Search
Close this search box.

باريس 2024: هل تستطيع مدينة الأنوار تجاوز تحدّيات الأولمبياد؟

olympics

كتبَ الخبير والمحلّل الرياضي الدكتور زياد عباس

على مرّ التاريخ، وفرّت الأحداث الرياضية الكبرى منصّة عالمية تضمن أقصى قدرٍ من الدعاية، ومن المقرر أن تكون دورة الألعاب الأولمبية 2024 في باريس مشهداً رائعاً، حيث تحتل مدينة الأنوار مركز الصدارة. ولكن وعلى الرغم من بريق المجد الرياضي والتغطية الدولية، لا تزال تكمن تحدياتٌ كبيرة يتعيّن على المنظّمين مواجهتها لضمان حدثٍ سلسٍ وناجحٍ.

أحد التحدّيات الرئيسية لباريس 2024 هي الشائعات وحملات التضليل التي قد تؤثر على الألعاب على مستويات عدة مثل الشائعات الأخيرة حول تأجيل أو إلغاء الألعاب والتي نفتها اللجنة الأولمبية الدولية (IOC) واللجنة المنظِّمة المحلية مؤخراً، ومع ذلك ما الذي يمكن أن يحدث بشكلٍ خاطئ في واحدة من أكثر الأحداث الرياضية شهرةً في التاريخ؟

في ما يلي بعض التحدّيات المحتملَة التي قد تواجه اللجنة الأولمبية والرياضيين البالغ عددهم 10500 رياضي من 206 لجان أولمبية وطنية، والذين سيتواجدون في هذا الحدث الكبير.

1- المخاوف الأمنية:

ستُقامُ فعاليات الألعاب الأولمبية في 36 موقعاً عبر فرنسا، بالإضافة إلى موقع واحد في تاهيتي، ومن المتوقّع أن تجذب حوالي 13,5 مليون شخص، ومثل العديد من الدول تواجه فرنسا الخطر الدائم للعمليات الإرهابية وبالأخص في مثل هذه المناسبات لأنها توفّر منصّة دعاية عالمية، ومن هنا قرّرت السلطات الفرنسية نشر 20 ألف جندي في جميع أنحاء البلاد، إلى جانب 40 ألف شرطي ودركي لضمان سلامة الرياضيين والمتفرّجين والمسؤولين خلال الألعاب، لكن هذه الإجراءات ستكون بمثابة تحدٍّ للجنة المنظِّمة لتحقيق التوازن بين إجراءات الأمن الصارمة والحفاظ على أجواء من الانفتاح والاحتفالية.

2- النقل العام:

في تصريح أخير لعمدة باريس آن هيدالغو لبرنامج Quotidien الإخباري، ذكرت هذه الأخيرة أنه: “ستكون هناك أماكن لن يكون فيها النقل (العام) جاهزاً لأنه لن يكون هناك عدد كافٍ من القطارات للزائرين خلال الألعاب “. ورغم هذه التحديات التي ذكرَتها عمدة باريس، فإن العاصمة الفرنسية تتمتّع بنظام نقلٍ عامٍ متطوّر، لكن تدفق الزوار خلال الألعاب قد يُرهق قدرتها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي إضرابات عمال النقل المحتملَة إلى تعطيل سفر الرياضيين والمشجعين، لذلك وفي خطوة مستبقة، وضعت هيئة النقل في منطقة باريس (IDFM) والتي تنسق شبكة النقل العام في المنطقة، 125 سيناريو “خطة ب “ في حال حدوث أعطال أو تغييرات في الجدول الزمني أو إغلاق خدمات النقل بسبب الحوادث على سبيل المثال.

3- نهر لا يجري نظيفاً:

نهر السين الشهير، وهو قطعة فنية في قلب الألعاب، من المقرّر أن يستضيف فعاليات الترياثلون، ومع ذلك، لا تزال المخاوف قائمة بشأن جودة المياه خلال المنافسات.

وعلى الرغم من جهود التنظيف التي تُقدّر بملايين الدولارات، فإن ضمان سلامة النهر للرياضيين يثيرُ تساؤلاتٍ حول تأثيره الدائم على البيئة. هذه القضية ليست بجديدة حيث أن لها تاريخ طويل يبرز من خلال إلغاء بطولة العالم للسباحة في المياه المفتوحة العام الماضي بسبب رداءة جودة المياه.

ووفقاً لتوجيه مؤسسة جودة المياه الأوروبية، لم تصل أي من نقاط أخذ العينات الأربع عشرة للمياه في نهر السين إلى مستوى جودة كافٍ في العام 2023، خصوصاً في الفترة من شهر يونيو/حزيران إلى شهر سبتمبر/ أيلول، وعلى الرغم من أن النتائج لم تطل حجم التوقّعات، إلا أن الآمال لا تزال معقودة حتى آخر لحظة على أكبر حدثٍ رياضيٍ في العالم. ولكن من ناحية رياضية ومن وجهة نظر الرياضيين والمدربيين، فآن الانتظار حتى اللحظات الأخيرة قد يؤثر على التخطيط النهائي للبطولة من الناحية الذهنية والجسدية، ما يعني أنه سيؤثر على نتائج الألعاب في تلك الرياضة.

4- تكلفة المجد:

إستضافة دورة الألعاب الأولمبية قد لا تكون مفيدة إقتصادياً كما يظن الكثيرون، إذ لا توجد تكلفة محدّدة لتنظيم الألعاب حيث يختلف وضع كل مدينة منظِّمة، لكن التكلفة تكون عادةً بعشرات مليارات الدولارات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تكلّفت أثينا في العام 2004 15 مليار دولار، و بكين في العام 2008 تكلّفت42 مليار دولار، لندن 2012 (14.6 مليار دولار) ، ريو دي جانيرو 2016 (20 مليار دولار)…

ومن المتوقّع أن تحصل باريس على فوائد إقتصادية بقيمة 12.2 مليار دولار خلال دورة الألعاب الأولمبية المقبلة، لكن المدينة أنفقت الى الان 9.7 مليار دولار قبل بداية أي حدث.

وفي حين يرى البعض أن الأولمبياد بمثابة فخ سياحي لجذب الأموال، إلا أن البيانات الأخيرة تشيرُ إلى أن السياحة في المدن الأولمبية غالباً ما تتراجع خلال تلك الفترة. وتُظهر بيانات شركة استشارات MKG ومقرها باريس أن حجوزات الفنادق قد انخفضت منذ العام الماضي خلال الأسابيع التي تسبق الأولمبياد، إلى جانب انخفاضٍ بنسبة 25% في الإيرادات لمعظم شهر حزيران، وهو ما شهدته لندن في العام 2012 حيث عرفت زيادة بنسبة 3% فقط في عدد الوافدين.

ومن ناحية أخرى، تتوقّعُ شركة الخطوط الجوية الفرنسية (اير فرانس) مبيعات صيفية ضعيفة جداً حيث يتجنّب المسافرون الألعاب الأولمبية لكثرة الازدحام وغلاء الأسعار في جميع أنحاء البلاد.

في النهاية، تشكّلُ الألعاب الأولمبية رغم أهميتها عائقاً مالياً كبيراً، وهو ما تؤكده الدورات التي سبقتها حيث أنه على مرّ التاريخ، ظلت لوس أنجلوس عام 1984 “المدينة المضيفة الوحيدة التي حققت ربحاً من الألعاب”، وفقاً لشركة إنفستوبيديا، والسبب يرجع إلى حدٍّ كبير إلى أن “البنية التحتية المطلوبة منها كانت موجودة بالفعل”، فهل ستكون ألعاب باريس 2024 مختلفة؟ لدي شكوكي في ذلك.

5- التأثير الاجتماعي:

بعيداً عن مجد الألعاب، يمكن أن تتأثر الحياة اليومية لسكان المدينة الباريسية بشكلٍ كبير، فخلال أولمبياد طوكيو 2020، تم نقل حوالي 300 أسرة من المدينة الأولمبية لإفساح المجال أمام بناء منشآت للحدث الرياضي. هذا النوع من التشريد ليس جديداً، إذ وفقاً لصحيفة Post، فإنه على مرّ الخمسين عاماً الماضية، فقد أكثر من مليوني شخص منازلهم وتمَّ تشريدهم بسبب التغيير الإجتماعي وإعادة تشكيل المدن لتنظيم أكبر حدث رياضي في العالم.

ومع ذلك، تبقى استضافة الألعاب الأولمبية أيضاً فرصة تحوّلية للعاصمة والمناطق المجاورة لها، مثل سين سان دينيس التي ستستضيف القرية الأولمبية كجزء من مبادرة “التجديد الحَضَري” ، حيث تم إنشاء أكثر من 3500 وحدة سكنية صديقة للبيئة لهذا الحدث، الأمر الذي يعود بالفائدة في نهاية المطاف على سكان المنطقة بعد الدورة.

في الختام، وعلى الرغم من هذه العقبات المتعدّدة و المختلفة، تظل روح الألعاب الأولمبية قائمة وأساس هذه الدورات المنافسة والوحدة والسعي لتحقيق التميّز، ما يعني أن هذه الدورة ستمثّل اختباراً كبيراً للجنة المنظِّمة والحكومة الفرنسية، خصوصاً في ظل نتائج الانتخابات الأخيرة، لكن أمام باريس فرصة كبيرة لتشعّ أمام العالم وإثبات قدرتها على تجاوز من هذه التحدّيات.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: