فشل العمليّة الإسرائيليّة في الدوحة يُثير أزمة ديبلوماسيّة وأمنيّة واسعة

NATANYAHU

تحولت العملية الجوية التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي في العاصمة القطرية الدوحة 9 أيلول إلى واحدة من أكبر الفضائح الأمنية والسياسية التي تواجهها إسرائيل منذ سنوات. كانت الغارة تهدف إلى اغتيال قادة بارزين من حركة حماس، لكنها أدت إلى سقوط ضحايا مدنيين، بينهم نجل القيادي خليل الحية، دون تحقيق أي من الأهداف المعلنة.

كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أن العملية جاءت نتيجة عمل استخباراتي طويل نفذته وحدة الاغتيالات السرية "نيللي"، وهي تشكيل مشترك بين جهاز الأمن العام (الشاباك) وجهاز الاستخبارات الخارجية (الموساد)، تأسست بعد هجوم السابع من تشرين الأول. كانت مهمتها الأساسية تعقب قادة حماس داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها وتنفيذ عمليات تصفية دقيقة. إلا أن ما كان يُفترض أن يكون "عملية نوعية" انقلب إلى إخفاق استخباراتي مدوٍ، بعدما تبين أن القادة المستهدفين لم يكونوا في المبنى أثناء الغارة، وأن المعلومات التي بنيت عليها العملية كانت ناقصة أو مضللة.

قدمت القناة 12 الإسرائيلية تفسيرًا إضافيًا، مشيرة إلى أن تحذيرًا وصل في اللحظة الأخيرة دفع القادة إلى مغادرة المكان قبل القصف مباشرة. والأكثر لفتًا للانتباه أن "نيللي" لم ترصد إلغاء اجتماع كان مقررًا في الدوحة بين قادة حماس ومسؤول قطري بارز ضمن جهود الوساطة لإطلاق سراح رهائن ووقف الحرب في غزة، وهو ما كشف ثغرة كبيرة في منظومة الرصد والمتابعة الاستخباراتية.

وأشارت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أصدر تعليمات صريحة للأجهزة الأمنية بوضع قوائم اغتيالات تستهدف قيادات حماس "في أي مكان في العالم"، مضيفة أن أسماء قادة مقيمين في قطر وتركيا كانت مطروحة، لكن تحذيرات ديبلوماسية وأمنية داخل إسرائيل شددت على أن أي هجوم في هاتين الدولتين سيؤدي إلى أزمة ديبلوماسية ويعرقل مفاوضات الرهائن، ما أدى إلى تأجيل العملية مؤقتًا. بعد عامين، نفذت إسرائيل العملية في الدوحة، لكنها تحولت إلى انتكاسة سياسية وأمنية كبيرة.

"غضب الرب" يتكرر

أعاد الفشل الأمني إلى الأذهان عملية "غضب الرب" التي أطلقتها غولدا مائير بعد هجوم ميونيخ 1972، والتي نفذتها وحدة "كيدون" التابعة للموساد. استمرت تلك العمليات لعقدين واستهدفت قيادات فلسطينية في عواصم أوروبية وعربية، لكنها شهدت فضيحة مبكرة في النرويج عام 1973، حين قتل الموساد مواطنًا مغربيًا بالخطأ لكونه يشبه القيادي الفلسطيني حسن سلامة. الفارق اليوم أن خطأ "نيللي" وقع في لحظة مبكرة، وأمام الإعلام العالمي، وفي دولة تقوم بدور الوسيط، ما ضاعف حجم التداعيات.

ردود الفعل الدولية

جاءت ردود الفعل الدولية حادة وسريعة، حيث أصدر مجلس الأمن الدولي بيانًا بالإجماع أدان فيه الغارة على قطر، وهو موقف نادر يضع إسرائيل في عزلة ديبلوماسية متزايدة. وفي الداخل، استغل زعيم المعارضة يائير لابيد الفشل لشن هجوم على حكومة نتنياهو، متهمًا إياها بـ"زعزعة الثقة الدولية بمكانة إسرائيل"، واصفًا الحكومة بأنها "مزيج قاتل من اللامسؤولية والهواة والغطرسة"، وداعيًا إلى تغييرها قبل فوات الأوان.

تحرك عربي وإسلامي

عقد كبار الديبلوماسيين العرب والإسلاميين اجتماعًا في قطر قبل قمة طارئة لمناقشة الهجوم الإسرائيلي. أكد وزراء الخارجية أن أمن قطر جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي والإسلامي، وشددوا على وحدة الصف في مواجهة الاعتداءات. واعتبروا الغارة "خرقًا للقانون الدولي وتصعيدًا يهدد الأمن والاستقرار العربي والإقليمي والدولي".

وأشار المتحدث باسم الخارجية القطرية إلى أن انعقاد القمة يعكس التضامن العربي والإسلامي مع الدوحة، ويؤكد رفض هذه الدول لإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل.

الخسائر الإسرائيلية

يشير محللون إلى أن ما حدث في الدوحة شكّل خسارة مزدوجة لإسرائيل: فقدت فرصة تحقيق إنجاز عسكري أو استخباراتي، وفي الوقت نفسه خسرت رأسمالها السياسي لدى القوى الدولية، بما فيها الولايات المتحدة، التي تواجه صعوبة في تبرير العملية لحلفائها الخليجيين. كما عمّق الفشل الانقسام الداخلي بين مؤسسات الأمن الإسرائيلية، التي تبادلت الاتهامات بشأن المسؤولية عن الثغرة التي كشفت هشاشة جمع المعلومات وتحليلها.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: