أعلن الفاتيكان اليوم الاثنين عن وفاة البابا فرنسيس، رأس الكنيسة الكاثوليكية، عن عمر يناهز 88 عاماً.
البابا فرنسيس، واسمه الأصلي خورخي ماريو بيرغوليو، انتخب في آذار 2013، ليكون أول حبر أعظم من أميركا اللاتينية.
وأمس خلال قداس عيد الفصح في ساحة القديس بطرس، ظهر البابا فرنسيس على شرفة كاتدرائية القديس بطرس ملقياً بركاته التقليدية على المدينة والعالم.
سيرة ذاتية
في 13 آذار 2025، أكمل البابا فرنسيس العام الـ12 من حبريته، ولكن من داخل غرفته في مستشفى جيميلي في روما لا من الفاتيكان أمام المصلّين. شاء قدر خورخي ماريو بيرغوليو، اسمه الحقيقي، رأس الكنيسة الكاثوليكية، أن يصلّي ويتضرّع للعذراء مريم متمسّكاً بإيمانه على سريره، يسمع في قلبه صلوات المؤمنين لشفائه فتُنير شموعهم درب مرضه وعلاجه التي سلكها نهار الجمعة 14 شباط 2025.
على سريره، يمر في ذهن البابا شريط ذكريات ولحظات من شبابه عندما كان في عمر الـ21 عام 1957، ويدرس في معهد إعداد الكهنة، يوم صارع الموت قبل أن يضّطر الأطباء إلى استئصال جزء كبير من إحدى رئتيه بسبب التهاب بعد إصابته بعدوى خطيرة.
من حيّ أرجنتيني…
يوم 17 كانون الأول 1936، في حي فلوريس في بوينس آيرس في الأرجنتين، استقبلت عائلة ماريو خوسيه بيرغوليو وريجينا ماريا سيفوري ابنها خورخي وهو الأكبر بين 5 أولاد. والده مهاجر إيطالي كان يعمل موظّفاً في السكك الحديد غادرت عائلته إيطاليا عام 1929 هرباً من حكم بينيتو موسوليني. ووالدته ربّة منزل وُلدت في بوينس آيرس لعائلة من أصول إيطالية شمالية.
عاش بيرغوليو أسلوب حياة متواضعاً، وقد كان واعياً اجتماعياً منذ صغره بسبب بيئته وتربيته. فقد نقل والداه قيماً جيّدة عدّة الى عائلتهما الصغيرة كتنظيف أطباقهم بعد العشاء وتجنّب إهدار الطعام.
تأثّر الشاب الأرجنتيني برئيس البلاد وزوجته في ذلك الوقت خوان وإيفا بيرون، إذ ساهمت “البيرونية” (حركة سياسية) في غالبية الإصلاحات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي شهدها وطنه.
إلى جانب ذلك، أخذت الموجة الثقافية حيّزاً خاصّاً في حياة خورخي الصبي، فأحبّ الأدب ومشاهدة المسرحيات المحلّية في مدينته. كان بيرغوليو عالماً بالفطرة ويحبّ الدراسة دائماً. ونتيجة لذلك، كان مهتمّاً بمجموعة واسعة من المواضيع من الفلسفة وعلم النفس إلى العلوم الطبيعية.
في سيرته الذاتية التي نقلت أجزاء منها جريدة “كوريري ديلا سيرا” الإيطالية، تحدّث البابا فرنسيس عن طفولته وبشكل خاص عن جدّته روزا والدة أبيه والتي كان لها دور كبير في تنشئته، وعن طفولته أيضاً في العاصمة الأرجنتينية وكيف كان والداه يصطحبانه مع إخوته لمشاهدة الأفلام الإيطالية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
دراسياً، تلقّى بيرغوليو تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس بيونس آيرس، ليلتحق بعدها بمدرسة تقنية فنيّة ويتخرّج منها بشهادة فني كيميائي.
الدعوة والاعتراف…
21 أيلول 1952، كان يوماً غير عادي لخورخي، فيه اكتشف المراهق الأرجنتيني (16 عاماً) دعوته إلى الكهنوت بعد ذهابه إلى الاعتراف في يوم عيد الطلاب في الأرجنتين وعيد القديس متى.
سرد البابا تفاصيل ذلك النهار: “قبل ذهابي إلى الحفلة، مرّرت على الكنيسة ووجدت كاهناً لم أكن أعرفه وشعرت بالحاجة إلى الاعتراف. كانت هذه بالنسبة إلي تجربة لقاء، وجدت شخصاً كان ينتظرني”. كان ذلك في كنيسة سان خوسيه دي فلوريس.
وتابع: “لا أعرف ماذا حدث، لا أتذكّر، لا أعرف لماذا كان ذلك الكاهن الذي لم أكن أعرفه، ولا أعرف لماذا شعرت بتلك الرغبة في الذهاب إلى الاعتراف، لكن الحقيقة أنّ شخصاً ما كان ينتظرني. كان ينتظرني منذ وقت طويل. وبعد الاعتراف شعرت أن شيئاً ما قد تغيّر”.
بعد ذلك الاعتراف، لفت إلى أنّه لم يعد هو نفسه قائلاً: “قد سمعت شيئاً مثل صوت، نداء: كنت مقتنعاً بأنّني يجب أن أكون كاهناً”.
في مقابلة مع صحيفة إسبانية نُشرت في 12 آب 2015، كشف ابن شقيق البابا فرنسيس، خوسيه إغناسيو بيرغوليو، أن والدة البابا عارضت بداية دعوته الكهنوتية، وقال: “لأقول الحقيقة، كان عمّي قد وعد جدّتي بأنّه سيبدأ بدراسته في الطب لكنّه في النهاية اختار شفاء النفوس… ذهبت ريجينا إلى غرفة عمّي، ولدهشتها الكبيرة، اكتشفت أنّه يتبع دورة للدخول إلى المدرسة اللاهوتية. كانت هناك كتب باللغة اللاتينية، في اللاهوت. فصرخت خورخي، لقد كذبت عليّ فردّ قائلاً: لا، أمّي، أنا أدرس الطب للأرواح”.
بمرور الوقت، قبلت الأم اختياره بل طلبت منه مباركتها عندما سيمَ كاهناً.
وعن هذه الدعوة، لفت خوسيه بيرغوليو إلى أن عمّه كان يفكّر في إعلان حبّه لشابة عندما اختبر دعوته إلى الكهنوت”، مضيفاً: “في أحد أيّام الربيع كان من المقرّر أن يذهب في نزهة مع الأصدقاء. وفي ذلك اليوم نفسه كان يفكّر في إعلان حّبه لفتاة كان يحبّها كثيراً، لكنّه مرّ أمام الكنيسة وغيّر قراره. دخل ليصلّي وذهب للاعتراف واكتشف أن حبّه الحقيقي كان لله”.
رحلة الكهنوت…
مع مباركة والدته وصلاتها، انضمّ بيرغوليو إلى الرهبنة اليسوعية (22 عاماً) عام 1958. هي جماعة تابعة للكنيسة الكاثوليكية تأسّست في أوروبا في القرن السادس عشر.
دخل المعهد الإكليريكي فيلاديفوتو، درس العلوم الإنسانية واللاهوتية في تشيلي، وفي 12 آذار 1960 أشهر نذوره الرهبانية فأصبح عضواً رسمياً عاملاً في الرهبنة.
من عام 1964 إلى عام 1965، درَّس خورخي الأدب وعلم النفس في كلية الحبل بلا دنس في “سانتا في”، ثم بعد عام، درَّس المواد نفسها في كلية السلفاتوري في بوينس آيرس.
رُسم كاهناً في 13 كانون الأول عام 1969 على يد رئيس الأساقفة رامون خوسيه كاستيلانو. وبعد رسامته، عمل كاهناً رعوياً في أحياء عدّة في بوينس آيرس بالإضافة إلى مدرّس ومرشد روحي.
البابا الرقم 266
في 11 شباط 2013، فاجأ البابا الراحل بنديكتوس السادس عشر الكنيسة والعالم باستقالته ما استدعى انتخاب بابا جديد. ليل 13 آذار ، خرج الدخان الأبيض معلناً البابا الرقم 266: الكاردينال خورخي ماريو بيرغوليو (76 عاماً). انتُخب بغالبية 115 كاردينالاً في اليوم الثاني والتصويت الخامس لمجمع الكرادلة.
هو أول يسوعي يقود الكنيسة الكاثوليكية، وأول بابا من أميركا اللاتينية وأول بابا من الأميركتين، وأول بابا غير أوروبي منذ 1277 عاماً، وتحديداً منذ البابا غريغوري الثالث من سوريا الذي توفّي عام 741.
في مقابلة ابن شقيقه مع الصحيفة الإسبانية، ذكر أن عمّه “لم يكن يريد أن يصبح بابا”، وقال: “مثل كل يسوعي، كان ولا يزال شخصاً منفصلاً، ثم شعر بارتباط شديد ببوينس آيرس”.
أضاف: “عندما سُئل عّما إذا كان يرغب في أن يصبح بابا، أجاب بالطبع لا. ولكن في لحظة الانتخاب لم يكن هناك خيار: كان عليه أن يقبل. كان يعلم أن هذه هي خطّة الله”.
اسم فرنسيس… “بابا الشعب والفقراء“
فور انتخابه وفي أولى قراراته، رفض البابا الجديد ارتداء الـ”موفِّيتا” المصنوعة من القماش المخمل الأحمر والصليب الذهبي وزوج الأحذية الحمراء المجهّزة له بل احتفظ بصليبه الفضي وحذائه الأسود، متّخذاً اسم فرنسيس.
في أول لقاء إعلامي له، شرح اختياره لاسمه تيمّناً بالقديس فرنسيس الأسيزي، فقال: “الرجل الذي يمنحنا روح السلام هذه، الرجل الفقير. أريد كنيسة فقيرة ومن أجل الفقراء. القديس فرنسيس جلب للمسيحية فكرة الفقر ضدّ ترف السلطات المدنية والكنسية وكبريائها وغرورها في ذلك الوقت. لقد غيّر التاريخ”.
ولفت إلى أنّه عندما أصبح واضحاً خلال التصويت لانتخابه، عانقه الكاردينال البرازيلي كلاوديو هوميس قائلاً له: لا تنسَ الفقراء”، ما جعله يفكّر في هذا القديس.