الحرب في أوكرانيا بوكالتها عن الغرب واستحقاقاتها الداهمة

image1170x530cropped

نشرت مجلة "إيكونوميست" في عددها الأخير تقريراً بخصوص الهجوم الأوكراني المضاد على المواقع الروسية في شرق البلاد إعتبرت فيه أن الأوكرانيين لم يحققوا من هجومهم المضاد مكاسب ضخمة حتى الآن، إلا أنهم في طريقهم نحو تحقيق الغرض منه، لو استمرت كييف في تحقيق نجاحات. الإيكونوميست إعتبرت أنه، وبعد بداية سيئة للهجوم المضاد الذي انطلق قبل أكثر من شهرين، لجأت أوكرانيا الى استخدام القوة النارية بعيدة المدى لتعطيل خطوط الإمداد الروسية وتدمير مراكزها اللوجستية ومراكز القيادة والتحكم العسكري الروسية. ومؤخراً استُكملت هذه العمليات بتنفيذ ضربات على نطاق صغير بمسيّرات على موسكو، واستخدام المسيرات البحرية للهجوم على سفن روسية في البحر الأسود. هذا وشنّت كييف ضربات متتالية بطائرات من دون طيار، محمّلة بالمتفجّرات ناقلة نفط روسية قبالة الساحل الشرقي لشبه جزيرة القرم، في ساعة مبكرة من صباح السبت الماضي، وذلك في ضربة هي الثانية على سفينة تابعة لروسيا في البحر خلال يومين، مما يشير لتحوّل "البحر الأسود" لمنطقة حرب، حسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، فكييف قصفت جسر تشونهار الذي يربط بين البرّ الرئيسي لأوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وجسراً أصغر يربط بلدة هينيتشيسك بالساحل الشمالي الشرقي لشبه الجزيرة الأحد، مما ألحق أضراراً بالجسرين.
" الإيكونوميست" إعتبرت إن استخدام الطائرات من دون طيار ضد أهداف موسكو له قيمة نفسية أكثر منها عسكرية، من خلالها  إيصال رسالة إلى سكان موسكو بأنهم ليسوا محصّنين من الصراع، وأن الحرب قد تصل اليهم في الداخل الروسي، وأن قادته يواجهون صعوبات في درء التهديدات العابرة للحدود وحماية الشعب الروسي، فعندما يصرّح رئيس بلدية موسكو سيرغي سوبيانين إن الدفاعات الجوية "دمّرت طائرة مسيّرة معادية" لدى اقترابها من العاصمة الروسية الأحد الماضي، ففي كلامه إدانة للعجز الروسي عن منع وصول مسيّرة الى مقربة من أجواء موسكو، إذ المفترض أن تستهدف أي مسيّرة تجتاز الحدود الأوكرانية- الروسية فوراً الا اذا كانت تلك المسيّرات تطلق من الداخل الروسي.

"وكالة تاس" الرسمية الروسية للأنباء من جهتها بثت خبر تعليق مطار فنوكوفو في موسكو رحلاته الجوية الأحد الفائت لأسباب "غير محدّدة خارجة عن سيطرته"، وقد أكدت وكالة رويترز الخبر.

إذاً من الواضح أن كييف اتخذت قراراً بنقل الحرب إلى الأراضي الروسية، وهذا ما تؤكده صحيفة نيويورك تايمز.
معهد دراسات الحرب (ISW) أصدر تقييماً منذ أيام وضع فيه الضربات الأوكرانية ضد أهداف روسية في البحر الأسود في خانة التأسيس لهجوم مضاد أكبر في المنطقة.
مركز الأبحاث الأميركي من جهته إعتبر أن القوات الأوكرانية تستخدم طائرات بحرية من دون طيار لتهيئة الظروف لعمليات حاسمة مستقبلية  في منطقة البحر الأسود، مشيراً إلى أن أوكرانيا تضرب الآن مناطق أعمق بكثير في المناطق الخلفية لروسيا تضم أهدافاً بحرية. يُضاف الى كل ذلك ان أوكرانيا المركِزة على الهجمات البرية في شرقها وجنوبها تستخدم  أيضا طائرات من دون طيار لمهاجمة أهداف في شبه جزيرة القرم الواقعة في البحر الأسود، وفق المركز الأميركي.
صحيفة الإكونوميست لفتت الى أن إشتراك قوات الفيلق العاشر الجديد للجيش الأوكراني أو ما يُعرف بقوات "النخبة الأوكرانية" الذي يضم 3 ألوية مجهّزة بمعدّات غربية الأسبوع الماضي، واصفةً إياه بالتحوّل الحاسم.
من جهة أخرى، يُجمع عدد من الخبراء العسكريين على اعتبار أنه، وعلى الرغم من إحراز الأوكرانيين للتقدّم على طول المحاور الثلاثة الرئيسية للهجوم المضاد، إلا أنه لا نزال أمام عملية استنزاف صعبة للغاية خصوصاً وأنه الى الآن لم يكن هناك تغيير كبير في إيقاع الهجوم، وربما كان اشتراك الفيلق العاشر مصمّماً بشكل أساسي لتوفير بعض الراحة للفيلق التاسع الذي يقود معظم المعارك على خطوط المواجهة الأمامية، لذلك من المؤكد بأنه، وبعد وقت ما أو لدى الوصول لمرحلة ما، سيتعيّن على قادة الجيش الأوكراني دخول مرحلة الهجوم، التي ستشمل نشر ألوية جديدة تشقّ طريقها عبر حقول الألغام باتجاه خط الدفاع الروسي الرئيسي قبل اختراقها، وليس فقط الاقتصار على استنزاف القوات الروسية وعندها، كما يفيد الخبراء العسكريين، سيكون من المهم معرفة ما إذا كان الروس سيتمكنون من الانسحاب من المواقع المكشوفة بطريقة منظّمة، أو التراجع إلى خطوط يمكن الدفاع عنها، أو إذا كانت قواتهم التي تم استنزافها بالقتال المستمر لعدة أشهر قد تصدّعت بسبب الإرهاق وتراجع الروح المعنوية والقيادة السيئة ونقص الذخائر .
هذه الوضعية ستكون حينها مقياساً لفعالية حرب الاستنزاف الأوكرانية، واختباراً للقيادة الروسية إذا كانت تعافت من عملية التمرد الأخيرة، من هنا تُجمع كافة المعطيات العسكرية والاستراتيجية المتقاطعة على وجوب قيام الأوكرانيين بتحقيق درجة معينة من النجاح قبل أن يعيق فصل الخريف الخيارات الهجومية بهدف رفع معنويات الجنود والمدنيين، وللحفاظ على ثقة الحلفاء في قدرتهم على الانتصار في النهاية وإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن خياراته تزداد سوءاً، وبضرورة التوقف عن حربه والموافقة على صيغة حل سياسي ما مع كييف.
وبالعودة الى صحيفة "الايكونوميست"، فإن أحد الخيارات المطروحة لإحداث خرق كبير للأوكرانيين قد تكون الزحف جنوباً من زاباروجيا عبر توكماك إلى ميليتوبول وبحر آزوف، وهي مسافة تمتد 200 كلم، وهو ما سيكون أكبر مكافأة استراتيجية، إذ سيؤدي ذلك إلى انقسام القوات الروسية وقطع جسرها البري إلى شبه جزيرة القرم، ووضع جزء كبير من شبه الجزيرة في مرمى قذائف المدفعية والصواريخ الأوكرانية.
وبحسب خبراء عسكريين غربيين، يمكن الاستفادة من ضعف الدفاعات الروسية في الشرق حول بلدة باخموت المدمَّرة ثم التوجه جنوباً إلى دونباس، وسيسبّب ذلك إشكالية سياسية للروس الذين استثمروا في المنطقة، ولكنه سيكون أقل فائدة استراتيجياً للأوكرانيين، ومع ذلك من خلال التركيز على باخموت في الشرق الآن، ستسحب أوكرانيا بعض القوات الروسية بعيداً عن الجنوب، وبالتالي ربما تُفتح ثغرات أخرى أمام الأوكرانيين يسهل من خلالها تعميق الخروقات الميدانية على الجبهة.
انطلاقاً من مجمل هذا التحليل العسكري للواقع الميداني يمكن استخلاص ثلاثة ملاحظات سياسية مهمة:

  • أولاً : إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام تحدٍ خطير يتمثّل في إقفال الأجواء الروسية أمام المسيّرات الأوكرانية التي تتخطى الأجواء الروسية وتهدّد بالوصول في أي وقت الى أجواء موسكو لِما لمثل هذه الاعتداءات من تأثير على صورة القوة التي يريد الرئيس بوتين إعطائها للعالم ولحلفائه.
  • ثانياً : أمام الرئيس فولوديمير زيلينسكي تحدٍ ميداني وسياسي متمثّل بإحداث خروقات مهمة وأساسية على أرض الميدان قبل حلول الخريف حفاظاً على الروح المعنوية لجيشه وشعبه من جهة، وعلى ثقة حلفائه الغربيين من جهة أخرى، علماً أن خسارته العسكرية لو حصلت ستكون خطيرة على مصيره السياسي وربما على وجوده.
  • ثالثاً : إن الحرب في أوكرانيا خرجت عن نطاقها الثنائي الضيق وباتت يوماً بعد يوم حرباً شبه شاملة بالوكالة بين الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية والناتو وبين روسيا ومن ورائها، علماً أن موقفاً صينياً لافتاً صدر إبّان مؤتمر السلام في جدّة شدّد على حيادية الصين في الحرب، ما يُعتبر ضربة سياسية مهمة للرئيس الروسي من أقرب حليف مفترَض لروسيا.
المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: