مَن يراقب ويتابع مواقف الإدارة الأميركية والرئيس جو بايدن حيال ملفات المنطقة والخليج ينتابه شعور بالدوار والضياع، ذلك أن مواقف الإدارة الديمقراطية منذ سنتين الى الآن امتازت بعدم استقرار وتقلبات وتوترات وانفعالات أبعدت واشنطن عن مصداقيتها تجاه دول المنطقة.
وصلت العلاقات الأميركية - الخليجية الى مرحلة متقدّمة من التصادم والعداء كلّلتها مرحلة قرارات أوبك بلاس الأخيرة بخفض الإنتاج، ما أثار عاصفة ديمقراطية ذهبت في كل الاتجاهات تخبط "خبط عشواء" في معاداة المملكة العربية السعودية وتحميلها مسؤولية أزمة طاقة لم تكن موجودة إلا في مخيلة البيت الأبيض وفريق إدارة الرئيس بايدن، بدليل عدم تأثر سوق النفط بقرار التخفيض لا بل تسجيله مستويات هبوط في أسعار البرميل ثبّتت حسابات دول أوبك بلاس وبالتحديد السعودية ودولة الإمارات في قرار تخفيض الإنتاج.ومنذ أيام ومن أقصى معاداة المملكة العربية السعودية، وأقصى ما نشرته "الفورين بوليسي" عن أن المملكة ليست حليفةً للولايات المتحدة ما يتعين معه على الرئيس بايدن عدم التعامل معها على أساس أنها حليف ...
ومن أقصى اعتبار الناطقة بإسم البيت الأبيض بأن قرار أوبك بلاس هو إصطفاف سعودي الى جانب روسيا ضد الولايات المتحدة ...
ومن الواضح أيضاُ أن موقف الإدارة الأميركية الديمقراطية متأرجح بتأرجح بعض الولايات إزاء الحملة الانتخابية النصفية والتي ستحسم اليوم مصير الأغلبية الجديدة في الكونغرس.
منذ أسبوع أعلنت المتحدثة بإسم البيت الأبيض عدم استعجال إدارة الرئيس بايدن في تحديد الإجراءات المتعلقة بتبعات مواقف المملكة العربية السعودية إزاء قرار أوبيك بلاس وما اعتبرته واشنطن اصطفافاً سعودياً الى جانب روسيا، ذلك أن البيت الأبيض أدرك عقم سياسته السلبية تجاه المملكة ودول الخليج وفشل هذه السياسة في تطويع المملكة ودول الخليج، والأهم من كل هذا نجاح رؤية المملكة ودول أوبك بلاس لأسعار النفط، وبالتالي اقتناع واشنطن بفشل توقعاتها التي بنت عليها نقمتها على الرياض.فمواقف البيت الأبيض إزاء أوبك بلاس والمملكة العربية السعودية بُنيت على العصبية والتوتر والانفعالات أكثر مما بُنيت على قراءة هادئة وموضوعية لواقع أسواق النفط وتقلبات أوضاع الطاقة في العالم، وبالتالي فشل البيت الأبيض في بناء موقف متماسك ومتشابك ضد أوبك بلاس والمملكة خاصةً لعدم توافر عناصر اتهام كافية ولعدم وجود سوء تصرف من قبل أوبك بلاس والمملكة ودول الخليج في الموضوع النفطي.حاول البيت الأبيض رمي كرة المسؤولية عن سوء الوضع الاقتصادي في عز حملة الديمقراطيين في الانتخابات النصفية على الرياض لتحويلها الى كبش فداء وشمّاعة يحمّلها الازمة الاقتصادية والتضخم في الولايات المتحدة الأميركية لكنه فشل ...
هذا التحوّل في الموقف الأميركي انسحب على ما يبدو تحولاً على الموقف الأميركي من الحرب في أوكرانيا إذ عمدت واشنطن الى التماهي مع كل من دول الخليج وفرنسا في الدعوة الى حل سياسي للصراع الروسي- الأوكراني من خلال ما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" من رسائل سرية أميركية الى الرئيس الأوكراني فولودومر زيلينسكي تشجع فيها الأوكرانيين على الانفتاح على حوار مع الروس، زيلينسكي نفسه الذي كان ومنذ أشهر يعلن عدم الاستعداد للتفاوض مع الروس إلا بعد تغيير النظام في روسيا.هذه الانعطافة الجزئية من واشنطن إزاء الحرب في أوكرانيا والموقف منها ومن ضرورة التفاوض مع الروس جاءت لتؤكد أيضاً وأيضاً صوابية الموقف الخليجي والسعودي تحديداً الذي لطالما نادى بوجوب الجلوس الى طاولة الحوار والتفاوض بين الروس والأوكرانيين يوم كانت إدارة بايدن الديمقراطية تدفع الرئيس الأوكراني الى سقوف عالية في مواقفه ضد موسكو والرئيس فلاديمير بوتين وتزوده بالسلاح والمال جاعلة من أوكرانيا ورقة وليس قضية.كل هذا ناهيك عن المحادثات السرية التي جرت خلال الأشهر الأخيرة بين مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان ومسؤولين من كبار مساعدي الرئيس بوتين لبحث كيفية تفادي نشوء صراع أوسع في أوكرانيا بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإدارة بايدن الديمقراطية تقوي الأوكرانيين وتتفاوض عليهم في آن واحد.
واشنطن الديمقراطية خسرت الحرب النفطية مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج ...واشنطن الديمقراطية خسرت رهاناتها في أوكرانيا بدليل عودتها الى التفاوض السري مع الروس وتشجيع الأوكرانيين على التفاوض ...
هي سياسة بهلوانية متقلبة تعكس حقيقة سياسة الديمقراطيين غير المستقرة وغير المتوازنة ... انعكست على مجمل الحسابات وأعادت خلط أوراق المنطقة والعالم ... بلا طائل ولا جدوى سوى البيع والشراء كالعادة ...فالرئيس المصري الراحل حسني مبارك قالها على الدوام : الملتَحِف بالأميركي عريان ... الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة الأميركية تنطلق اليوم علّها تفرز عن تغيير في موازين القوى تعيد تصويب العديد من الأخطاء والخطايا الكارثية في سياسة واشنطن الخارجية ولا سيما في منطقتنا.