Search
Close this search box.

داعش…ذلك “الجوكر” المخلوق العجيب الذي يقضُّ مضاجع حتى مستخدميه  

WhatsApp Image 2024-03-25 at 13.52.06_f2c5abad

أكثر من رسالة وأكثر من معنى تحمله الهجمات الإرهابية الأخيرة في موسكو، وتحديداً في مجمع كروكس الموسيقي الترفيهي.

أبرز الرسائل والاستنتاجات الأولية التي يمكن التوقّف عندها: عودة “داعش” وتجرؤها أكثر من قبل على أن تقلب الموازين وتعيدُ خلط الأوراق من خلال نوعية هجماتها والأهداف الثمينة التي تستهدفها، فليس من السهل أبداً ضرب أمن موسكو بالشكل الذي حصل وفي عُقر دار سلطة الرئيس فلاديمير بوتين الذي أُعيد انتخابه منذ أيام معدودة مرة أخرى رئيساً للاتحاد الروسي.

الأميركيون حذّروا بوتين من هجمات إرهابية ولكن…

في مراجعة للأحداث منذ يومين، استخدمت روسيا “الفيتو” في مجلس الأمن ضد مشروع قرار أميركي حول غزّة، فيما إعتبرت مندوبة الولايات المتحدة في المجلس  هذا الفيتو الروسي خطأ تاريخياً على حدّ قولها، إذ وبعد ساعات حصلَ هجوم مجمع كروكس الضخم في قلب موسكو.

داعش اذاً ضربت … وكانت واشنطن قد حذّرت السلطات الروسية من هجوم متوقّع، كما كانت في السابق قد حذّرت طهران قبل هجوم “كرمان” الشهير بداية العام الحالي، ففي السابع من آذار وقبل أسبوعين من هجوم المجمّع في موسكو كانت استخبارات الولايات المتحدة الأميركية قد حذرت موسكو من عمل إرهابي ما يُحضّر له، إلا أن التحذيرات الأميركية لم يؤخذ بها لأن الرئيس بوتين المنتشي بفائض العنفوان والكبرياء والاستكبار قرّر إهمال تحذير الأميركيين الذي وصفه بالابتزاز غير المقبول لديه  وهو لا يقبل به، بحيث فضّلَ سقوط ضحايا روس بالعشرات والمئات على أن يأخذ التحذير الاستخباراتي الأميركي على محمل الجدّ.

أوكرانيا “كبش الفداء”

داعش” أعلن نجاحه في إطلاق إطلالة مدوّية له من موسكو فيما اللافت كان تجاهل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بيان داعش بتبنّي الهجوم في أول إطلالة تلفزيونية له متحدّثاً الى الشعب الروسي، مفضّلاً التصويب ولو تلميحاً على اتهام أوكرانيا وكأن “داعش” باتت أقرب له من أوكرانيا فيغطي عليها لإدانة أوكرانيا… “كبش الفداء”.

لماذا تهرّب بوتين من اتهام داعش؟!

هذا التهرّب من ذكر “داعش” يطرح أكثر من علامة استفهام ليس أقلها أن يكون الرئيس الروسي قد تقصّد التهرّب  من ذكر “داعش” تجنّباً للحرج من عجز أجهزة الاستخبارات الروسية عن كشف مخططات إرهابية داخل أراضي روسيا، ولاسيما في العاصمة موسكو، الأمر الذي يُظهره وقيادته واستخباراته بمظهر عجزٍ وضعفٍ، فيما من الأسهل له رمي الاتهام وتحميل المسؤولية على الغير، وربما سنشهد في الساعات والأيام القليلة المقبلة إقالات عشوائية لمسؤولي أمن روس أو قياديين لأمن العاصمة في محاولة “تبييض” صورة الأمن والأجهزة الروسية والاستخباراتية وعدم لصق تهمة الإهمال أو عدم الكفاءة بها.

الهجوم الإرهابي أثبتَ عجز بوتين عن حماية روسيا من داعش

الهجوم الإرهابي في موسكو أثبتَ أن الخطر الحقيقي الكامن على الرئيس بوتين هو “داعش” وليس أوكرانيا، فداعش منظمة إرهابية دولية تتعاطى بمنطق المرتزقة بأساليب الهجمات الإرهابية… ولطالما خاضَ هو وجيشه حروباً في سوريا والقوقاز ضدها.

هجوم موسكو الإرهابي جاء في لحظة تبيّن فيها أن بوتين كان قد فاز في موسكو وحدها في الانتخابات الرئاسية الصورية الأخيرة بـ87% من أصوات الروس الموسكوفيين، لذلك فإن ارتدادات الهجوم الإرهابي أكبر وأوسع وأشمل من مجرد ما يمكن أن يخطر ببالنا من تداعيات محدودة، لأن الذي حصل أثبتَ مرة جديدة وبعد انقلاب بريغوجين الفاشل عليه عجز بوتين عن حماية روسيا من داعش، كما لم يقوَ حتى الآن على حسم الحرب في أوكرانيا رغم استهدافه مؤسسات الطاقة الأوكرانية ومراكز مدنية واستراتيجية أوكرانية هامة، ولا عجب في ذلك طالما أنه لا يزال يواجه مقاومة أوكرانيا الشرسة.

وفي سياق متّصل، أعلن رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون أن الكونغرس الأميركي سيصوّتُ على المساعدة العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل بالمليارات دعماً لمقاومة الأوكرانيين الشرسة وتشبّثهم بأرضهم.

لحظات التسوية أهم لطهران من المعارك الفاشلة

هجوم موسكو الإرهابي ذكّرَ الجميع بوضعية الرئيس بوتين الحرجة وهو الذي انقلب على النظام الدولي، إذ إن تغيير حدود البلدان لا يتّفق والنظام الدولي، فمع غزو أوكرانيا باتت روسيا خارج النظام الدولي لاسيما وأن الحرب في أوكرانيا لم تعد عمليةً عسكريةً محدودة بل حرباً في المفهوم القانوني، وقد يتمّ إثر هجوم موسكو استدعاء الاحتياط مجدّداً لمضاعفة إمكانيات المواجهة خارجياً وشدّ القبضة الحديدية على الداخل، ورُبَّ قائل بأن ثمة احتمالات بإمكانية أن تؤدي هجمات موسكو الى إعادة حسابات بوتين الاستراتيجية وأولوياته بحيث قد يقرّر في لحظة ما الانسحاب من سوريا لتدعيم ورقته الأوكرانية وتدعيم داخله المختَرَق، وقد بات الأمران يُثقلان كاهله ما يتطلّب منه تركيزاً فائقاً وحشداً أكبر للطاقات والإمكانات بدل تبعثرها بين سوريا وأوكرانيا، وهذا الانسحاب من سوريا اذا ما تمَّ فسيكون من شأنه تعرية نظام بشار الأسد كلياً خصوصاً اذا ما تخلّت إيران في صفقاتها مع الأميركيين وتسوياتها المرتقبة عن الأسد ونظامه، ما سيُجبره على القبول بالقرار الأممي 2254 والسير بالحل السياسي الذي يعني “رحيله” أولاً.

أما إيران من جهتها فلا تزال تتخادمُ مع الولايات المتحدة بينما بوتين لا يتخادم مع الأميركيين، بل يعاديهم ويقفل أبواب الحوار معهم، وبالتالي طالما أن التخادم جارٍ على قدمٍ وساق فلحظة التسويات والصفقات أهم لطهران من أي معارك بائسة أو فاشلة أو محكومة مسبقاً بأسعارها.

مَن هم الذين أطلقوا “داعش” من السجون؟!

 المشهد يزدادُ غرابةً عندما نتذكّر أن الذين أطلقوا “داعش” من السجون هم نوري المالكي وبشار الأسد وحسن نصر الله وقاسم سليماني، وقد أطلقوهم جميعاً من سجني صيدنايا وأبو غريب، كما أن مكتب خامنئي مرتبطٌ بمكتب “داعش” والحرس الثوري.

في هذا السياق، ليس مستغرباً أن يكون هجوم موسكو الأخير من تدبير إيران أو أن تكون وراءه طهران لاسيما وأن رواية السلطات الروسية عن تعاونٍ أوكراني من خلال ممر حدودي لمنفذي الهجوم كان موجوداً لا يقبله عقل أو منطق، فالطاجكستانيون الذين قٌبضَ عليهم لا عِلم لدولتهم بهم، كما أن أوكرانيا التي هي في حالة حرب ولا سيما على حدودها الشرقية لا يمكن أن تكون أرض لجوء لمنفذي هجوم موسكو

هل ينتقم بوتين من شعبه بالمزيد من الديكتاتورية والقمع؟!

داعش إذاً تبدو اليوم أكثر من أي يوم مضى ” كورقة الجوكر ” التي يسحبها فريق دولي أو إقليمي ضد فريق آخر كلما أراد تصفية حساب معه أو إيصال رسائل على درجة عالية من الأهمية، وميزة هذا الكارت أن مَن يملكه كثرٌ في المنطقة وخارج الحدود وهي ورقة قادرة على أن تكون مع فريق وضده في آن، فالشواهد كثيرة ولا مجال للتبحّر فيها الآن، بل يكفي التذكير بتدخّل “داعش” في شمال سوريا وتدخّلها في تفجيرات كابول في أفغانستان، وفي تفجير الصين وغيرها من محطات كانت  تُستخدَمُ فيها “داعش” من قبل قوى إقليمية لإبلاغ الرسائل القوية بالدم والنار والحديد والإرهاب.

وبانتظار جلاء الرؤية يبقى السؤال: هل بإمكان بوتين الانتقام من شعبه بمزيد من الدكتاتورية والقمع والقبضة الحديدية في المرحلة المقبلة؟ الجواب هو بالتأكيد نعم، والمتوقّع معه أن تزداد ضغوط موسكو العسكرية على الجبهة الأوكرانية وتأخذ مناحٍ أكثر خطورةً وتدميراً.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: