“شحُبَ وجهه”.. “خوف” ترامب من بوتين حقيقة؟

trump

حين “شحُبَ وجه” الرئيس الأميركيّ كان ذلك في شهر آذار سنة 2018. عرض الإعلام الروسي محاكاة لأوّل صاروخ باليستيّ فرط صوتيّ من نوعه وهو يقصف شبه جزيرة مجهولة. لكن الغريب في خريطة الهدف أنها كانت تشبه خريطة فلوريدا، حيث يقع منتجع مارالاغو، مقر إقامة ترامب خصوصاً في عطل نهاية الأسبوع. لاحظ الرئيس الأميركيّ وجه الشّبه فشحبَ وجهه. “كان ترامب مثل (من يقول)، “لماذا فعل ذلك؟ لا يتعين على الدول الحقيقية فعل ذلك‘”.

هذا ما نقلته صحيفة “ذا تلغراف” يوم الأحد عن خبيرة الشؤون الروسيّة في مجلس الأمن القوميّ للبيت الأبيض بين 2017 و2019 فيونا هيل. وأضافت: “هو يحترم بوتين لأنّه قلق فعلاً من خطر تبادل نوويّ”.

لكنّ العالم كلّه قلق من خطر حرب نوويّة، حتى ولو حصلت بين دول أصغر حجماً مثل الهند وباكستان. وماذا لو كان شعوره وهو يشاهد المحاكاة للهجوم الصاروخيّ هو الصدمة لا الخوف، بما أنّه معتاد على عالم الأعمال حيث تكون الخسائر المحتملة ماليّة لا بشريّة؟

من المعركة الكبيرة… إلى “الجنون”

بصرف النظر عن أنّ عبارة “خوف ترامب” قد تكون اختياراً من الصحيفة نفسها أكثر ممّا قد تكون تلخيصاً لفكرة هيل نفسها، يبقى أنّ عدداً من التطوّرات في ولايته الأولى برهن أنّ ترامب لا يخشى بوتين كثيراً. في شباط 2018، وحين كانت قوات الأسد و”فاغنر” الروسيّة تحاول اقتحام بلدة خشام في دير الزور، شنّت القوات الأميركيّة مع قوات سوريا الديموقراطيّة هجوماً مضادّاً أسفر، بحسب ما قاله طبيب روسيّ رفض الكشف عن اسمه عن مقتل وجرح نحو 300 مقاتل روسيّ. قالت روسيا حينها إنها خسرت خمسة مدنيين روس.

وقصف ترامب مرّتين قواعد عسكريّة للأسد بعد استخدامه أسلحة كيميائيّة، بالرغم من أنّ ذلك القصف كان مزعجاً لموسكو بصفتها عرّابة دعم الأسد سياسيّاً وعسكريّاً. وفي ولايته الأولى، فرض ترامب عقوبات على “نورد ستريم 2” الذي كان من المقرر أن ينقل الغاز الروسيّ إلى أوروبا، قبل أن يمنح بايدن المشروع الضوء الأخضر. وكان ترامب أول رئيس يمنح أوكرانيا أسلحة دفاعيّة فتّاكة.

ولم يتأخّر ردّ ترامب كثيراً على ما قالته هيل. بعد أقل من 24 ساعة على نشر المقابلة في الصحيفة البريطانية، وصف الرئيس الأميركيّ بوتين بأنّه “مجنون”. جاء ذلك عقب هجوم روسيّ كبير بالمسيّرات والصواريخ على أوكرانيا تسبب بمقتل 13 أوكرانياً على الأقل. ومع أنّه شدّد على علاقته القديمة والجيّدة مع بوتين، أضاف ترامب: “قلتُ دائماً إنّه يريد أوكرانيا كلّها وليس جزءاً منها فقط، وربما يتّضح أنّ هذا صحيح، لكنّه إن فعل فسيؤدّي ذلك إلى سقوط روسيا”.

إن كان بوتين يريد فعلاً السيطرة على كلّ أوكرانيا بحسب تقدير ترامب، فهذا يستدعي أسئلة عدّة عن قول الرئيس الأميركيّ نفسه إنّ بوتين مستعدّ للسلام. وحين ذكرت “وول ستريت جورنال” الأسبوع الماضي كيف قال ترامب للأوروبّيّين إنّ بوتين غير جاهز للسلام لأنّ الرئيس الروسيّ يعتقد أنّه يربح الحرب، ردّ البيت الأبيض بتوضيح أنّ ترامب يعتقد فعلاً أنّ بوتين يفوز لكنّه مع ذلك يعتقد أيضاً أنّ الرئيس الروسيّ يريد إنهاء الحرب. وهذه واحدة من تناقضات الرؤى للبيت الأبيض تجاه الملفّ.

مع وضع هذا التناقض جانباً، لم يشرح ترامب كيف سيؤدي سقوط كامل أوكرانيا إلى سقوط روسيا. هل بسبب الاستنزاف الكبير أم بسبب تحرك أميركيّ؟ ربما قصد ترامب الاحتمال الأول. بالرّغم من إدانته للهجوم الروسيّ الأخير ووصفه بوتين بـ “المجنون”، لم يذكر ترامب أيّ خطة لتحرّك أميركيّ جادّ في المستقبل. فقط حين سأله مراسل عن التفكير بفرض عقوبات على روسيا، قال إنه يفكّر “قطعاً” بفرضها. لكن بين التفكير بالعقوبات وتنفيذها ثمة مسافة قد لا يُستهان بها.

انسحاب

ما كان لافتاً للنظر أيضاً هو أنّ ترامب لم يستطع إلّا أن يوازن خطابه فألقى باللوم الجزئيّ أيضاً على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: “كل ما يخرج من فمه يتسبّب بالمشاكل”. علاوة على ذلك، وبحسب هيل، كان ترامب نفسه يعتقد في ولايته الأولى بـ “وجوب أن تكون أوكرانيا جزءاً من روسيا”.

وما يؤكّد أكثر أنّ ترامب لا يفكّر في فرض ضغط كبير على روسيا، أقلّه بحسب المؤشّرات الحاليّة، هو تكراره أنّ الحرب الحاليّة هي في نهاية المطاف حرب بوتين وزيلينسكي وسلفه جو بايدن. هذا التوصيف هو تمهيدٌ مرجّح لانسحاب الأميركيّين من الجهود الديبلوماسيّة في حال فشلت.

لكن الانسحاب المحتمل لا يعني بالضرورة أنّ ترامب خائف من بوتين. رغبة ترامب في عدم الاصطدام بالرئيس الروسي تنبع من أسباب متنوّعة، مثل تقدير ترامب لـ “الرجال الأقوياء”، ومن بينهم الرئيس الصيني شي جينبينغ، ولـ “الحكم الأحادي” حيث يفكّر بولاية رئاسيّة ثالثة. وقد يجسد بوتين أيضاً، من منظور الرئيس الأميركي وقاعدته الشعبيّة، حليفاً في مواجهة “اليقظوية” و”النخب العالمية”.

إنّ تذكير ترامب العالم بامتلاك أميركا أقوى جيش على الإطلاق، وتوجيهه أوامر ببناء “القبّة الذهبيّة” بالرّغم من مخاطر الردّ الروسيّ والصينيّ، يرسمان حدوداً للتقدير الذي يكنّه لبوتين، ومن غير المرجّح أن يكون الخوف جزءاً من تلك الحدود أو على الأقل جزءاً بارزاً منها.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: