قمة كامب ديفيد الثلاثية والتوازنات الدولية الجديدة في المحيط الهادي وبحر الصين

image-288

أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، في ختام قمة كامب ديفيد التي جمعته يوم الجمعة الفائت بكل من  زعيمي كوريا الجنوبية واليابان، أن العالم وصل إلى "نقطة تحوّل".
هذا الكلام يرسم معالم مرحلة دولية جديدة حيث القرار الأميركي متخذ بالتشدّد في الإمساك بالنظام الدولي مجدّداً ومواجهة التحديات التي تفرضها الحرب في أوكرانيا والتوتر المتصاعد في بحر الصين وصولاً الى ارتفاع حدة التشابك الدولي في القارة الأفريقية.
تلك المعالم التي يطغى عليها طابع المواجهة الدولية وإعادة رسم خريطة التحالفات الدولية والمحاور المتصارعة خصوصاً مع تنامي الكراهية والعداء بين روسيا والغرب وبين كوريا الشمالية والغرب والصين والأميركيين رغم وجود أكثر من ضابط يمنع الى الآن المواجهة الأميركية الصينية المباشرة، ليس أقلها الضابط الاقتصادي الداخلي في الولايات المتحدة الأميركية مع استمرار الصين في تملّك قسم كبير من ديون أميركا، الأمر الذي يقف حائلاً كبيراً دون ذهاب الصين خلف خطوط حمر تؤدي الى ضرب الدولار وإسقاطه ما ينعكس سلباً على ديون أميركا لبكين. الزعماء الثلاثة أعلنوا في ختام قمّتهم في كامب ديفيد رفع اعتماد بلدانهم على التعاون الأمني لمواجهة الأزمات في المنطقة، مؤكدين أن الأزمات العالمية ناجمة عن الحرب التي تشنّها روسيا على أوكرانيا وأنشطة كوريا الشمالية والصين.
الرئيس الأميركي بايدن إعتبر أن العالم بلغ نقطة تحوّل، الأمر الذي يفرض اعتماد سبل جديدة من التعاون، مشدّداً على التعويل على التعاون الأمني من خلال تشارك  المعلومات وبمستوى غير مسبوق من التدريبات المشتركة، كما أعلن الاستمرار في  مواجهة تهديدات كوريا الشمالية بما في ذلك تبييض الأموال الالكترونية أو ما يُعرف "بالعملة المشفّرة"، معلناً إقامة  خط ساخن لتشارك المعلومات وتنسيق الاستجابة للأزمات في منطقة المحيط الهادئ، مشدداً على العمل على تعزيز أمن وسلامة التكنولوجيات الجديدة بما في ذلك الذكاء الاصطناعي .
 الرئيس الكوري الجنوبي، يون سوك يول، من جهته أكد  أن بلاده تود التعاون مع الولايات المتحدة واليابان من أجل تعزيز "التعاون ،الثلاثي في مجالات وقطاعات مختلفة" مشيراً الى الخطر المتأتي من جارته الشمالية، معلناً "عن الاتفاق على وضع قناة تواصل لتنسيق ردنا على أي أزمة تطرأ في المنطقة" وهو لم يتوانَ عن اتهام كوريا الشمالية بالعمل  على انتهاك حقوق الإنسان واستغلال العمال لتطوير برامجها التسليحية، مبدياً استعداده لمواجهة  كل محاولة لتغيير الوضع القائم في المنطقة بالقوة.

رئيس وزراء اليابان، فوميو كيشيدا، من جهته أكد على أهمية القمة الثلاثية وهي الأولى من نوعها في التاريخ بحسب كلامه، مؤكداً  أن النظام العالمي يشهد اهتزازاً بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا وبسبب أنشطة الصين وكوريا الشمالية.
البيان الثلاثي الختامي لقمة كامب ديفيد كشف عن تعهد الدول الثلاث بالتشاور فيما بينها للتنسيق بشأن الرد على التحديات والاستفزازات والتهديدات التي تمس مصالحها وأمنها الجماعي في المنطقة، وجاء في البيان أن الشراكة الثلاثية بين واشنطن وطوكيو وسيول تعزز الأمن والازدهار لشعوب الدول الثلاث وللمنطقة والعالم مع التعهد الثلاثي بنزع سلاح كوريا الشمالية بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن وحثّ بيونغ يانغ على التخلي عن برنامج صواريخها الباليستية .
 
انطلاقاً من الوقائع أعلاه، من الواضح أن ثمة 3 استخلاصات يجب التوقّف عندها :
 

  • أولا : دخول العالم وبخاصة منطقة شمال المحيط الهادي وبحر الصين حقبة جديدة من الصراع الدولي المفتوح والتجاذبات المتصاعدة عسكرياً وسياسياً واستراتيجياً، علماً أن مسألة تايوان لا تزال من المنظار الأميركي تقوم على نهج عدم استفزاز الصينيين الى حد إلزامهم مرغمين على إبراز أنيابهم العسكرية حتى الساعة.
     
  • ثانياً : إن العالم بدأت تُرتسم معسكراته ومحاوره الجديدة من أقصى الشرق الى أوروبا وصولاً الى أفريقيا .
     
  • ثالثاً : واشنطن الديمقراطية قررت خوض التحديات الأكثر خطورة عشية الانتخابات الرئاسية لانتزاع أوراق كبيرة تساعد على عودة الديمقراطيين الى السلطة من خلال نهج الإنجازات الكبرى والصفقات المتتالية بهدف قطع الطريق أمام الجمهوريين إن وصلوا الى البيت الأبيض العام 2024، وتحديداً الرئيس السابق دونالد ترامب إن حاولوا معاكسة ما يكون قد أنجز على مساحة مناطق الصراع .
    ويُذكر أن العلاقات بين كوريا الجنوبية واليابان لم تكن تاريخياً طيبة، وقد ذكّر الرئيس جو بايدن بالاستعمار الياباني لكوريا الجنوبية، غامزاً من قناة الصين التي لطالما اعتمدت سياسات استعمار مناطق تعتبرها جزءاً منها كتايوان وسابقاً هونغ كونغ وسواها، مثنياً على شجاعة الزعيمين السياسية  التي أظهراها عبر العمل على هذا التقارب، رغم الماضي المؤلم الذي تمثل في استعمار اليابان لكوريا الجنوبية .
    يُذكر أنه في وقت سابق قال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جايك ساليفان إن "هذه القمة ستشهد اتفاق بايدن ويول وكيشيدا على خطة لسنوات عدة لإجراء تدريبات عسكرية منتظمة في جميع المجالات، تمضي أبعد من تدريبات لمرة واحدة رداً على كوريا الشمالية، وإعلانهم عن "التزام للتشاور" في حال نشوب أزمات وحرص ساليفان على التأكيد ا على القول إن هذا التعاون الثلاثي المعزّز ليس بمثابة "حلف أطلسي في المحيط الهادئ" للتخفيف من القلق الذي أحدثه وقع هذه القمة على الصين وكوريا الشمالية، ومن هنا كان تشديد ساليفان على أن قمة الجمعة ليست موجهة "ضد أي طرف"، وذلك بعدما انتقدت بكين المبادرة بشدة.
    سيتفق القادة على تشارك المعطيات بشكل آني بشأن كوريا الشمالية وعقد اجتماعات قمة كل عام، بحسب مسؤولين وسيقيمون أيضا قناة تواصل طارئ على أعلى مستوى، في ما يشبه "خطاً أحمر" ثلاثياً في منطقة تعيش على وقع الخطر النووي الكوري الشمالي وتخشى غزواً صينياً لتايوان.

 الصين من جهتها لم تخفِ موقفها المعادي لهذا الحوار الثلاثي، بحسب تعبير فرانس برس وقد حضّ وزير الخارجية الصيني وانغ يي، طوكيو وسيول على العمل مع بكين "لإنعاش شرق آسيا، معتبراً في في فيديو نشرته وسائل إعلام رسمية: "مهما صبغتم شعركم بالأشقر أو جعلتم شكل الأنف رفيعاً لن تصبحوا أوروبيين أو أميركيين، لا يمكنكم أن تصبحوا غربيين أبداً " مضيفاً بأنه ينبغي أن نعرف أين هي جذورنا".
الصين قلقة من قرار أميركي بقلب النظام في كوريا الشمالية وإنهاء ترسانتها الصاروخية النووية .

يبقى أن نشير الى أن  التقارب بين كوريا الجنوبية واليابان لا يحظى بإجماع الرأي العام لدى البلدين، لكن واشنطن تراهن على إنجاز التعاون والتحالف العسكري معهما باعتبار وحدة المصالح الاستراتيجية والأعداء، ومن هنا ظهر ارتياح الرئيس الأميركي جو بايدن عندما شكر ضيفيه مثنياً بامتنان على أنهما كانا على الموعد .
ويبقى التحدي بالنسبة إلى واشنطن أن يستمر هذا التعاون الثلاثي بمعزل عن تبدّل القادة، فالرئيس الكوري الجنوبي مثلاً ينهي ولايته، في عام 2027، ولا يمكنه الترشح لولاية جديدة كما أن أي رئيس جمهوري في البيت الأبيض قد لا يركّز كثيراً على مثل هذا التعاون التحالفي مع اليابان كوريا الجنوبية .
أمر لا يمكن إنكاره ولا تجاهله : هذه القمة كانت تاريخية بكل ما للكلمات من معاني للمحيطين الهندي والهادي .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: