بدا مشهد التحوّلات الدولية والإقليمية في الأيام والساعات القليلة الماضية سوريالياً نتيجة تزاحم أكثر من تطور وأكثر من مفاجأة لا بل لناحية الترابط بين الأحداث وتناسقها.
على المحور الأوكراني، تمكن الروس وبسحر ساحر من الاستيلاء على مدينة استراتيجية هامة جداً الا وهي سيفيرودونتسك والتي هي من بين آخر معاقل القوات الأوكرانية المقاوِمة في مقاطعة الدونباس التي اعترفت موسكو منفردة ووحيدة باستقلالية جمهوريتيها.
الرئيس زيلنسكي وحكومته يحثان الأوروبيين والأميركيين على إرسال المزيد من السلاح والعتاد النوعي، مع اعتراف زيلنسكي بفشل المقاومة الأوكرانية في منع القوات الروسية من الاستيلاء على المدينة المذكورة، معتبراً أن الكلفة البشرية التي يتكبّدها الأوكرانيون باهظة جداً.
في المقابل، تنسحب قوات النخبة الروسية المقاتلة من سوريا الى شرق أوكرانيا، فيما تتوغل تركيا داخل الأراضي السورية من دون أي اعتراض روسي تقليدي لحماية نظام بشار، من ضمن رؤية انقره بالوصول الى عمق 30 كيلموتراً، في الوقت الذي تُقفل فيه إسرائيل بفعل قصفها مطار دمشق وتكثّف غاراتها، وتعزز إيران تواجدها في مناطق دير الزور والحسكة لملء الفراغ الروسي.
من جهتها، تتعرض إيران لهجوم قاس من الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ظل نعي غربي أميركي لمفاوضات فيينا النووية، بينما تنشط إسرائيل في قلب إيران في اغتيال العلماء النوويين وضباط كبار في الحرس الثوري الإيراني الواحد تلو الأخر، وتعترف طهران بأن إسرائيل قتلت تسميماً عالمَين إيرانيين جديدين ( أيوب انتصاري وكمران اغملائي )، في مقابل إعلان تل أبيب إحباط مخطط إيراني لاختطاف سياح إسرائيليين في تركيا، وتدعو مواطنيها لمغادرة البلاد في أقرب وقت ممكن.
واشنطن ترسل الى إسرائيل مساعِدة وزير خارجيتها وسفيرها في إسرائيل للقاء وزير الدفاع الإسرائيلي بيلي غانتس للبحث في التهديدات والفرص الأمنية الإقليمية،
وبين هذا الحدث وذاك وذلك، نشهد تطوراً مفاجئاً في توقيته ( وإن كان متوقعاً في يوم ما قريب ) باتجاه حقل كاريش واشتعال المواقف اللبنانية والإسرائيلية المتنازعة، وتبادل التهديدات باللجوء الى القوة وردّ إسرائيل بتحذير لبنان من تدمير غير مسبوق.
بالتوازي، يستنفر الأردن قواته المسلحة على الحدود مع سوريا استعداداً لمواجهة أي خطر متأتٍ من تمركز ميليشيات إيران على حدوده، فيما كوريا الشمالية تستعد لإطلاق تجربة صاروخية نووية، وتستنفر واشنطن وسيول وطوكيو وحلفاءهم وتنهال رسائل التهديد والوعيد لبيونغ يانغ.
إنه المخاض الدولي الإقليمي المتوقّع منذ فترة وقد لاحت ملامحه الدراماتيكية تسجيداً لانقلاب كبير في الحسابات والتحالفات والأولويات منذ حرب أوكرانيا .
الرئيس بوتين لم تعد تهمه سوريا بعدما قايضها بالدونباس الأوكراني ونفّذ أطماعه فيها، وبالتالي بانت المقايضة بين روسيا وأوكرانيا منذ العام 2014 على حقيقتها.
إيران محاصَرة ومهددة من الداخل لأن إسرائيل موجودة في قلبها، وهي تحاربها إستخباراتياً وسيبرياً، كما تحاربها في سوريا بضرب مواقع إيران وميليشياتها هناك تمهيداً لعمل عسكري ما على برنامجها النووي .
المنطقة في حرب إسرائيلية – إيرانية غير معلنة، وطهران ومع ضيق خياراتها قد تلجأ الى أي عمل متهوّر عبر ميليشياتها، خصوصاً اذا شعرت بخطر ما يتهددها من الداخل، وقد تستغل أي ورقة ومن بينها ورقة التنقيب عن النفط اللبناني والمفاوضات مع إسرائيل لتسهلها مقابل ثمن ما.
كوريا الشمالية والصين في موقع الاستفزاز للأمريكيين والغرب خصوصاً بعد نجاح الجيش الروسي والرئيس بوتين في بدء تحقيق مخططه الأوكراني بالاستيلاء على الشرق الأوكراني الذي يضم في الوقت عينه ربع الأراضي الزراعية الخصبة لأوكرانيا.
وفي ظل هذه الأجواء الملبّدة، وفي ظل السباق مع الوقت إن في حرب أوكرانيا أو في الملف النووي الإيراني أو في التهديد النووي الآسيوي، ترتسم في الأفق معالم تحالفات جديدة مفاجئة في المنطقة يجري العمل حالياً عليها على نار حامية لن تخلو ولادتها من أحداث خطيرة ومتسارعة ستجعل الولادة قيصرية بسبب ضرورة تنفيذ اختراقات دامية في المشهد العام.
الأسابيع الثلاث المتبقية صعبة جداً الا اذا ارتأى المخرجون إطالة التشويق لقطف المزيد …