تسارع التحضيرات لمؤتمر “حل الدولتين” برئاسة سعودية – فرنسية

paris

شهدت باريس ونيويورك، اليوم الجمعة، اجتماعين متوازيين حول “المؤتمر الدولي الرفيع المستوى من أجل التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حلّ الدولتين”، والمقرر أن تستضيفه الأمم المتحدة في نيويورك ما بين يومي 17 و20 حزيران المقبل، برئاسة مشتركة سعودية – فرنسية.

ودلّ الاجتماعان على أن التحضيرات قد انطلقت بوتيرة مكثفة للمؤتمر، وأن الطرفين الراعيين يريدان فعلاً تحقيق اختراق فعلي من شأنه فتح الباب مجدداً، أمام الحل السياسي المغيّب، من خلال العودة إلى أساسيات النزاع، وأولى ركائزها تمكنين الفلسطينيين من بناء دولتهم الموعودة.

في باريس، استضاف وزير الخارجية جان نويل بارو، بعد ظهر الجمعة، نظراءه من السعودية الأمير فيصل بن فرحان ومصر عبد العاطي والأردن بدر وأيمن الصفدي، لجلسة عمل مخصصة للتحضير للمؤتمر المذكور، وهو الأمر الذي يعكس اهتمام فرنسا بالعمل يداً بيد مع الشركاء العرب، وخصوصاً مع الجانب السعودي.

في هذا السياق، أفادت مصادر رسمية فرنسية بأن باريس تعوّل على وزن السعودية على المستويات العربية والإسلامية والدولية بوصفها شريكاً في رئاسة المؤتمر بتوكيل من الأمم المتحدة وبموجب قرار تم اتخاذه في شهركانون الأول من العام الماضي.

بموازاة اجتماع باريس، انعقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك اجتماع تحضيري لتقييم ما أنجزته مجموعات العمل الثماني التي تم تشكيلها سابقاً، والغرض منها تقديم مقترحات عملية ملموسة للدفع باتجاه تنفيذ حل الدولتين الذي يرى فيه الراعيان الخيار الوحيد لوضع حد للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي.

ومن المفترض أن تواصل هذه المجموعات أنشطتها حتى موعد المؤتمر بحيث توفر خلاصاتها الأساس الذي ستبنى عليه الوثيقة النهائية المفترض بها أن ترسم السبيل والإجراءات لقيام الدولة الفلسطينية.

ووفق العرض الذي قدمه الجانب الفرنسي، فإن مؤتمر حزيران سيكون مفتوحاً أمام كافة أعضاء المنظمة الدولية، ولكن أيضاً أمام الأطراف المتمتعة بصفة مراقب.

كما يراهن الراعيان على أن يحظى المؤتمر بحضور واسع رفيع المستوىن إذ من المتوقع أن يفتتحه الأمين العام للمنظمة الدولية، يليه الرئيس الدوري للجمعية العامة، ثم رئيسا المؤتمر، وبعدها لمن يريد التعبير عن وجهة نظره. وستشهد الجلسة الأولى عرضاً يقدمه رؤساء المجموعات الثماني لخلاصات أعمالهم.

في السياق نفسه، من المقرر أن تنشر الوثيقة النهائية التي يراد لها أن تكون بمثابة خريطة طريق للحل السياسي القائم على وجود دولتين تعيشان جنباً إلى جنب. والمطلوب أن تركز الوثيقة على الأعمال الملموسة التي ترسم الطريق نحو الحل السلمي وقيام الدولتين.

باريس تضيف أن المطلوب ليس مناقشة قرارات دولية بل التركيز على التدابير العملية التي تيسّر الوصل إلى الحل ووضعه موضع التنفيذ.

يعي الطرفان الجميع صعوبة المرحلة التي ينعقد المؤتمر في سياقها. فحرب غزة التي ترفض الحكومة الإسرائيلية وضع حد لها، وعنف المستوطنين في الضفة الغربية، وعمليات الجيش الإسرائيلي المتواصلة، والأصوات الداعية إما لضم الضفة الغربية وإما لترحيل الفلسطينيين عن غزة، والهوة التي تزداد اتساعاً بين الشعبين، كل ذلك لا يوفر أفضل الظروف للمؤتمر والحل المطلوب.

بيد أن هناك، وفق القراءة الفرنسية، هدفاً وقناعة: الهدف هو تعبئة الأسرة الدولية حول الحاجة للحل السياسي. والقناعة: القدرة على إطلاق دينامية سياسية تعيد الحل السياسي إلى الواجهة باعتبار أن لا بديل سواه بما في ذلك الحل العسكري.

المحاور الأربعة

لأجل الذهاب نحو الهدف المذكور، يتم تركيز العمل، في المرحلة الراهنة، على تحقيق تقدم في أربعة محاور رئيسية؛ أولها الاعتراف بدولة فلسطين.

وترى باريس أن الغرض المطلوب تحقيقه إطلاق تيار لا يمكن الرجوع عنه لقيام دولة فلسطين التي اعترف بها حتى الآن ما لا يقل عن خمسين دولة، لكن ليس بينها أي دولة غربية تشغل مقعداً دائماً في مجلس الأمن الدولي.

في هذا الإطار، أعرب الرئيس إيمانويل ماكرون الذي من المتوقع أن يذهب إلى نيويورك بمناسبة المؤتمر، عن استعداده للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما أكده لاحقاً وزير خارجيته.

ثم إن البيان الثلاثي المشترك الذي صدر، يوم الثلاثاء الماضي، عن فرنسا وبريطانيا وكندا والذي أثار غيظ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكد أن الأطراف الثلاثة سوف تعترف بالدولة الفلسطينية.

وقال بارو إن فرنسا عازمة على الاعتراف بدولة فلسطين. والاعتراف، بحسب باريس، سيساعد السلطة الفلسطينية، وسيشكل وسيلة لمجابهة من يلجأ إلى العنف والإرهاب.

يقوم المحور الثالث على مبدأ أن المقابل للاعتراف بالدولة الفلسطينية هو التطبيع مع إسرائيل. وقالت باريس: “نريد اعترافات متبادلة”.

وأفاد كريستوف لوموان، الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية، بأنه من أجل توخي حل الدولتين، فإن مسألة الاعتراف المتبادل بين الدول أمر بالغ الأهمية”.

أضاف: “إذا أردنا أن نتمكن من التحدث عن حلّ الدولتين، فيجب على الدول التي لم تعترف بفلسطين أن تعترف بها، ويجب على الدول التي لم تعترف بإسرائيل أن تبادر بالتحرك نحو التطبيع”.

يتمثل المحور الثالث بإصلاح السلطة الفلسطينية، إن كان لجهة إحداث تغيير في هرمها أو في البنى الحكومية وإعادة الديمقراطية لعملها ومواجهة التيارات الفلسطينية الراديكالية. وتعتبر باريس أن إصلاح السلطة يعد خطوة مهمة، كونها مستهدفة، حيث أن السياسة الإسرائيلية تعمل على إضعافها.

تشكل الضمانات الأمنية لإسرائيل المحور الرابع وعنوانه نزع سلاح “حماس”، وإبعادها عن حكم غزة، والنظر في «هندسة أمنية إقليمية» تكون إسرائيل طرفاً فيها.

حتى اليوم، لم يصدر عن واشنطن أي تعليق على التحضيرات أو على أهداف المؤتمر. وليس سراً أن واشنطن ناهضت أي قرار عملي يذهب في هذا الاتجاه. ويعلم الجميع أن نتنياهو يرفض قطعاً قيام دولة فلسطينية، فيما حلفاؤه في الحكومة يفكرون في الطريقة المثلى للتخلص من الفلسطينيين. كذلك، فإن العلاقات الفرنسية – الإسرائيلية تعاني حالياً من تأزم بالغ بسبب مواقف باريس، إن كان لجهة الاعتراف بالدولة الفلسطينية أو من حرب غزة ومن سياسة إسرائيل في الضفة الغربية.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: