حرب أوكرانيا بين الأوتوبيا والواقعية الجيو سياسية

روسيا-أوكرانيا-1

بعد انقضاء أكثر من ثلاثة أشهر على الحرب في أوكرانيا وتساوي الطرفين المتنازعين في المأساة والكلفة الباهظة، ثمة استخلاصات لا بد منها لرسم توجه جديد نريده واقعياً وعملياً بعيداً عن المشاعر والانحياز لأن ما يحصل لا علاقة له فقط بأوكرانيا وأوروبا وروسيا بل يتجاوزه الى ما يهدّد الأمن الدولي.
من هذا المنطلق حرب وقد حصلت، دمار وقد تحقق، قتلى وجرحى بالآلاف من مدنيين وعسكريين، وحرب استنزاف ومواقع بين الروس والأوكرانيين تستمر وتسليح غربي تم ويتم للأوكرانيين عن حق لا بل واجب فماذا بعد؟
أولاً : سبق وقلنا في مقالات سابقة أن المأزق الذي تتجه اليه الحرب يتلخص بمعادلة مزدوجة : ممنوع أن تخسر روسيا وممنوع أن تخسر أوكرانيا، فخسارة الأولى ستؤدي الى تقوية الجبار الصيني ووضعه مباشرة في واجهة التحدي الغربي، وخسارة الثانية ستؤدي الى زعزعة أوروبا وتهديدها وتهديد تايوان وجزر الكواري وسواها.
من هنا فإن استمرار الحرب بالشكل الحاصل حالياً لن يحسم الموقف، لا للروس ولا للأوكرانيين وسيستمر النزيف ولو قدم الغرب كل ما لديه من سلاح وعتاد، علماً أن أزمة تسلّح أطلت منذ أيام في أوروبا والولايات المتحدة بسبب نفاد المخزون التسليحي الاستراتيجي لديهم، ما اضطر ويضطر الحكومات الى استنهاض مصانع إنتاج الأسلحة وصولاً الى الطلب من مصانع مدنية أن تشارك في مجهود الحرب الأوكرانية.
أوروبا اذاً تنحو باتجاه اقتصاد حرب وهي لن تكون قادرة على تلبية احتياجاتها من الإحتياطي التسلحي بين ليلة وضحاها، فيما كييف تقول إنها بحاجة للمزيد والمزيد من السلاح والمزيد المزيد من المال (٥ ملايين دولار يومياً بحسب الرئيس زيلنسكي )، وها أن القوات الأوكرانية خسرت معركة سيفيرودونتسك بعد خسارتها معركة ماريوبول، فيما الروس يتمكنون من قصف مخازن الأسلحة الغربية المرسلة للأوكرانيين ويقضمون ببطء منطقة تلو الآخرى بكلفة باهظة وبمزيد من الوقت المهدور.
ثانياً : انطلاقاً من المقاربة أعلاه ماذا لو اتخذ الناتو قراراً مثلا بالتفاوض مع الروس على أساس الأخذ بالاعتبار مصالح الأوكرانيين والروس ومحاولة إيجاد قواسم مشتركة تنهي الحرب.
فأي استمرار في هذه الحرب كما هو حاصل حالياً هو وبال على الأوكرانيين والأوروبيين والعالم، ليس فقط عسكرياً بل وأيضاً إقتصادياً. فبواقعية تامة نجد بعد أكثر من ٣ أشهر ورغم كل الاستنفار الغربي والاوروبي الى جانب الأوكرانيين أن الروس لم يتراجعوا بل تقدموا وأن الأوكرانيين يعانون النقص في السلاح والعتاد، وقد ترجم ذلك انسحابهم من سيفيرودونتسك لعدم قدرتهم على مواجهة الروس، فيما الغرب يعاني من نقص في مخزونها كما أشرنا.
التفاوض لإنهاء الحرب بأسرع وقت بات ملحاً خصوصاً وأن روسيا الضعيفة تسيطر عليها الصين فنكون من حيث لا ندري حوّلنا روسيا الى جبهة صينية أمامية مع أوروبا، و زيادة نفوذ بكين على الروس
فالتفاوض الآن في ظل معادلة القوة على الأرض أفضل من التفاوض لاحقاً عندما يختلّ ميزان توازن القوى لصالح الروس.
ثالثاً : إنهاء حرب أوكرانيا يكاد يصبح مطلباُ ملحّاً من الناحية الجيو سياسية في ظل موازين القوى الحالية، وفي ظل عجز الغرب رغم كل مجهوده المهم في حمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التراجع عن شرق أوكرانيا والقرم.
الصين التي تتابع وتحلل وتراقب ما يجري في أوكرانيا تدرك أو باتت تدرك أن لا شيء يمكنه أن يوقفها عن مهاجمة تايوان الا الوجود الأميركي المباشر هناك،
وبالتالي فهي تخطط لاستخدام بكين الروس خطاً أمامياً في تهديدها للغرب.
ويلاحظ في الآونة الأخيرة ارتفاع نبرة الصين بموضوع تايوان، بالتزامن مع التوتر الناجم عن التحذير الغربي لكوريا الشمالية من تجربة نووية إستفزازية تودي بالوضع في المنطقة والعالم الى ما لا يحمد عقباه.

بين الأوتوبيا والواقع فروق شاسعة، ونحن ولأننا الى جانب أوكرانيا نرى ضرورة بدء التفاوض لوقف المجزرة الأوكرانية والدولية على أبواب أوروبا وقد بدأ العالم يشعر بالجوع والقلق على المصير، لكن الواقعية الجيوسياسية تفرض نفسها إن أردنا إبعاد الجبار الصيني عن مساحاتنا وتورط العالم في مواجهة كارثية معه.
واشنطن غير قادرة على الاستمرار في مواجهة الروس مع الأوكرانيين وهي التي تواجه التنين الصيني لاسيما وأن إدارتها الديمقراطية وسياساتها تعاني من نقاط ضعف ووهن ألقت بظلالها على أوضاع أميركا الداخلية في ظل العداء المستحكم بين الجمهوريين والديمقراطيين وانتشار الصدامات والانقسامات الحادة داخل المجتمع الأميركي الى حد تخوّف النائب الجمهوري آدم كينزينغر أحد أعضاء لجنة التحقيق في أحداث اقتحام الكابيتول من تكرار التجربة.

يقول وليم شكسبير أن أصعب معركة في الحياة عندما يدفعك بعض الناس الى أن تكون شخصاً آخر .
الحرب في أوكرانيا لن تنتهي الا بالإرادة الدولية التي يمكنها، متى توافرت، أن تُجلس المتخاصمين على طاولة التفاوض وكل ما عداه مزيد من المأساة يدفع الأوكرانيون ثمنها عن الغرب والأميركيين، فيما نهاية النفق معروفة سلفاً وهي طاولة التفاوض والحوار .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: