وقع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف في الرياض اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك، التي نصت على أن أي اعتداء على أي من البلدين يُعد اعتداءً على كلاهما، وتشمل تطوير التعاون الدفاعي وتعزيز الرد المشترك على أي تهديد.
وأوضحت السعودية أن الاتفاقية شاملة، وتغطي جميع الوسائل العسكرية، بينما شدد المسؤولون على أن توقيت الاتفاقية ليس رد فعل على أحداث محددة، بل تتويج لمناقشات طويلة استمرت سنوات بين الرياض وإسلام أباد.
في المقابل، أشار وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد أصف إلى أن العدوان الإسرائيلي على قطر لم يكن ليحدث بدون موافقة مسبقة من الولايات المتحدة، مؤكداً على ضرورة تأسيس ناتو إسلامي للتصدي للتحديات المشتركة التي تواجه الأمة.
القوة العسكرية الباكستانية.. ركيزة التحالف
يمتلك الجيش الباكستاني نحو 1.7 مليون جندي، بينما يضم سلاح الجو نحو 1400 طائرة بما فيها 318 مقاتلة، والأسطول البحري يحتوي على 221 وحدة بما في ذلك 9 فرقاطات و8 غواصات.
أما القدرة النووية، فتشير التقارير إلى نحو 170 رأسا نوويا وحوالي 50 منصة إطلاق صواريخ أرض-أرض، ما يعزز من مصداقية التحالف ويمنحه ثقلًا استراتيجيًا.
أثر الاتفاقية على التوازن الإقليمي
الاتفاقية قد تمثل رد فعل أوسع على العمليات الإسرائيلية في الخليج، وقد تلهم تشكيل تحالفات مماثلة بين دول مجلس التعاون أو دول إسلامية أخرى.
الهدف، وفق التحليلات، هو إعادة تشكيل توازن القوة في جنوب آسيا والخليج، وضمان الاستقرار من خلال ردع أي مغامرات من أطراف مثل إسرائيل أو جماعات غير حكومية.
حراك دبلوماسي ومناورات عسكرية في شرق المتوسط
تزامن توقيع الاتفاقية مع لقاءات دبلوماسية بين السعودية وإيران، حيث استقبل ولي العهد السعودي علي لارجاني، رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، وتبعه تبادل مكالمات بين وزيري الخارجية السعودي والإيراني حول الاتفاق الدفاعي.
في السياق نفسه، أعلنت تركيا عن مناورات بحرية مشتركة مع مصر تحت اسم "بحر الصداقة"، وهي أول تدريبات من نوعها منذ 13 عاما، تشمل فرقاطات وزوارق هجومية وغواصات ومقاتلات F-16، ما يعكس توجها نحو تعزيز القدرات الدفاعية المشتركة بعيدا عن الاعتماد الكامل على واشنطن.
السعودية وباكستان.. تاريخ طويل من التعاون العسكري
قال علي العنزي، رئيس قسم الإعلام سابقا في جامعة الملك سعود، خلال حديثه إلى "التاسعة" على سكاي نيوز عربية إن التعاون العسكري بين السعودية وباكستان ليس جديدا، فقد شمل برامج تدريب مشتركة ومستشارين باكستانيين ساهموا في تطوير الجيش السعودي منذ السبعينات وحتى التسعينات، وما زال مستمرا اليوم.
وأضاف العنزي أن الأحداث الأخيرة، بما في ذلك العدوان الإسرائيلي على قطر، شكلت نقطة تحول، دفعت المملكة ودول المنطقة إلى تنويع خياراتها الاستراتيجية بعيدا عن الاعتماد على حليف واحد، وسط تراجع الثقة بالولايات المتحدة بعد مواقفها الداعمة لإسرائيل دون تحفظ.
التعددية القطبية وصعود التحالفات الإقليمية
العنزي أوضح أن المملكة بدأت منذ عقود تنويع علاقاتها مع الصين وروسيا والهند وباكستان، متابعًا أن التجربة الدولية أظهرت الآثار السلبية للقطب الواحد، وبرزت الحاجة إلى تعزيز القدرة على حماية المصالح الوطنية والإقليمية.
تجربة مؤتمر شنغهاي والعرض العسكري الصيني بعد الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى الهجوم الإسرائيلي على قطر، أبرزت للدول العربية والإسلامية أهمية التنسيق الإقليمي والمساهمة في تشكيل توازن قوة مستقل عن واشنطن.
هدف التحالفات.. حماية المصالح وردع التهديدات
وفق العنزي، الاتفاقيات والتحالفات الإقليمية الجديدة لا تهدف للإضرار بأي طرف، بل لتعزيز الردع الإقليمي وحماية مصالح الدول المشاركة، خصوصًا في مواجهة التحديات الإسرائيلية أو أي مغامرات غير حكومية.
وأشار إلى أن المملكة تمتلك قدرات عسكرية واقتصادية كبيرة، وشركاء استراتيجيين عالميين، مثل الصين وروسيا، ما يمنح التحالف محتوىً استراتيجيًا قويا.
رسالة التحالف
تأتي هذه التحركات كرسالة تحذير لإسرائيل، مفادها أن التحالفات الإقليمية قادرة على التصدي لأي تهديد، حتى في ظل الدعم الأميركي لإسرائيل.
كما أنها رسالة ضمنية للولايات المتحدة بأن استمرارية سيطرتها على الشرق الأوسط لم تعد مؤكدة، وأن هناك خيارات أخرى للدول الإقليمية لحماية مصالحها.
الاتفاقية السعودية-الباكستانية، إلى جانب التنسيق العسكري والدبلوماسي الإقليمي، تشير إلى ميل نحو تكتلات دفاعية إسلامية وعربية مستقلة، قد تلعب دورًا مهمًا في إعادة تشكيل التوازن العسكري والجيوسياسي في المنطقة.
ومع صعود التعددية القطبية، فإن مفهوم "ناتو إسلامي" لم يعد مجرد فكرة نظرية، بل خطوة محتملة نحو كتلة استراتيجية ذات قدرة ردع متزايدة على المسرح الدولي.