شمال سوريا أمام مرحلة جديدة لإعادة التوازن الاستراتيجي المفقود

188120

إندلعت منذ أكثر من عشرة أيام والى يومنا هذا اشتباكات ومعارك خطيرة في شمال شرقي سوريا، أي المنطقة المعروفة بالجزيرة بين قَسدَ (قوات سوريا الديمقراطية والتي تحوي الى جانب المكوّن الكردي الغالب مكوّنات عربية منضوية تحت لوائها) والعشائر العربية في المنطقة.
واللافت أن توقيت اندلاع تلك المواجهات وطريقة اندلاعها يطرحان أكثر من علامة استفهام حول مَن وراءها؟ ولماذا وكيف؟ وعن التوقيت المفترض أن تتم فيه عملية عسكرية كبيرة شرق سوريا لشدّ الطوق على النظام في الداخل، بعد انتفاضة السويداء ودرعا وحماه وحلب وسواها من مناطق، ضد بشار الأسد ونظامه المتهاوي.
ما حصل ويحصل غريب وغامض لاسيما وأن الأميركيين هم رعاة قَسدَ، وهم الذين ينسقون مع العشائر العربية لتوحيد الصفوف والجهود استعداداً للمخطط العسكري المرسوم.
خلال أقل من عشرة أيام، ومع بدء النشاط باتجاه الحدود السورية- العراقية، وفي لحظة استدعاء السفيرة الأميركية في العراق قائد الحشد الشعبي لإبلاغه رسالة واشنطن بما على الحشد القيام به، شهدنا تنفيذ الطلب من جانب الحشد بحرفيته أي انسحابه من الحدود ١٥٠ كيلومتراً الى الداخل، وقد تمّ الأمر.
في الجزيرة السورية أي في الشمال الشرقي، من المعلوم أن حزب العمال الكردستاني مُدرَجٌ على لائحة الإرهاب في واشنطن، ما يطرح السؤال حول كيفية تعاون واشنطن مع منظمة مدرَجة على لائحة الإرهاب مثل ال PKK الكردي، علماً أنهم يساريين ومعادين في المبدأ للإمبريالية الأميركية.
الغموض يلف تعاطي واشنطن مع هذا التنظيم، وقد بلغ التعاون حد ائتمان الأميركيين هذا التنظيم على منابع النفط في الجزيرة السورية، وتقويته على الأرض وتسليمه خيرات الشمال الشرقي السوري بكاملها، وكيف أصبح حليفاً وصديقاً للأميركيين.
عندما تغلغلت داعش في الجزيرة السورية، حاولت واشنطن التنسيق بين مغاوير الثورة آنذاك أي جيش سوريا الحرة في التنف، وبين قيادة قَسدَ على أن ينتقل مغاوير الثورة الى الجزيرة السورية. واشنطن عرضت من قبل على مغاوير الصورة الانتقال الى الحسكة لمكافحة داعش، لكنها وضعت المغاوير بأمرة قَسدَ، الأمر الذي رفضه الثوار آنذاك، ما أدى الى بقاء مغاوير الثورة في التنف.
واشنطن سلّمت قَسدَ مهام القضاء على داعش لإزاحة أي دور للجيش السوري الحر ومغاوير الثورة والتحالف، وهي كانت تعلم كيفية وصول داعش الى المنطقة.
قوات قسد، ومنذ ذلك الحين باتت صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في الجزيرة، بدعم أميركي واضح وقوي بقيادة "اناس في قنديل ليسوا ذوي تاريخ ناصع"، وقد بادر هؤلاء الى تعليق صور أوجلان في القامشلي والحسكة، ولكن عادوا وانتزعوها بعدما احتجّ سكان المنطقة على تلك الصور.
قَسدَ اذا كانت سيدة على الجزيرة الى أن وصلت الى مرحلة باتت تطالب بدولة كردية، وبدأت واشنطن تفتح خطوط تواصل مع المجلس العسكري في دير الزور ومع جيش الصناديد في الجزيرة، الى أن وثّقت الصلة وأبلغت قوات قَسدَ في اجتماع العمر ثلاثة أمور من دون تشاور مع الأفرقاء :

  • الأمر الأول: انسحاب قَسدَ من القرى الملاصقة لشاطىء الفرات باتجاه الشمال.
  • الأمر الثاني: عدم اعتبار قَسدَ أساساً لإنشاء دولة كردية في الجزيرة السورية.
  • الأمر الثالث: عدم مشاركة قَسدَ في الحرب على الضفة اليمنى لنهر الفرات ضد ميليشيات إيران.

الخطة ألف والخطة باء اللتان تقضيان بتنظيف العشارة والبوكمال والميادين ليس لقَسدَ دور فيهما كي لا تسجّل الانتصار لها، بل يُعطى الفضل للعشائر بدلاً منها.
حصلَ ما حصلَ من اختطاف قادة من مجلس دير الزور العسكري، واختطاف المدعو أبو خولة أحمد الخبيل مع مجموعة من رفاقه القادة بصورة غادرة بمناسبة حفل غداء كان فخاً لهم، والأرجح وفق المعلومات والمعطيات أن يكون ما حصلَ من خطفهو طعم أميركي إبتلعته قَسدَ، لاسيما وأنه عندما كان ثمة تراخٍ الى حدٍّ ما من طرف العشائر مع بداية انتشار قَسدَ في الجزيرة السورية لم يكن هناك تواصل بين العشائر والأميركيين الى أن تمكنت العشائر والمجلس العسكري والصناديد من الترابط في حلقة واحدة مع الأميركيين.
من هنا العجب أن لا يُسجّل أي تدخّل أميركي الى الآن لوقف ما يجري من اقتتال بين أجنحة تحالفها في الجزيرة السورية وكأن ما وراء الأكمة ما وراءها.
الاقتتال الدائر اذاً في ظل غياب الحسم الأميركي لا يمكن تفسيره بغير وجود توجه لإضعاف قَسدَ وإلحاقها في ما بعد بالحشد الشعبي في مصيرها ليتفضى التحالف في تنفيذ خطة إسقاط النظام السوري نهائياً وفق الخطط المرسومة.

يُذكر أن قَسدَ، ومنذ انطلاقتها عام ٢٠١٥، إستطاعت أن تجمع العديد من المكوّنات السورية في خنادق القتال ضد داعش وهزيمته وتحرير المنطقة منها.
بعد انتهاء تلك العمليات ضد داعش، أنشىء تنظيم داخلي لكل القوى العسكرية تمثّل بتأسيس مجالس عسكرية كمجلس دير الزور العسكري وقد تولّى المدعو أبو خولة قيادة هذا المجلس،
لكن دور هذا الأخير في منطقة دير الزور أخذ يتعاظم وأصبح وجوده عبئاً على أهل المنطقة، الى أن جاء صيف العام الحالي حيث اشتكت العشائر في المنطقة من ممارسات أبو خولة وبعض أفراد من قيادة مجلس دير الزور العسكري، فضلاً عن وجود تعامل وثيق وخطير ما بين مجلس دير الزور العسكري والميليشيات الإيرانية المتواجدة على الضفة الغربية من الفرات،
وقد رفض أبو خولة المعالجات كافةً ما أدى الى اندلاع القتال.
إيران اخترقت اذاً مجلس دير الزور العسكري إجتماعياً وثقافياً ودينياً لتوسيع التشيّع، فضلاً عن عمل إيران العسكري من خلال إيصال السلاح، وقد ثبُت خلال عام كيف أن مسيّرات كانت تصيب قواعد التحالف الدولي، علماً أن سوريا الديمقراطية لا تمتلك مسيّرات، وقد اكتشفت قَسدَ منذ ساعات مخازن سلاح قرب حقل كونكو الغازي في محلة تُدعى العذبة كانت مقراً لأبو خولة، والسلاح كان تابعاً له ما وثّق علاقته بالأطراف الإيرانية.
دمشق من جهتها تدعم إعلامياً تحرّك أبو خولة على أساس تخوين قَسدَ كونها أميركية، واعتبار أبناء المنطقة قد انتفضوا ضد عملاء واشنطن، والمقصود هنا طبعاً قَسدَ.
يبقى أن ثمة عشائر عربية داعمة ومؤيدة لقَسدَ، وبالتالي لا يمكن اعتبار ما يحصل مواجهات بين قَسدَ والقبائل العربية، فيما تجدر الإشارة الى أن مظلومية السنّة من الشيعة في العراق أسست لمنظمات متطرّفة كداعش وغيرها، ما دفع بالأميركيين في سوريا الى إنشاء تشكيلة عُرفت بقَسدَ لجمع المكوّنَين الكردي والعربي، الا أن الأكراد بقوا هم المسيطرين والمؤثرين، ما أوصل الأمور الى الانفجار الحالي، علماً أن الغالبية في قَسدَ هي 70% عربية و30% كردية، ومع ذلك فالأكراد يسيطرون على القرار .
سنّة سوريا، خلافاً لسنّة العراق، وضعوا مصيرهم مع الأميركيين، ولذا فليس مستبعداً أن تحاول واشنطن في سوريا تقوية العشائر السنّية بعد تنازل السنّة السوريين عن مقاومة الوجود الأميركي كما قاوم سنّة العراق هذا الوجود أيام الرئيس صدام حسين.
المسرح السوري اذاً تتشابك عليه مصالح القوى العظمى والإقليمية، فأي إضعاف للنظام في مناطقه سيؤدي الى نقيض الوجود الروسي، ويحدّ من هيمنة إيران ويوسّع مساحات التحرّر على حساب مساحات الاحتلال الإيراني- الروسي.
قواعد التنف جاهزة لاحتضان التحالف الأميركي- السنّي- السوري ومشروع الحزام السنّي السوري في شرق سوريا،
فالتطورات على أشدّها بانتظار كلمة الفصل للمايسترو الأميركي فهل تصدق واشنطن مع حلفائها ؟
الأمر الأكيد يبقى أن واشنطن لن ترتكب في سوريا الخطأ الفادح الذي ارتكبته في العراق بتسليمها العراق لإيران عبر تقوية الشيعة على حساب السنّة، ولذا فإن الورقة السنّية- السورية في يد واشنطن حتى على حساب قَسدَ ولن تقبل بالتفريط بها، فهل نحن عشية قَسدَ عربية منعاً للعودة لمظلومية السنّة من الأكراد كما مظلومية السنّة من الشيعة في العراق سابقاً ؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: