الرياض تحت مجهر حكومة نتانياهو اليمينية المتطرّفة

pjimage-2-e1615397535372-640x400-1-640x400

لا نغالي أن قلنا أن من بين أولى أولويات حكومة بنيامين نتانياهو اليمينية المتطرّفة حالياً في سياستها الخارجية والى جانب ضرب البرنامج النووي الإيراني، التطبيع مع المملكة العربية السعودية وممارسة أقصى وأعتى أنواع الضغوط على الرياض لتحقيق هذا الهدف.

كلامنا هذا لا يأتي من فراغ ولا من عصارة تحليلات بل من ما يرشح من إعلام إسرائيل ومواقعها الإخبارية التي تعجّ بالمقالات والأخبار والمواقف التي تركّز على ضرورة إنجاز التطبيع مع المملكة العربية السعودية مهما كان الثمن.

في هذا الإطار، نتوقّف عند الملاحظات الآتية :

أولاً : إننا حالياً في إسرائيل أمام أكثر الحكومات اليمينية المتطرّفة منذ نشأة هذا الكيان، وقد افتتحت عهدها بالاستفزازات التي تسبّب بها وزير الأمن العام الإسرائيلي الجديد المتطرّف ايتمار بن عفير لدى دخوله المسجد الأقصى في أورشليم منذ أيام متحدياً الفلسطينيين والعرب والمسلمين بمواقفه المعلنة أثناء اقتحامه المكان والتي شدّد فيها على بقاء اليهود في أرضهم وحقهم في الدخول الى أي بقعة من المنطقة، وسواها من مواقف استفزازية إن دلّت على شيء فعلى مدى تطرّف الحكومة الحالية.
هذا الوزير نفسه أمرَ بتقطيع الأعلام الفلسطينية وإزالتها من الأماكن العامة،
وحتى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خُدع من بنيامين نتانياهو عندما وعده في اتصال هاتفي بينهما بمنع بن غفير من اقتحام الأقصى، إلا أن الأخير دخلَ الحرم وبان كذب نتانياهو وعجزه عن ضبط وزرائه المتطرّفين، فيما يبدو أن بن غفير لم يكن ليدخل الأقصى لولا مباركة نتانياهو بالنهاية.
حتى نتانياهو نفسه، وفي خلال خطابه بعد التصديق على حكومته قالها بالعبارات الواضحة والبسيطة بأن إسرائيل تريد السيطرة على الأراضي الفلسطينية كافة من خلال تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية وتوسيعه في الجليل والجولان والنقَب، والعمل على تشريع قانون لفرض عقوبة الإعدام ضد الفلسطينيين المتهمين بتنفيذ عمليات ضد إسرائيليين وإجراء تعديلات قانونية تفضي الى سحب الجنسية والإقامة وترحيل كل فلسطيني ينفذ هجوماً ضد أهداف إسرائيلية وإيقاف تأدية إيرادات الضرائب التي تتم جبايتها للسلطة الفلسطينية.
هو تصعيد إسرائيلي ضاغط على الفلسطينيين يشي بما يمكن أن تصل اليه الأمور من تفجير وتوترات، وقد حذّرت قيادة الجيش الإسرائيلية الحكومة من خطورة التصريحات التي تُطلق من قبل بعض الوزراء المتطرّفين ومن القوانين المزمع سنّها ومن توسيع الإستيطان …
إزاء كل ما ذُكر، قد يكون من البديهي والمنطقي التساؤل كيف يمكن أن تكون الأرضية والأجواء والظروف مناسبة لتطبيع ما يريده الإسرائيليون مع الرياض ؟
لكن في الواقع يمكن أيضاً القول إن كل ما يحصل من ضغوط إسرائيلية يستهدف بالدرجة الأولى المملكة للضغط عليها للقبول بالتطبيع أي أن حكومة نتانياهو تحاول قلب المشهد المتشنج والمتوتر لصالح حمل المملكة العربية السعودية على التطبيع.

ثانياً : صحيفة جيروزالم بوست تؤكد المعادلة الإسرائيلية الجديدة والتي تتلخص بزيادة الضغوط على المملكة لحملها على التطبيع، ومن ضمن هذا السيناريو هذه الموجة التصعيدية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والمواقف والتدابير والتصاريح وسواها.
وقد بلغ بالصحيفة حد القول بإنه وفي حال التطبيع يمكن طي ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي كثمنٍ تستعد تل أبيب لتقديمه في حال حصول التطبيع.

بعض الصحف والمواقع الإخبارية الإسرائيلية تعيد الى الأذهان اللقاء الذي جمع بنيامين نتانياهو بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان غداة انتهاء ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ووصول جو بايدن الى البيت الأبيض الذي كان قد أعلن استعداده للتوقيع على اتفاق نووي مع إيران، وقد تبنّى الإعلام الإسرائيلي هذه الشائعات حول اللقاء المزعوم، مصحوبةً بتركيز دعائي وإعلامي إسرائيلي على المملكة العربية السعودية لمحاولة الإيحاء بأن العلاقات تتجه نحو التطبيع وصولاً حتى الى الاستشهاد بإعلان الرياض فتح مجالها الجوي أمام الطيران المدني الإسرائيلي، حيث اعتُبر في تل أبيب إشارة لبدء أولى مراحل التطبيع …
طبعاً الرياض نفت كلياً كل هذه الشائعات فيما استمرت تل أبيب في إشاعة أجواء مفبركة حول التطبيع.

ثالثاً : موقع اول إزرايل نيوز الإسرائيلي نشرَ خبراً حول المدعو جون حنا والذي كان مستشاراً لنائب الرئيس جورج دبليو بوش، ديك شيني وهو يهودي، حيث ذكر الأخير فيه بأنه زار السعودية لمحاولة إقناع السعوديين بالتطبيع، وقد أكد حنا أنه لم يزر المملكة لوحده بل برفقة 8 ضباطٍ سابقين في الجيش الأميركي حيث التقى بعض المسؤولين السعوديين ومن بينهم محمد العيسى الأمين العام لمنظمة العالم الإسلامي، بالإضافة الى وزير الدفاع السعودي، وصولاً الى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للبحث في التطبيع.
الرد السعودي جاء صاعقاً حيث، ودائماً بحسب موقع ازرايل نيوز، ردّ المسؤولون السعوديون على حنا بالإشارة الى ضرورة أن يحصل التطبيع أولاً مع الأميركيين، الأمر الذي فاجأ حنا ورفاقه، حيث أشار معهد واشنطن انستيتيوت منذ فترة الى أن الرياض وضعت لتحقيق التطبيع ثلاثة شروط وهي : أن يتم تسليح المملكة بنفس نوعية السلاح الذي يذهب الى إسرائيل والناتو بنفس النسخ التصديرية والقدرات القتالية، والشرط الثاني أن تتعاون واشنطن مع المملكة في استخدام اليورانيوم لديها من أجل برنامج نووي سعودي سلمي، والشرط الثالث توقف واشنطن عن التدخّل في الشأن الداخلي السعودي كما هو حاصل حالياً بحيث تكون العلاقات الثنائية شبيهة بالعلاقات الأميركية- الإسرائيلية.
الرياض اشترطت أن تضمن لها واشنطن الدعم العسكري الدائم لها كما تدعم واشنطن إسرائيل وفق اتفاقية يصدّق عليها الكونغرس.
صحيفة جيروزالم بوست من جهتها أشارت الى أن للسعودية جماعات ضغط من بين أقوى الجماعات في الولايات المتحدة الأميركية، وقد انضم الى تلك الجماعات جاريد كوشنر صهر ومستشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي بات يعمل من أجل المملكة.
كما أن مجمع الصناعات العسكرية في الولايات المتحدة يميل الى تشجيع الصفقات التسليحية مع الرياض لتشغيل اليد العاملة الأميركية لاسيما وأن الرياض عميل يدفع "كاش" من دون تقسيط، عكس العديد من عملاء الصناعة العسكرية الأميركية.
لا غرابة بحسب العديد من المعلّقين من أن يصل إصرار نتانياهو على التطبيع مع الرياض حد استنفار مجموعات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة للضغط على الكونغرس من أجل تحقيق شروط المملكة، في مقابل التطبيع خاصة في لحظة وجود مجلس شيوخ جمهوري صديق للمملكة، لكن نتانياهو ليس هو من سيظهر في الواجهة هذه المرة نظراً لسوء علاقاته مع الديمقراطيين وخصوصاً مع الرئيس جو بايدن إبّان التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015 ومعارضة نتانياهو الشديدة للاتفاق، وقد نقلت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تحليلات مفادها أن نتانياهو سيرسل هذه المرة لتحريك جماعات الضغط اليهودية في واشنطن على خطٍ متوازٍ مع تحركات لجماعات الضغط السعودية، من أجل تمرير الشروط السعودية لضمان التطبيع.

لكن على الرغم من كل هذا الحراك الإسرائيلي الضاغط، فإنه من الصعب أن تقبل واشنطن ب"سعودية نووية" أقله في المدى المنظور، كما من الصعب أن تقبل الرياض بأي تطبيع طالما لم تحل القضية الفلسطينية كما سبق للرياض وأكدته أكثر من مرة.
يبقى أن الضغوط الإسرائيلية غير المسبوقة قد تخرج عن سياقها في أي وقت وترتدّ أعمال عنف في الضفة والقطاع، عندها تكون حكومة إسرائيل قد شربت السمّ الذي كانت تطبخه للرياض، ويصبح التطبيع بعيد المنال أكثر فأكثر الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

وفي هذا الوقت، للرياض أيضاً طريقتها في ممارسة الضغوط على واشنطن وآخرها خيار التوجّه صينياً، والقمم الصينية السعودية والخليجية والعربية التي عُقدت في المملكة والاتفاقات والصفقات التجارية والاستثمارية والمالية الضخمة التي وقّعت، والتي تؤكد كلها يوماً بعد يوم تطور المملكة وصعودها الى مصاف الدول الكبرى والناجحة والمتقدّمة، فيما الرئيس الديمقراطي جو بايدن يتراجع في وجه المملكة وتتحول وعوده العدائية تجاه الرياض يوماً بعد يوم الى النقيض بعدما أدركت إدارة الديمقراطيين قوة المملكة وموقعها المتميّز في النظامين الإقليمي والدولي.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: