في وقت تزداد فيه انتفاضة الشعب الإيراني ثباتاً واستمراريةً وتوسّعاً، يبدو أن القيادة الإيرانية بدأت تقلق على مصير النظام، وقد جاءت مواقف قائد الحرس الثوري الإيراني الأخيرة التصعيدية خير دليل على بلوغ الانتفاضة مرحلة هامة بحيث تحولت المواجهة بين الشعب والحرس الثوري.
هذه الحراجة في الموقف الداخلي قد تدفع بالقيادة الإيرانية الى تصرّف خارجي ما ليس أقله الاعتداء على المملكة العربية السعودية في ظل أجواء التصعيد الأميركي- السعودي والكباش السعودي - الإيراني المستجد على خلفية نكول الحوثيين في اليمن بشروط الهدنة ورفضهم العودة اليها أو تمديدها.واللافت في الموضوع أننا نرى طهران مهادنةً مع إسرائيل في الفترة الأخيرة ومواقفها التصعيدية ضد الشيطان الأكبر خافتة نسبياً، وقد جاءت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل كدليل واضح حول تلك المهادنة، حيث سهّلت طهران من خلال حزب الله إتمام هذه الصفقة بغية تأمين ممر أميركي- إسرائيلي لها يسمح لنظام الملالي بشراء الوقت وإطالة أمد السقوط الداخلي.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، تقاطعت في الساعات الأخيرة الماضية أخبار وتسريبات تفيد بأن أجهزة الاستخبارات السعودية والأميركية كشفت عن استعدادٍ إيراني لضرب المملكة العربية السعودية،
فالتهديدات الإيرانية للمملكة لطالما كانت موجودة و"الخاصرة الرخوة" للمملكة أي اليمن خير شاهد على ذلك، إلا أن القلق يزداد هذه المرة على أمن المملكة ودول الخليج المجاورة، لاسيما وأن لغة التهديد والوعيد الإيرانية عادت الى الساحة الإقليمية من بوابة اتهام الرياض بدعم الانتفاضة الشعبية في إيران، أقله من خلال وسائل الإعلام السعودية مثل إيران إنترناشيونال والعربية والحرة وسواها من قنوات تابعة للرياض.
قائد الحرس الثوري حسين سلامي اتهم الرياض بتمويل الانتفاضة الشعبية الإيرانية وبتمويل إيران إنترناشيونال متوعّداً بالانتقام من الرياض، في وقت وقف مجلس الأمن القومي الأميركي الى جانب الرياض رغم صخب الخلافات واحتدامها بين الطرفين منذ قرار أوبك بلاس الشهير بتخفيض إنتاج النفط والعاصفة التي هبّت على تلك العلاقات الثنائية، من هنافإذا كان من استنتاج أولي نستطيع الخروج به فهو أنه مهما اشتدت الخلافات بين الرياض وواشنطن إلا أنه لا يمكن للأخيرة أن تتخلّى ولو من الناحية الأمنية عن الرياض.
نظام الملالي في إيران حالياً فاقد السيطرة على ما يحصل في الشارع، وجلّ ما يستطيع القيام به هو نقل الحدث الداخلي الى خارج الحدود، خاصة وأن النظام الإيراني بات يحتاج أكثر من أي يوم مضى الى القيام بحدثٍ ما يُعيد شدّ العصب الإيراني الداخلي ويَحرِف الأنظار عما يحصل في الداخل، تمهيداً للقضاء على الانتفاضة بحجة التهديد الخارجي واتهامها بالتعامل مع أعداء الوطن بعدما فشلت القيادة الإيرانية في " "دعشنة " الانتفاضة إثر افتعال تفجير شيراز الأخير وإلصاق التهمة بداعش في سيناريو إعادة إحياء هذا التنظيم ما فضح أكثر فأكثر العلاقة التخادمية بينه وبين نظام الملالي.
أمام النظام في إيران أوراق عدة ليس أقلها ورقة ميليشياتها قي الإقليم مثل حزب الله والحشد الشعبي وسواهما، وقد توافرت معلومات مؤكدة بأن هذا النظام يمتلك، في خطة المواجهة تحريك تلك الميليشيات التي تحركت فعلاً، وقد أرسل مئات الآف المقاتلين الى الداخل الإيراني لقمع الانتفاضة الشعبية إثر هجوم شيراز، وقد تحدث المرشد مع جرحى شيراز من ضمن سيناريو قمع الانتفاضة بما يؤكد انشغال القيادة الإيرانية بوضعها الداخلي وإعدادها لشيء ما في محاولة لإسكات المنتفضين.
أمن المملكة العربية السعودية غير قابل للنقاش أو التفاوض أو المساومة حوله، والرياض تدرك جيداً حجم التحديات وخطورتها، وهي تحديات تحيط بها في هذه المرحلة من تهديدات إيرانية وتوترات أميركية وتبدّل القيادة الإسرائيلية مع عودة بنيامين نتانياهو أي اليمين المتطرف في إسرائيل وتصاعد توّتر الحرب في أوكرانيا وتورط إيران فيها عبر بيع المسيّرات والصواريخ الباليستية الإيرانية الى روسيا، وصولاً الى ما يُحكى عن بيع موسكو إيران القنبلة النووية.
الخرق الاستخباراتي السعودي بالكشف عن معلومات حول استعداد إيران لضرب الرياض هو أكبر دليل على درجة جهوزية الرياض وقدرتها وكفاءتها أمنياً واستخبارياتياً وعسكرياً في حال تعرّضها لأي عدوان أو هجوم إيراني،وبالتالي فإن كشف الرياض لتلك المعلومات فضح طهران وشلّ قدرتها على تنفيذ ما كانت تخطط له من دون أن يعني ذلك استبعاد حصول اعتداء، إذ بإمكان الإيرانيين شنّ هجمات عبر البوابة اليمنية أو بطريقة غير مباشرة لا تورّط طهران علناً إن هي حرّكت وكلاءها الكثر في المنطقة.الكشف عن المعلومات حول استعداد إيراني لضرب المملكة أحرجَ الأميركيين الذين لا زالوا ينظرون الى طهران نظرة مَن يضع "رِجلاً في البور ورِجلاً في الفلاحة" على حدّ قول المثل الشعبي، وهم لا يريدون التصدّي للقيادة الإيرانية والتصادم معها حتى الساعة رغم استعار الانتفاضة الشعبية، وذلك لحاجتهم الى هذا النظام ولو بأقل مما كانت عليه الحاجة سابقاً، كما أنهم لا يستطيعون التسامح مع القمع الوحشي والدموي للمنتفضين.
ردة الفعل الأخيرة من كلٍ من الرياض والقاهرة وعمان بتعليق التفاوض مع إيران هي رسالة واضحة للاميركيين كما للإيرانيين بأن أياً من تلك الدول العربية الثلاث ليست متروكة لوحدها، بل هي متضامنة الى جانب دول عربية وخليجية أخرى كدولة الامارات العربية والكويت والبحرين ...في أي مواجهة تتسبّب بها إيران في المنطقة وضد دول تلك المنطقة بدءاً من المملكة العربية السعودية.
المنطقة أمام تغيّرات كبيرة نتيجة استحقاقين إنتخابيين أميركي وإسرائيلي، وقد برزت نتائج الانتخابات الإسرائيلية بعودة نتانياهو المعادي بشراسة لإيران ولاتفاق نووي معها والساعي الى ضرب طهران ولو عسكرياً، وفي الثامن من هذا الشهر يأتي دور الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي في ظل توقعات شبه محسومة بفوز الجمهوريين أي فوز الفريق الحليف للرياض والذي يعزز العلاقات الأميركية- العربية على حساب العلاقات مع ايران كما كانت الحال في ظل حكم الرئيس دونالد ترامب آنذاك،كما أن المنطقة تقف أمام منعطفات الصراع الدولي الدائر في أوكرانيا، والذي تحوّل الى صراعات دولية معممة وذات تأثيرات على المحاور الإقليمية والدولية كافة وفي كل القارات في آن واحد.هذه التغييرات والانعطافات ستحمل نظام أيران على التطلّع الى أقصى المهارب والمخارج وقد تصل الى حد إشعال مواجهة ولو غير محدودة مع الجوار الإقليمي في المنطقة بدءاً من المملكة العربية السعودية.
المرحلة المقبلة في المنطقة ستكون غاية في الخطورة والحسم ضد إيران، خاصة وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ببيعه السلاح النووي لنظام الملالي في مواجهة دول الخليج، إنما يشرّع الباب أمام إسرائيل والعرب لضرب إيران أو للتواطؤ على ضرب البرنامج النووي الإيراني،فمن سيسبق؟ إيران بتسديد ضربة للمملكة أم المملكة في ضربة لإيران؟الواضح الى الآن أن البوصلة تتجه نحو ضرب إيران أي نقل المعركة الى الداخل الإيراني رغم أن لا شيء يمكنه أن يمنع طهران من نقل المعركة الى الداخل الخليجي ...
إنه منطق الحرب ... ونحن بعز حرب عالمية ثالثة عشية ضرب كوريا الشمالية من قبل كلٍ من واشنطن وطوكيو وسيول ...