تداعيات بدء ولاية الجمهوريين في مجلس النواب الأميركي

1017618579_0_75_1440_885_1920x0_80_0_0_c688d2be6df75bb21edfb7c778bd33ef

رسمياً ومنذ الأول من الشهر الحالي، دخل مجلس النواب الأميركي المنتخَب ذات الأكثرية الجمهورية حيز الوجود الدستوري والسياسي في الولايات المتحدة الأميركية.
هو واقع صعب ومرير للديمقراطيين وخصوصاً للرئيس جو بايدن الذي بات مضطراً لمواجهة مجلس نواب "عَصيّ ومستعصي عليه" وعلى سياساته ونهجه خاصة فيما يتعلق بالميزانيات المالية والمساعدات الخارجية وفي طليعتها المساعدات لأوكرانيا.
البيت الأبيض أمام اختبار صعب وجديد يُفرض عليه وعلى ساكنه، لأن عليه التعاون مع كونغرس منقسم على نفسه : مجلس شيوخ بغالبية ديمقراطية، ومجلس نواب بغالبية وسيطرة جمهورية.
الجمهوريون أعدّوا العدّة لمواجهة الرئيس جو بايدن لجهة الملفات المتعلقة به وبإدارته ومعارضة برنامج عمله خلال العامين المقبلين المتبقيَين من ولايته، وصولا الى عرقلة مشاريع يطرحها الديمقراطيون.
اتفق الجمهوريون على تولي كيفن ماكارثي رئاسة مجلس النواب خلفاً لنانسي بيلوسي الديمقراطية بعد خلافات حادة بين أعضاء الجمهوريين أدت الى فشلهم في انتخاب رئيس من الدورة الأولى.

أمام هذه الحقيقة، يُطرح السؤال الكبير حول كيفية مواجهة الإدارة الأميركية الديمقراطية للمعطى البرلماني الجمهوري الجديد ومدى التأثيرات السلبية لوجود مجلس نواب جمهوري على ما تبقى من ولاية الرئيس بايدن ومخططاته ونهجه وسياساته؟

مجلس النواب الجمهوري يستطيع دستورياً وسياسياً تقويض التشريعات التي تُقدّم اليه من الإدارة الديمقراطية كمثل تشريع ميزانية 1,7 تريليون دولار الذي تم التصويت عليه منذ أسابيع قليلة، كما بإمكانه عرقلة تشريعات أخرى كتلك المتعلقة بالضرائب والتحقيقات في بعض الضرائب، بالإضافة الى إمكانية تصويت مجلس النواب الجديد على تشريعات متعلقة بتأمين الحدود.
هذه التشريعات قد لا يوافق عليها مجلس الشيوخ، ما سيعني شلّ حركة التشريع خاصة إذا لم يتم التوصل الى اتفاقات بين الجمهوريين والديمقراطيين على أهمها.
الديمقراطيون يدركون تماماً صعوبة المرحلة وصعوبة التعاون مع مجلس نواب جمهوري ولذا سيصبّون جهودهم في مرحلة أولى على إيجاد قواسم مشتركة حول بعض التشريعات الأساسية التي تهم الشعب الأميركي في لقمة عيشه وضرائبه، الأمر الذي لن يكون بالسهولة المتوقّعَة.
الديمقراطيون يعتبرون أنهم يدفعون ثمن ما تأتى من ولاية الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، فيما الجمهوريون يعتبرون هذا الكلام إستهلاكي بدليل استمرار عضوية الولايات المتحدة في حلف الناتو واستمرار العلاقات التجارية مع كندا والصين وانخفاض نسبة البطالة.
الجمهوريون موحدون في العديد من الملفات ولو تخلل عملهم بعض الخلافات إلا أن نهجهم وتوجههم السياسي واحد ومرتكزاتهم واحدة انطلاقاً من أولوية الاهتمام بالداخل الأميركي وبشكل خاص تصحيح مشكلات الداخل الأميركي.
أمام مجلس النواب ومجلس الشيوخ حالياً 12 تشريعاً أساسياً يتعلق القسم الأكبر منها بالميزانيات المرصودة لوزارة الخارجية ووزارة الدفاع، علماً بأن الجمهوريين يتجهون دائماً الى وجوب خفض الإنفاق وتقليصه ويعيبون على الكونغرس السابق الإفراط في الصرف، والتصويت على ميزانيات كبّدت الخزينة الأميركية أعباء كبيرة وخطيرة بحسب خطابهم وأدبياتهم، وهذا ما تسبّب بالوصول الى ميزانية 1.7 تريليون دولار.
الجمهوريون سيطرحون ملف هنتر بايدن ابن الرئيس الأميركي كما أنهم سيطرحون محاسبة الرئيس بايدن نفسه حول تأثير الصين وفتح تحقيقات مع إدارة بايدن حول وباء كوفيد 19 والانسحاب من أفغانستان …
الرئيس السابق دونالد ترامب شخصية قوية، ليس فقط داخل المعسكر الجمهوري بل وأيضاً لدى بعض الديمقراطيين والصفوف العاملة، وقد أثبت قوته في انتخابات العام 2016 ومن ثم في انتخابات 2020 عندما زادت أعداد الناخبين بنسبة 12 مليون ناخب إضافي، الأمر الذي سُجّل كسابقة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، كما أنه لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة لدى القاعدة الجمهورية، لكن هذا لا يعني أن الرئيس السابق قد يكون لوحده مرشح الجمهوريين في شهر آب من العام 2024، إذ قد يتم ترشيح شخص آخر، الا أن تأثير الرئيس ترامب داخل المعسكر الجمهوري سيتعاظم وسيكون في مطلق الأحوال مؤثراً على المشهد الأميركي الداخلي والخارجي.
ثمة فارق أساسي وجوهري بين الجمهوريين والديمقراطيين قلة هم الذين يتنبّهون اليه : الحزب الجمهوري يضم الكثيرين من المستقلين والصيادين والمفكرين والفلاحين، وبالتالي الأعضاء لا ينتمون الى اتحادات أو هيكليات موحّدة ولا يتصرف هؤلاء بالتالي على أنهم خاضعين لتعليمات واحدة على الجميع، فالجمهوري لا يرى نفسه عضواً في مجموعة فارضة بل يتصرف كل عضو منهم بما يمليه عليه ظرفه كفرد مستقل يعتمد على نفسه، وهذه العقلية تختلف كثيراً عن العقيدة الديمقراطية، فأمر انقسام الجمهوريين ليس بجديد ولكن أمام المطبات وفي المفاصل الأساسية للحياة السياسية يتوحّد الجمهوريون ولا يتركون الديمقراطيين يهنأون بانقساماتهم.
لا صلاحية لمجلس الشيوخ الديمقراطي في التصويت على ميزانية مالية ولا قدرة لمجلس النواب الجمهوري على تمرير تشريعاته في مجلس الشيوخ، ما يعقّد الأمور لأنه لا يمكن لمجلس الشيوخ الموافقة على ميزانية أو تشريعات جمهورية مناقضة لمبادىء الديمقراطيين …
من هذا التعقيد في المشهد تنبثق معادلة ستلعب دوراً هاماً في حل الانقسام داخل الكونغرس الا وهي معادلة توازن الضغط المتبادل : فبفعل هذا الضغط المتوازن والقدرة على عرقلة كل غرفة لعمل الغرفة الأخرى، سيكون الكونغرس مضطراً للدخول في تسويات عند كل تشريع أو كل خطوة تُعرض عليه للتوافق بين أعضاء غرفتيه لأن انسداد أفق التعاون والتعاطي قد يلزم الغرفتين بالتعاون، وبالتالي بمزيد من الإيجابية بين مجلسي الشيوخ والنواب كي لا يشعر الشعب الأميركي بالنتيجة بالإحباط من تلك التشابكات المعطِلة لعمل الكونغرس، ما يعني أن الشعب سيكون الحكم في المرحلة المقبلة من الحياة السياسية في الولايات المتحدة الأميركية انطلاقاً من رمي كل فريق كرة التعطيل والعرقلة على افريق الآخر، فيما الرئيس بايدن سيحاول تدوير العديد من الزوايا في سياساته وميزانياته انطلاقاً من اختبار قدرته على توحيد الأميركيين كما كان طرح نفسه إبّان الانتخابات الرئاسية ووفق برنامجه الانتخابي والسياسي.

الولايات المتحدة اذاً أمام صفحة جديدة من الحياة السياسية الداخلية و مرحلة جديدة من الرهانات والخيارات التي ستعكس تنافساً كبيراً بين الأميركيين أنفسهم، مع ما سيجلبه هذا التنافس من تداعيات على ثوابت السياسة الأميركية في العديد من ملفات العالم والمنطقة.

الأسابيع والأشهر المقبلة كفيلة بجلاء الموقف، والى ذلك الحين ستشهد المواقف الأميركية مداً وجذراً في الموقف من مختلف قضايا الساعة على الساحتين الداخلية والخارجية.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: