الملف الأوكراني بين متطلّبات النصر والتطويق الأميركي لروسيا

news-090922-ukraine.alharb

أما وقد رفع الغرب منسوب الدعم العسكري لأوكرانيا الى درجات متقدّمة بحيث، وبعدما كان سقف المساعدات لا يتخطى الصواريخ والمدافع والذخائر الدفاعية وتدريب عناصر الجيش الأوكراني على استخدام السلاح النوعي والآليات العسكرية المتطورة، بات الحديث راهناً عن تزويد "كييف " بدبابات وربما مقاتلات لسلاح الجو ذات جودة عالية مثل دبابات ليوبارد 2 الألمانية وأبرامز الأميركية وتشالنجر البريطانية ولوكلير الفرنسية ذات المدافع من عيار 120 مليمتراً، والحديث أيضاً عن إمكان تزويد الأوكرانيين بمقاتلات حربية مثل الميراج 2000 الفرنسية وسواها .
هذا التطور في الموقف الغربي وانتقال الدعم الى الدبابات والطيران الحربي يعطي أكثر من إشارة، ليس أقلها وجود قرار غربي بعد السماح لروسيا بالتفوق على الأوكرانيين انطلاقاً من معادلة غربية مفادها أنه ممنوع على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يربح الحرب في أوكرانيا مهما كلّف الأمر …ولكن من دون الانجرار الى مواجهة مباشرة بين الغرب وروسيا.
في الواقع والحقيقة، يجب أن نتذكّر أن الرئيس الروسي، ومنذ بدء عمليته الخاصة ضد الأراضي الأوكرانية، اعتبر نفسه في حرب مع الناتو، ومواقف الكرملين المندّدة كل مرة برزم المساعدات العسكرية لحكومة كييف، والتي تعبّر عن الغضب من تزويد أوكرانيا بالسلاح النوعي خير دليل على توجّس موسكو من تزايد الدعم العسكري الغربي للقوات الأوكرانية.

صحيح أن استمرار الدعم الغربي ودعم الناتو لأوكرانيا ضد الغزو الروسي ثمنه إطالة أمد الحرب والمزيد من الدمار والقتل لأوكرانيا في ظل إصرار موسكو على تحقيق ما تعتبره أهدافها من " العملية الخاصة "، لكن الصحيح أيضاً أن حرب الاستنزاف التي يُخشى أن تصبح عليه الأوضاع في أوكرانيا تطال الروسي كما تطال الاوكراني والأوروبي على السواء.
من هنا أهمية المسارعة في مساعدة نظام كييف ومدّه بأسرع وقت بما يلزم لحسم الموقف الميداني لصالح الأوكرانيين، الأمر الذي دونَه عقبات ليس أقلها التوقيت والتدريب بحيث تتطلب الأسلحة التي يوفرها الناتو تدريب القوات الأوكرانية، وغير ذلك من التدابير المتعلّقة بالتكيّف مع أنظمة الأسلحة غير القياسية، كما أنه يتم احتساب وقت تسليم المعدّات العسكرية إلى أوكرانيا، وفقاً لتقديرات المسؤولين، بالأشهر فضلاً عن استمرار هاجس الأوروبيين بتجنّب التورّط المباشر، إذ لكي يؤتي الهجوم الأوكراني المضاد ثماره، لا بدّ من إدخال متخصّصين أجانب على نطاق واسع في الوحدات العسكرية الأوكرانية، يكونون على دراية بأنظمة الأسلحة المورّدة وتشغيلها، بما في ذلك ظروف القتال الحقيقية وصولاً الى خريطة التمركز الروسي، وهنا يجب معالجة مكامن ضعف مراكز إمداد القوات الأوكرانية مقارنةً بالمراكز الروسية، وافتقار كييف إلى القدرة على إتلاف خطوط الإمداد الروسية بشكل منهجي، ما سمحَ للروس بتسجيل بعض النجاحات التكتيكية على خط التماس في الأيام القليلة الماضية بدءاً من سوليدار وصولاً الى بخموت.

هذا وقد وصلت أول مجموعة من الجنود الأوكرانيين إلى ألمانيا ليتم تدريبهم على مركبات مشاة القتال طراز "ماردر" القتالية، فيما العالم يترقّب ما سيسفر عنه تكثيف وتسريع تسليح حلف الناتو لكييف.
أوكرانيا من جهتها، ترجّح أن معركة الحسم لصالحها باتت قريبة لتحقيق "النصر النهائي لها" بدعم الناتو.
وعن معاني استجابة برلين وواشنطن لمطالب كييف، ودعمها بدبابات من صنعهما لأول مرة، سبقَ أن قالت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية إن دبابات إبرامز ومدرّعات برادلي وماردر هي "الثالوث القاتل" في آلية الحرب الحديثة،
فهل تمهّد كييف بتلقي هذا الدعم لهجوم مضاد ضد القوات الروسية ؟

مما لا شك فيه أن كييف لم تعد في وارد الاكتفاء بردّ الهجمات والتقدّم الميداني البطيء، وهي تدرك أن أوكرانيا بالنهاية تُستنزف وهي تدفع ثمن حريتها وتوجهاتها الغربية ضد روسيا وبالتالي فهي لن تقبل بأقل من انتصار نوعي قبل أي بحث في أي طاولة مفاوضات، كما أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، ليس مستعداً لخسارة كل المجهود العسكري والتسليحي والمالي الذي تكبّده في أوكرانيا ليخسر رهانه بهزيمة الرئيس بوتين.
هذه المبارزة الخطيرة والدموية التي تُخاض بين أوكرانيا وحلفائها في حلف الناتو من جهة وروسيا من جهة أخرى لا بد أن تبقى "مضبوطة" لأن أي تفلّت في المواجهة سيؤدي حتماً الى حرب عالمية ثالثة رغم أن الكثير من الخبراء يستبعد حدوث صدام مباشر بين موسكو والناتو، أو تصعيد جذري ينطوي على استخدام الأسلحة الاستراتيجية.

باعتقادنا أن الغرب لا يمكن أن يوجّه ضربة قاتلة لروسيا، بسبب الترسانة النووية الروسية التي تعدّ الأولى في العالم، كما أن روسيا لا تسعى إلى استفزاز الغرب نووياً لتجنّب حرب شاملة واسعة النطاق، كما حدث في حروب القرن 20، وفي العراق.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه الأخير كأنه أرسل إشارة سياسية الى الغرب بقوله إن "العملية العسكرية هي لحماية روسيا وسكانها من أية تهديدات من الأراضي المجاورة، وليس حرباً شاملة، وهو كلام يتناقض مع تصاريحه في بداية العملية العسكرية حيث كان جازماً بأنه سينهي العمليات خلال أيام ويُسقط حكومة كييف لينصّب حكومة موالية لموسكو …

الأمر الأكيد أننا في هذا العام أمام نقطة تحوّل أساسية في الحرب في أوكرانيا، إذ من المرجّح أن تبدأ معارك حقيقية لـ"تحرير" الأراضي التي ضمّتها موسكو مؤخراً، بالاستناد الى عوامل عدة أهمها :

  • أولاً : محاولات كييف المستميتة للحصول على المعدّات والأسلحة النوعية من الناتو في أسرع وقت قبل نهاية الشتاء.
  • ثانياً : التوافق الألماني- الأميركي الأخير على إرسال الدبابات الثقيلة لأوكرانيا بما يؤكد تخطي الغرب لحالة الانقسام حول الدعم المقدّم لكييف، والذي يقلق موسكو بالفعل التي توعّدت برلين بلهجة حادة، ما يفسّر الموقف الروسي الحاد عقب الإعلان الأميركي الخاص بشحنة الدبابات لكييف، حيث أكدت موسكو أن العالم بات أمام تهديد باندلاع حرب عالمية ثالثة، ودعا نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري مدفيديف قادة الولايات المتحدة وألمانيا لوقف دقات عقارب الساعات النووية.

الرئيس الاوكراني فولوديمر زيلينسكي، رحّب بقرار نظيره الأميركي جو بايدن بتزويد كييف بدبابات أبرامز، معتبراً حصول بلاده عليها خطوة مهمّة لتحقيق "النصر النهائي".

هذا على صعيد الميدان الأوكراني ومجريات الحرب، لكن في الوقت عينه تدور حرب أميركية- روسية من نوع آخر على هامش المواجهة الدولية في أوكرانيا، إذ أكد متحدث باسم وزارة الخزانة الأميركية السبت الفائت، أن كبير مسؤولي العقوبات لدى الوزارة سيحذّر في جولة إلى الشرق الأوسط هذا الأسبوع الدول والشركات من أنها قد تفقد الوصول إلى الأسواق الأميركية إذا تعاملت مع كيانات خاضعة للقيود، بحيث تتخذ واشنطن إجراءات صارمة في مواجهة المحاولات الروسية للتهرّب من العقوبات المفروضة عليها بسبب حربها في أوكرانيا .

برايان نيلسون، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والمخابرات المالية، سيزور عُمان والإمارات وتركيا في الفترة من 29 يناير/ كانون الثاني إلى الثالث من فبراير/ شباط حيث سيلتقي مسؤولين حكوميين وكذلك ممثلي شركات ومؤسسات مالية للتأكيد مجدداً على أن واشنطن ستستمر في تطبيق عقوباتها بصرامة، كما سيناقش نيلسون جهود وزارة الخزانة الأميركية لقمع الجهود الروسية للتهرّب من العقوبات وضوابط التصدير المفروضة على حربها الوحشية ضد أوكرانيا، فضلاً عن نشاط إيران المزعزِع للاستقرار في المنطقة، والتمويل غير المشروع الذي يهدّد بتقويض النمو الاقتصادي والاستثمار الأجنبي.

واشنطن تريد الضغط على حلفائها الإقليميين لتجنّب المعاملات المتعلقة بعمليات نقل التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج (المدني والعسكري)، والتي يمكن أن يوظفها الجيش الروسي، ويأتي التحرك الأميركي الضاغط هذا غداة فرض واشنطن وحلفائها حزماً عدة من العقوبات على موسكو منذ الغزو، فيما تركيا تدين الغزو الروسي وترسل طائرات مسيّرة مسلّحة إلى أوكرانيا، وفي الوقت ذاته، تعارض العقوبات الغربية على موسكو متعهدة للأميركيين بعدم الالتفاف على العقوبات الدولية، بَيد أن واشنطن تشعر بالقلق بشأن محاولة تركيا التهرّب من العقوبات المفروضة على إيران، بحسب وكالة رويترز.

هذا وكانت واشنطن قد فرضت سلسلة من العقوبات على شركات تتخذ من الإمارات مقراً لها بسبب تهرّبها من العقوبات المتعلّقة بإيران، مع الإشارة بأن واشنطن فرضت الخميس الفائت عقوبات على شركة طيران مقرّها الإمارات، بسبب دعمها لمجموعة "فاغنر" التي تقاتل في أوكرانيا.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: