زيارة بيلوسي المرتقبة لتايوان… ونذير حرب عالمية ثالثة

62e472464c59b7332a7997f8

تميز الإتصال الذي جرى أمس بين الرئيس الأميركي جو بايدن والزعيم الصيني شي جينغ بينغ بالتوتر الشديد، حيث تبادل الزعيمان التهديدات المبطّنة حول تايوان. ففي حين أبلغ الزعيم الصيني بأن أي تدخّل أميركي في تايوان أو أي حدث داعم لها يُعتبر من قبيل اللعب بالنار، فيما أجابه الرئيس الأميركي بأن واشنطن تعتبر تايوان خطاً أحمرَ لها وهي لا تقبل بأي إعتداء على سيادتها واستقلالها.

هذا التوتر ليس بجديد لكنه يضيف الى الصراع الدولي الدائر حالياً إنطلاقاً من أوكرانيا نقطة صراع جديدة- قديمة سعّره سبب جديد متمثل بعزم نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي على زيارة تايوان في بداية شهر آب المقبل، ما إعتبر من الجانب الصيني تحدياً غير مقبول ردت عليه بيجين بمناورات عسكرية ضخمة في بحر الصين، وواجهته تايوان بمناورات مماثلة شاركت فيها الى جانبها أساطيل الولايات المتحدة في المنطقة.
كان متوقعاً أثناء المكالمة بين الزعيمين أن يبلّغ الرئيس بايدن نظيره الصيني بإلغاء زيارة بيلوسي، كما كان متوقعاً أيضاً بأن يبلّغ الطرف الصيني إلغاء بعض العقوبات التي كانت مفروضة على الصين منذ إدارة الرئيس دونالد ترامب حول التجارة مع الصين، مقابل بعض التنازلات من الصين في ملفات محددة، فيما كان متوقعاً من الزعيم الصيني تحذير نظيره الأميركي من مغبة إتمام زيارة بيلوسي لتايوان.
تلك الزيارة المقررة من زعيمة الأكثرية البرلمانية ورئيسة الكونغرس، ووجه أيضاً بتوتر داخل معسكر الديمقراطيين الذين انقسموا بين رافض للزيارة في هذا التوقيت وبين مؤيد لها.
الإنقسامات بلغت البيت الأبيض حيث علت أصوات تدعو لتأجيل هذه الزيارة كونها محفوفة بالمخاطر على بلوسي نفسها، كما على الوضع الدولي المتوتر والعلاقات الأميركية الصينية المتوترة.
الجمهوريون من جهتهم يشجعون خطوة بيلوسي ربما لإحراج إدارة بايدن وزيادة الشرخ الداخلي بين الديمقراطيين، وربما في رغبة جمهورية بحصول مواجهة مع الصين تلزم إدارة بايدن على مواجهته والخروج من ترددها.
الأسطول السابع الأميركي حرّك بالأمس أول حاملة طائرات نووية ( يو أس أس ريغان ) من سنغافورة باتجاه تايوان التي لا تبعد عن الصين أكثر من ١٤٠ كلم بمساحة ٣٦ ألف كلم٢ مع عدد سكان يبلغ ٢٣ مليوناً.

والمعلوم أن هذه الجزيرة اتخذت وضعها الحالي بنهاية الحرب الأهلية الصينية عام ١٩٤٩ عندما فرّ اليها قادة جمهورية الصين.
المكالمة استمرت ساعتين وربع الساعة تقريباً، وهذه المرة الخامسة التي يتكلم فيها الزعيمان مباشرةً منذ أن أصبح بايدن رئيساً، وهو على معرفة بالزعيم الصيني منذ كان بايدن نائباً للرئيس أوباما، وهي علاقات شخصية جيدة بينهما، لكن وبحسب ما نقلته نيويورك تايمز فإن الصينيين خلال هذه المكالمة شعروا أول مرة بضعف التحذير الأميركي من التدخّل عسكرياً لحماية تايوان، بحيث أن هذا التحذير حتى في لغة جسد بايدن جاء ضعيفاً.
الزعيم الصيني حذّر بايدن من التدخل لصالح تايوان، كما حذّره من أن بيجين لن تقبل باستقلال الجزيرة عنها إنطلاقاً من مبدأ الصين الواحدة.

في المقابل، وبحسب المعلومات من داخل فريق عمل الرئيس بايدن، فقد استشف الفريق المذكور أثناء المكالمة عدم رغبة الزعيم الصيني في حصول مواجهة عسكرية مع واشنطن على حد ما نُقل لكن بشرط أن لا تشعر الصين بأنها مستفَزة.

واشنطن أشارت مساءً الى أن مهمة حاملة الطائرات النووية يو أس أس ريغان هي عملية روتينية بين سنغافورة ومياه تايوان بما يمكن تفسيره أشارة تراجع جاءت غداة المكالمة بين الزعيمين.

إلا أن هذا الوضع لم يرق لنانسي بيلوسي التي، وبعد المكالمة صعّدت من موقفها للتعبير عن تصميمها على زيارة تايوان، فدعت بحسب موقع ( ذي هل ) الأخباري عضوين من الكونغرس، واحد من الديمقراطيين وآخر من الجمهوريين لمرافقتها في زيارة تايوان، ما يُعتبر مؤشراً خطيراً لن يخلو من تداعيات خطيرة، وما يعني أيضاً المناورة أو الإنقسام داخل المعسكر الديمقراطي.

الجمهوريون، بحسب فوكس نيوز، يدعمون بيلوسي في موقفها وقد أبلغوها أنها إن لم تذهب الى تايوان فإن خسارتها في الانتخابات المقبلة حتمية.
هذا التصرّف يُثبت أن مسألة زيارة تايوان ليست مسألة صراع بين جبارين دوليين بقدر ما هي مسألة سياسية أميركية داخلية بامتياز لأن الجمهوريين يملكون من الأوراق على بيلوسي ليس أقلها تذكيرها بهروب الرئيس بايدن من أفغانستان، وبعرضه الهروب على الرئيس الأوكراني فولوديمير دانسكي في بداية الغزو الروسي لبلاده ما يجعل عملية ابتزاز الجمهوريين للديمقراطيين خطيرة بنتائجها على الديمقراطيين الذين يمكنهم خسارة صورتهم ومصداقيتهم تجاه الناخب الأميركي بتصويرهم ضعفاء، وفي تقهقر مستمر قد يغذيه تراجع بيلوسي عن الذهاب لتايوان.

شبكة سي أن أن سرّبت منذ أيام خبراً مفاده أن البيت الأبيض يمارس ضغوطاً على بيلوسي لتتراجع عن قرارها زيارة تايوان لعدم الحاجة لهذه الزيارة بحسب أدارة بايدن، الا أن بيلوسي التي لم تعلن تراجعها، لم تعلن أيضاً الى الآن إصرارها على الذهاب، الأمر الذي يترك الباب مفتوحاً أمام أي تطور.

الأكيد يبقى هو أن البيت الأبيض ضد الزيارة لأسباب عدة ليس أقلها تقديرات أميركية بوجود مشكلات داخلية في الصين،ما قد يشكل التحدي الأميركي بزيارة تايوان متنفساً لبيحين لتحريف الأنظار عما يجري في الداخل، لاسيما وأن الشارع الصيني غاضب من إجراءات كورونا الحكومية الضاغطة عليه بموجب مبدأ “سفر كورونا”، ما ينعكس إجراءات صارمة تُقفل مدناً كاملة عند أقل إصابة بالمرض، كما يُنذر بانفجار محتمل لهذا الشارع الناقم على مثل هذه الاجراءات.
فالصين، وفق تقدير البيت الأبيض جاهزة للتصعيد وإن كان الرئيس الصيني لا يفضل الصدام.
شبكة سي أن أن الأميركية انفردت مؤخراً بتقرير تفيد فيه أن ثمة حالة من التعبئة الشعبية الصينية لمواجهة عسكرية حول زيارة نانسي بيلوسي، وكل الإعلام الصيني مجند ويحشد لمواجهة عسكرية بسبب زيارة بيلوسي.
فالمفارقة تبقى أن لا واشنطن ولا بيجين يسعيان لمواجهة عسكرية، وفي نفس الوقت كلاهما يستعد ويحشد وكأن الحرب واقعة غداً.

فهل تتسبب نانسي بيلوسي بحرب عالمية ثالثة أم أن حزم كينيدي وحكمة خروتشوف خلال أزمة صواريخ كوبا ستُستنسخ مرة جديدة وفي اللحظات الاخيرة لتفادي المحظور؟

مع كتابة هذه السطور الأخيرة، يدخل الكرملين على خط الأزمة، معتبراً أن موقف واشنطن من تايوان مدمر وخطير، فيما البيت الأبيض يرد على تهديدات زعيم كوريا الشمالية باستعداده لحرب مع الأميركيين وحلفائهم في المنطقة أي اليابان وكوريا الجنوبية، بالإشارة الى الإستعداد الأميركي بالرد على أي تحدٍ كوري شمالي نووي أو عسكري.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: