كتب نايف عازار في صحيفة "نداء الوطن":
على الرغم من الضرر الكبير الذي لحق ببرنامج إيران النووي، بفعل الغارات الإسرائيلية والأميركية التي طالت في حزيران المنصرم منشآت طهران النووية، خلال حرب الـ12 يومًا، كما يحلو للرئيس الأميركي دونالد ترامب تسميتها، إلّا أن نظام الملالي، المُشبع بالأيديولوجيا والذي يقتات من العقائدية التي تبقيه على قيد الحياة، لن يتخلّى عن برنامجه النووي بسهولة، كما تشتهي كلّ من تل أبيب وواشنطن.
فالبرنامج النووي في العقل الإيراني يُعتبر "دُرّة التاج"، الذي أنفقت عليه طهران مليارات الدولارات خلال سنين طويلة من مراكمة الجهود والخبرات، تحت وطأة عقوبات دولية أثقلت كاهل الإيرانيين المغلوب على أمرهم، وتركت غالبيتهم في فقر مدقع. وهذه المليارات المنفقة على البرنامج النووي والمسحوبة من أفواه عامة الشعب، ذهبت أدراج الرياح وتبدّدت خلال أيام قليلة، بفعل الغارات الأميركية والإسرائيلية القاصمة، وقد بيّنت مجريات الأحداث أن البرنامج النووي الذي وُجد لحماية نظام الجمهورية الإسلامية، بات بحاجة إلى من يحميه.
لا ريب في أن طهران درّبت وموّلت أذرعها المتعدّدة في المنطقة، لغاية في نفسها وهي حماية برنامجها النووي. بيد أن هذه الأذرع تهاوت خلال أشهر وتدحرجت كأحجار "الدومينو"، بسبب الحروب الإسرائيلية عليها، التي أعقبت عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الاول عام 2023. وهنا اعتبر صناع القرار في إسرائيل، المتوجّسون من البرنامج، أنّ طهران بفقدانها هذه الأذرع التي كانت تعتبرها دروعًا واقية لبرنامجها النووي، لا بدّ لها أن تتجه إلى تسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم، وبلوغ مرحلة متقدّمة على طريق صناعة قنبلة نووية، لحماية برنامجها النووي، وبالتالي اتخذت حينها الحكومة الإسرائيلية اليمينية قرار ضرب إيران، مستدرجة أيضًا عرّابتها الولايات المتحدة، للمشاركة في الحملات الجوّية على منشآت طهران النووية الرئيسية.
بيد أنه بحسب الخبراء العسكريين، تمكّنت إيران من نقل مخزون لا يُستهان به من اليورانيوم المُخصّب، ومن أجهزة الطرد المركزي المتقدّمة، وهي أجهزة قادرة على إنتاج يورانيوم بتخصيب عسكريّ، إلى أماكن سرّية، قبيل شن الولايات المتحدة غاراتها على مواقع نطنز وفوردو وأصفهان. وبذلك، تعتبر الدولة اليهودية أن الحرب أعادت الجمهورية الإسلامية سنوات إلى الوراء، وقد لا يكون بإمكانها راهنًا إدارة "محرّكاتها النووية" من جديد، لكنها ستفعل ذلك عاجلًا أم آجلًا، بحكم أنها تمتلك الأدوات اللازمة لصنع قنبلة ذرية في المستقبل، فضلًا عن احتمال أن يكون نظام الملالي قد شيّد مواقع نوويّة سرّية.
يطرح الخبراء العسكريون سيناريوات عدّة متاحة أمام طهران لإعادة ترميم أو حتى تطوير برنامجها النووي، ويوجزونها بالآتي:
- التعاون النووي المدني مع الدول الغربية، بحيث تحصر طهران برنامجها النووي في نطاق المفاعلات النووية والوقود النووي الموَفر من دول خارجية، مع احتفاظها بحق القيام بأنشطة علمية وبحثية ضمن إمكاناتها الذاتية المتاحة. هذا الإجراء يُبقي برنامج الجمهورية الإسلامية النووي قائمًا، وفي الوقت عينه، يحدّ من مخاطر خسارة الممتلكات النووية نتيجة أي حرب خارجية جديدة.
- إعادة بناء كاملة ومعلنة للبرنامج، بحيث تتجه إيران إلى إعادة برنامجها إلى ما كان عليه قبل حرب حزيران الفائت، لكن هذا النهج يتطلّب أموالًا طائلة، رغم مكتسباته التكنولوجية والسياسية. وتدرك "بلاد فارس" جيّدًا أن مثل هذه الخطوة ستعيد تعريض منشآتها النووية إلى قصف إسرائيلي وربّما أميركي جديد.
- إعادة بناء شاملة للبرنامج لكن بسرية تامة، بحيث تنكبّ إيران على إعادة بناء وترميم مرافق تحويل اليورانيوم ومعالجته، وعشرات الآلاف من أجهزة الطرد المركزي، لتعيدها إلى سابق عهدها قبل حرب حزيران، مع حرصها على عدم وجود منشآت مكشوفة ومفتوحة، ومتاحة أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
- تطوير البرنامج مجدّدًا بصورة كاملة وإعادة هيكلته، من خلال تغيير طبيعة البرنامج النووي، والعدول عن إعادة بناء القدرات النووية المدمّرة، والتوجّه نحو بدائل قليلة الكلفة تعتمد على منشآت نووية أصغر نطاقًا، غير مُصرّح عنها، ومخصّصة تحديدًا لأسلحة نووية يمكن إخفاؤها ودفنها في مستويات بعيدة في باطن الأرض، لحمايتها من أي هجمات في المستقبل.