيل حالياً التسوية السياسية مع الفلسطينيّين، خلافاً لزمن مدريد وأوسلو، فمع اتجاه الخيارات نحو اليمين لا يعود بالإمكان التكلم عن سلام بل عن أولوية الأمن التي ترجح كفة الموازين.

ولا يزال الليكود متصدراً اليمين المتشدّد مع بنيامين نتانياهو في وجه اليسار الذي يمثله حتى الآن رئيس الوزراء يائير لابيد، وربّما وزير الدفاع بيني غانتس فيما بعد.

اذاً وانطلاقاً من مفهوم الترابط الاستراتيجي لدى المحور الشرقي، وفي ظل تسليم روسيا إيران زمام الأمور في سوريا ولبنان وبالتالي في فلسطين، فمن المتوقع أن تحاول إيران مرة جديدة تحقيق ما عجزت عنه في الجولة الأخيرة من العنف في غزة ولكن بتوريط الضفة الغربية في الصراع وجر حماس الى المواجهة، الأمر الذي سيؤدي اذا تحقق، الى إيجاد تفاهمات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والولايات المتحدة ودول المنطقة العربية من أجل إقرار خطة إلحاق غزة تحت السيادة المصرية ووضع الضفة تحت السيادة الأردنية وإلحاق القدس الشرقية بسيادة العرش الهاشمي وسلطته في الأردن.

هكذا صيغة تريح إسرائيل أولاً لأنها بانسحابها من الضفة بعد انسحابها سابقاً من غزة توفر على نفسها التضحيات الأمنية والعسكرية وتستفيد من تقسيم فلسطين بين دولتين وقعتا معها معاهدات سلام وتريح العرب، ولا سيما كلا من مصر والأردن الدولتين الأكثر التصاقاً وتأثراً بالوضع الفلسطيني وقلقا على أمنهما من الوجود الإيراني والتاثير الإيراني على الفصائل الفلسطينية، وترفع عن كاهل العرب عبء إيجاد تسوية أفضل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فيصبح عندها بالإمكان للمملكة العربية السعودية أن تطبّع مع إسرائيل.

معادلة جنين- غزّة باتت هي الناخب الأساسي في إسرائيل، فالحكومة الحالية التي تكافح بصعوبة بالغة للاحتفاظ بذاتها، صعّدت في جنين وسائر أنحاء الضفة، وكان الهدف الأبرز أو الأكثر إثارة قائد الجهاد الإسلامي في الضفة الشيخ بسام السعدي. ونظراً إلى توقّع الردّ من غزّة فقد أرسلت إسرائيل جيشها وطائراتها ومعدّاتها الثقيلة إلى الغلاف، فإمّا ردع يتوافر من دون قتال، ويكسب غانتس المرشّح المميّز للكنيست مع احتمال تولّيه رئاسة الوزراء، وإمّا حرب ستكون أكثر شراسة من كلّ ما سبقها قد تجر المنطقة الى تصعيد خطير.

صحيح أن تاريخ العلاقات بين اليهود والفرس لم يسجل صداماً مباشراً في الماضي بينهما لكن الصحيح أيضاً أن الصراع الحالي بين إيران وإسرائيل جدي بموضوع الترسانة النووية الإيرانية التي تقلق إسرائيل، وبالتالي ليس مسموحاً لإيران بأن تمتلك السلاح النووي لأن في ذلك تهديداً وجودياً مباشراً لإسرائيل، وعلى هدي فشل او نجاح الاتفاق النووي تسير المنطقة من ضمن حالة تصادم دولي يمتد من أوكرانيا الى تايوان، وقد يزيد من استعارها زيارة وفد الكونغرس الأميركي الى تايوان.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: