المعادلة الصينية في حسابات العرب الجيو سياسية

1-1

ثلاثة قمم صينية- خليجية وصينية- عربية وصينية- سعودية مرتقبة في الأيام المقبلة مع زيارة الزعيم الصيني شي جينبينغ الى المنطقة، الأمر الذي يفتح صفحة جديدة في تاريخ علاقات الصين مع الدول الخليجية والعربية تبشّر بتوسع التحالفات الاقتصادية وعدم بقائها محصورةً بين العالم العربي والغرب فقط.
هذه الزيارة المرتقبة والقمم المقرّرة تعكس بداية أولى لتوجهات الزعيم الصيني بعدما أُعيد انتخابه على رأس الصين لقيادتها لأعوام جديدة نحو آفاق دولية جديدة.
زيارة الرئيس الصيني الى المملكة العربية السعودية تعتبر أحدث استعراض للعلاقات الصينية- الدولية وأولى ملامح توجّهات الزعيم الصيني الإقليمية غداة فوزه بثالث ولاية رئاسية.
القمم الصينية والخليجية والعربية تحمل على ما يبدو في طياتها دوافع غير معلنة سواء في توقيتها أو في مكان انعقادها، خاصةً لجهة تزامنها مع التوتر المتصاعد بين الرياض وواشنطن منذ قرارات "أوبك بلاس" الأخيرة التي خفّضت الإنتاج الى مليوني برميل، ما اعتبرته واشنطن اصطفافاً سعودياً وخليجياً الى جانب الروس ضد الولايات المتحدة والغرب، فيما جاءت الأيام لتثبت صوابية قرار تخفيض الإنتاج بالنظر للركود الاقتصادي وانخفاض الطلب على النفط من جانب الصين التي أصبحت أبرز مستوردٍ الى جانب الهند للنفط الروسي.
المثير في موضوع زيارة الرئيس الصيني الى المنطقة هو أنها تطرح أكثر من علامة استفهام حول ما يمكن أن تؤدي اليه القمم المزمع انعقادها بين الطرف الصيني والطرف السعودي والخليجي والعربي من مساهمة مباشرة في الدفع باتجاه خروج العالم من القطب الأُحادي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية والغرب باتجاه التعدّدية، مع تفعيل المعادلة الصينية في المشهد الدولي.
الأكيد أن الصين لا تسعى عقائدياً الى بسط نفوذ إقليمي أو عالمي سياسي وعسكري مضاد للنفوذ الأميركي والغربي لأنها لا تتعاطى مع الدول الا من باب الاقتصاد والأعمال والاستثمارات، وقد وضعت نُصب عينيها منذ عقود احترام حرية الدول وسيادتها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهذه الرؤية هي نفسها التي تقودها في مواجهة ما تعتبره "بيجين " التدخّل الأميركي في تايوان ضد سيادتها.
والأكيد أيضاً أن بيجين التي نأت بنفسها عن دعم الرئيس فلاديمير بوتين في حربه في أوكرانيا لا تحبّذ لغة العنف ولا لغة الحروب لأن الحرب تناقض مبدأ الإنفتاح الصيني على العالم وتهدّد مصيرها الاقتصادي ومشروع "طريق الحرير" الذي تسعى الى تطويره ووضعه قيد العمل وتسريعه للتواصل بينها وبين الغرب بدءاً من أوروبا.
لذا فإن زيارة الرئيس شي الى المنطقة الخليجية والعربية تبدو في ظاهرها نتاج قرار سيادي سعودي- خليجي - عربي بعدم القطع مع الأميركيين والغرب، ولكن في الوقت نفسه بالانفتاح على الصين وإقامة علاقات اقتصادية واستثمارية وتجارية مع دول المنطقة انطلاقاً من قناعة عربية خليجية بوجوب عدم الاتكال بعد اليوم فقط على الحليف الغربي، وبناء العلاقات مع الجميع بما يحفظ ويضمن مصالح دول المنطقة العربية والخليج العربي وعلى راسها المملكة العربية السعودية، خاصةً بعد تعرّض العلاقات مع الأميركيين والغربيين لانتكاسات جعلت العرب يتوجسون من سياسات الغرب ومواقفه وتحديداً الحليف الأميركي، ما دفعَ الى إعادة النظر بتلك العلاقات من الناحية العربية والخليجية والخروج باستنتاج بعدم الاتكال بعد اليوم عليها فقط، وتوسيع شبكة المصالح العربية شرقاً بدءاً من الصين.

من هنا تبرز حسابات الربح والخسارة في سياسة واشنطن إزاء المنطقة والخليج والمملكة تحديداً، فالرئيس جو بايدن، وأثناء زيارته الأخيرة الى المملكة والمنطقة، كان قد تحدث عن عدم ترك أي فراغ للصين وروسيا في الشرق الأوسط، واعداً في حينه بوضع إطارٍ حاسمٍ لالتزامات الولايات المتحدة في المنطقة مع حلفاء واشنطن بدءاً من المملكة ودول الخليج،
الا أنه ومنذ زيارته جدة لم يحرك البيت الأبيض ساكناً لترجمة وعود الرئيس بايدن في المملكة، في وقت تحرك فيه الرئيس الصيني بجدية أكبر باتجاه الانفتاح على دول المنطقة وإنشاء شبكات تعاون وتحالف اقتصادي وتجاري مع دول الخليج والشرق الأوسط.
الرئيس جو بايدن، ككل المخضرمين بعمره في السياسة، لا يمكنه تصوّر العالم إلا في ظل صراع أميركي مع قطب معاكس، فبعد سقوط الإتحاد السوفياتي سعت واشنطن الى جعل حربها على الإرهاب بديلاً لتبقي سيطرتها على العالم، وبعد استهلاك ورقة الإرهاب عادت الى منطق مواجهة تهديد الصين، واعتبار الصين عدواً مع أن " بيجين " شريكة تجارية ومالية للولايات المتحدة في أكثر من مجال.
الرئيس بايدن اذاً يعتبر الصين عدواً ومنافساً شرساً للولايات المتحدة ويحثّ الحلفاء العرب والخليجيين على عدم التعامل مع بيجين في وقت لم يقم هو بأية خطوات لتعزيز الشراكات والتحالفات مع دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية رغم كل ما حُكي وأُثير منذ قمة جدة الأخيرة.

الرئيس الأميركي وفريقه يفوتهما أن الصين هي الشريك التجاري الأول لبعض الدول العربية، وقد سجّل حجم التبادل التجاري للعام 2021 نحو 330 مليار دولار أي بزيادة بلغت نسبتها 37 %، وقد حافظت المملكة العربية السعودية على مكانتها كأكبر مورد نفط للصين حيث قفزت الشحنات السعودية الى بيجين الى 12% سنوياً وبلغت 7 ملايين وتسعماية وثلاثين ألف طن، ما يعادل مليون وسبعماية وسبعين برميل يومياً.
كذلك احتلت المملكة المرتبة الأولى كوجهة خارجية للاستثمارات الصينية في النصف الأول من العام 2022 لتصبح بذلك الصين الشريك الأول للمملكة،
وبالتالي فإن العلاقات الصينية - العربية - - -الخليجية ليست مستجدّةً على الساحة الإقليمية وليست مفاجئة لأحد وبخاصة للأميركيين وأوروبا وهي أمر واقع، في حين أن دول المنطقة لا تريد التضحية بأي طرف على حساب طرف آخر، بحيث لا تريد استبدال العلاقات مع الأميركيين بعلاقات مع الصين، بل على العكس فهي تريد الحفاظ على علاقاتها مع الجميع وبناء علاقات تضمن مصالح الدول الإقليمية أولاً وليس فقط مصالح الحليف أو الشريك الأجنبي أياً يكن هذا الشريك.

منطق إلزام الحلفاء بالخيار بين الأميركي أو الصيني لم يعد سائداً ولم يعد سمة العلاقات الدولية لدول المنطقة وبخاصة الخليجية لأن تلك الدول أدركت منذ مدة عدم جدوى الاتكال فقط على الأميركي أو الأوروبي، وقد رأت الدول العربية والخليجية مصالحها في "مهب المجهول" يوم راهنت على الأميركيين والأوروبيين في موضوع مفاوضات الاتفاق النووي في فيينا مع إيران، وكانت دول المنطقة ولا سيما دول الخليج قد صُدمت من الولايات المتحدة والأوروبيين يوم اندفعت واشنطن مع الرئيس باراك أوباما الى التفاوض المباشر مع طهران من أجل التوصّل الى اتفاق نووي من دون الأخذ بالاعتبار مصالح الحلفاء الخليجيين وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية.

المفارقة أن الصين لا تشكل تهديداً عقائدياً للعرب والخليجيين كما كانت الحال مع الاتحاد السوفياتي، بل تقدّم للعرب فرصة للتجارة وتطوير المنافع و التبادلات الاستثمارية والاقتصادية، وهي لا تتدخل في شؤون الدول الداخلية على عكس ما يفعله الأميركي.

وللتذكير فإن دول الخليج لا تزال تلتزم الحياد الإيجابي تجاه الحرب في أوكرانيا وهي تتدخل للمساعدة على حل الأزمات وإيقاف الحروب.

العالم تغيّر في أيامنا هذه، فلم يعد بالإمكان التصرف بمنطق الحرب الباردة والنظر الى الدول من منظار تكتلين متناقضين: واحد الى اليمين وآخر الى اليسار، لأن العلاقات الدولية تداخلت ببعضها لدرجة أننا نجد تناقضات كثيرة تجتمع تحت سقف علاقات بين دول تجمعها مصالح في الوقت الذي تفرّقها أمور أخرى، وبالتالي فإن دول الخليج مع الشريك الصيني مثال للعلاقات الدولية الجديدة التي تُحاك خيوطها على نار المصالح الحيوية وتبادل المنافع والتجارة والاقتصاد والمال والاستثمارات ليس الا،
فعندما تتصالح واشنطن الديمقراطية مع مصالح الدكتاتور الفنزويلي مادورو خدمةً لمصالحها لا يعود بالإمكان أن يُعاب على الدول ذات السيادة والتي تسعى لتحقيق مصالحها بأن تنفتح على كل القوى العالمية وفي مقدمها الصين.
من هذا المنطلق تبرز المعادلة الصينية في حسابات الدول الخليجية الاستراتيجية ذات البعد الجيو سياسي.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: