كل شيء على ما يرام في أميركا. هذه خلاصة 18 دقيقة خاطب خلالها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساء الأربعاء "الأمّة" الأميركية احتفالاً بسنة (إلا شهراً) في البيت الأبيض.
لكن ترامب لم يتوجّه إلى كل الأمة في خطابه التلفزيوني، بقدر ما توجه إلى جمهوره فيها، هذا الذي اقترع له ثلاث مرات متتالية، يبدو أن العلاقة بينه وبين زعيمه الشعبي ليست على ما يرام. لذلك، فإن الدقائق التي التزم خلالها بالنص المكتوب، بأداء عالي الصوت، وبسرعة أكبر من المعتاد، حاول الرئيس خلالها نيل رضى قاعدته بعنوانين يجيد اللعب فيهما بمهارة ساحر في سيرك.
العنوان الأول هو الديموقراطيون، والعهد البائد للرئيس الأميركي السابق جو بايدن. حمّله ترامب، إضافة إلى لقب "أسوأ رئيس في التاريخ" مجموعة التهم المعتادة، مثل أن دول العالم كانت "تضحك علينا" في الاتفاقات التجارية المعقودة معها، وأن بايدن كان مسؤولاً عن "غزو المهاجرين غير الشرعيين، (الذين) وصل عددهم إلى 25 مليوناً، معظمهم هاربون من السجون والمصحات العقلية، تجار مخدرات ورجال عصابات، ونحو 12 ألفاً ارتكبوا جرائم قتل. هذا ما فعله بايدن ولن نسمح بتكراره".
من ارتكابات الديموقراطيين الأخرى، السماح للرجال باللعب في رياضات النساء، وإغراق المدن والبلدات بالمهاجرين وتدمير مدخرات الأميركيين وزرع كراهية البلد في نفوس أطفالهم.
ورث ترامب بحسبه بلداً ميتاً، بعد أربع سنوات من الفوضى، فماذا حقق للأميركيين في 11 شهراً؟
في العنوان الثاني لخطابه الموجه إلى جمهوره، لجأ ترامب إلى أفعل التفضيل في كل المواضيع التي تطرق إليها، ومعظمها دار حول الحالة المعيشية للأميركيين. ومع أنه استخدم كثيراً من الأرقام، لكن أرقامه تحتاج إلى كثير من التدقيق إلى درجة أن مراسلة في "نيويورك تايمز" علقت بأن مدة الخطاب 18 دقيقة لكن التدقيق في الحقائق يحتاج إلى أيام.
أميركا حالياً هي الأكثر إثارة في العالم. حدودها هي الأقوى، انخفض تهريب المخدرات بنسبة 94 بالمئة. أما الأسعار فكلها تنخفض. ثمن ديك الحبش انخفض بنسبة 33 بالمئة، أما البيض فبنسبة 82 بالمئة. (التضخم حالياً يبلغ 3٪ ويماثل ما كان عليه خلال حكم فترة بايدن). الأدوية أيضاً سينخفض سعرها بشكل لا يتصوره العقل، والكهرباء كذلك، وإيجارات البيوت (وخلوّ الكثير منها بعد ترحيل المهاجرين)، وكل الوظائف الجديدة تذهب مذ عاد ترامب إلى منصبه لأميركيين أصليين، ويقصد المولودين أميركيين لا المجنسين، وهذا تصنيف يبدو جديداً إذ ليس من عادة الساسة التفريق بين التصنيفين في بلاد المهاجرين، وزوجة ترامب ميلانيا منهم، وحين باتت السيدة الأولى، كانت أول مهاجرة تنال وظيفة في البيت الأبيض الجديد.
ولأن كل شيء على أفضل ما يرام، فالولايات المتحدة لأول مرة في تاريخها تشهد هجرة عكسية حيث يتركها مهاجرون عائدون إلى ديارهم (مع أن الكثير من التقارير أشارت إلى هجرة علماء وأطباء وأكاديميين بعد إلغاء عشرات برامج الدعم الفيدرالية لمختبرات الأبحاث والتضييق السياسي على الجامعات).
أما مفاجأة الخطاب فكانت هدية رئاسية. 1776 دولاراً لكل عسكري في القوات المسلحة الأميركية (مليون و450 ألف جندي). هذه أموال ربحتها الولايات المتحدة من التعريفات الجمركية، ولا أحد يستحقها أكثر من الجنود تكريماً لهم في ذكرى 250 عاماً على تأسيس أميركا (سنة 1776).
وإن كان الجنود نقطة ضعف الأميركيين عموماً، فلهم مكانة خاصة في قلوب جمهور ترامب وشعاره "أميركا أولاً" في الداخل والخارج لا فرق. لكن هذا الجمهور الذي تلقى خطاباً انتخابياً صرفاً، استمع إلى مجموعة من الأرقام لا يعرف كيف يصرفها في مشاكله، كما أصغى إلى مجموعة أخرى من الوعود هي نفسها التي كان يكرّرها ترامب في حملته الانتخابية الأخيرة، والتي قد لا تصلح هي نفسها للانتخابات النصفية المقبلة في شد عصب هذا الجمهور ودفعه إلى صناديق الاقتراع بالكثافة السابقة التي أوصلت ترامب إلى البيت الأبيض والجمهوريين إلى الأكثرية في مجلسي النواب والشيوخ.