بعدما “صدّعَ” نظام الملالي في إيران أذاننا على امتداد عقدين بقدراته العسكرية والصاروخية على تدمير إسرائيل وإنهاء وجودها في دقائق، وبعدما جيّشت إيران ميليشياتها العميلة في المنطقة العربية من غزة الى العراق، مروراً بلبنان وسوريا واليمن، وأطاحت بأنظمة عربية واحتلت دولها، وكل هذا بإسم القدس وفلسطين، وعاثت في المنطقة فساداً وانهيارات اقتصادية وسياسية حيث حلّت وحكمت بحجة “مقاومة وممانعة” … ها أن ساعة الحقيقة قد دقّت في غزة … فأين إيران وترسانتها البالستية ؟
وأين حزب الله والمئة ألف مقاتل والمئة وخمسون ألف صاروخ؟
وأين الحشد الشعبي في العراق ؟
وأين بشار الأسد، زعيم محور مقاومة إسرائيل؟ أين هم كلهم ؟
وعلى مَن يضحك هؤلاء القوم ؟ على مَن ضحكوا ؟!
إيران والحرب الصوَرية والعبثية في المنطقة
ما تقوم به إيران من عبثٍ في المنطقة، وما تستثمره من حربها ” الصوَرية ” مع إسرائيل موضوع واضح لخدمة المشروع الإسرائيلي، كما خدمة مشروعها هي من خلال نشر التشيّع وضرب النسيج العربي وزعزعة المجتمعات العربية وإسقاط أنظمتها.
إيران أبلغت المملكة العربية السعودية، وهي التي حرّكت خلال الساعات الماضية سفينة حربية قبالة السواحل الإريترية وأطلقت صواريخ ومسيّرات باتجاه إسرائيل سقطت في منطقة طابا المصرية، فيما
الحوثيون اعترفوا بأنهم هم مَن أطلق الصواريخ بناءً على الأوامر الإيرانية، تماماً كما حصل عندما أطلقت إيران الصواريخ عبر منشآت أرامكو .
مسرحيات هزلية ورسائل إقليمية
رسالة طهران للرياض واضحة : إلتزام مستمر بالتهدئة معها لكنها لا تستطيع ذلك تجاه جمهورها بحيث يجب عليها أن تفعل شيئاً وتمثّل حول موضوع حرب غزة بمسرحياتها الهزلية الرخيصة.
الرياض من جهتها، بمواقفها وشغلها واهتماماتها، باتت تنطلق من فكرة ثابتة مجرّبة قوامها أن إيران ليست دولة ولن تكون يوماً دولة عادية، لا بل هي ستستمر في عربدتها وكذبها ولا أمل يُرتجى منها، فهي إيران الثورة والفوضى والميليشيات والعبثية.
إيران تريد أن تكون شريكة في الأرباح لا في الخسائر، ولو من أجل الأقصى، ولذلك هي تنشط من خلال ميليشياتها للاستثمار في الدماء والحروب والتخريب حتى آخر عنصر من ميليشياتها كي لا نقول حتى آخر عربي “فارسي” ” (نسبة الى بلاد الفرس أي إيران).
المملكة ومبادرات “الحنكة” السياسية الحكيمة في التعامل مع إيران
الرياض مارست باحتراف “حنكة” سياسيةً حكيمةً حتى مع واشنطن الديمقراطية التي دعمت المجموعات المسلّحة وأخذتنا في سياق تقوية الميليشيات المسلّحة ومهادنة إيران، فقامت الرياض بقطع الطريق أمام واشنطن وربط نزاعها مع طهران عبر وساطة بكين وإعادة العلاقات الديبلوماسية مع النظام الإيراني، واستقبلت وفد الحوثيين وأوقفت أعمال التحالف العربي وسواها من مبادرات قامت بها القيادة السعودية،
لكن كل هذه الحكمة والصبر لدى قيادة المملكة يمكن أن تذهب أدراج الرياح بلحظة واحدة وبكل بساطة، فيما اذا فكّر الحوثي أو راعيه الإيراني العودة الى العبث وتصاعد التحرّشات ضد الرياض فلا يساورّن أحد الشك بأن المملكة العربية السعودية قادرة عندها على محو الحوثيين عن بكرة أبيهم، خصوصاً وأن الظروف الدولية الحالية في ضوء الحرب في غزة تغيّرت عما كانت عليه، بمعنى أن واشنطن لم يعد يهمها حماية الحوثيين، إذ ثمة ضوء أخضر أميركي كبير مُعطى للرياض خلاف ما كانت عليه الحال من قبل أي قبل اندلاع حرب غزة.
معادلة سحق الخصم بأقل كلفة ممكنة
من هنا، يمكن القول إنه على الصعيد الخليجي- الإيراني فإن الوضع مشدود، وكل طرف وبخاصة السعودي يراقب ويتابع الإيراني في كل تحرّكاته وتحرّكات ميليشياته خصوصاً الحوثيين، والوضع المتفجّر في المنطقة حالياً أكبر اختبار للإيراني والحوثي بموازاة مواكبة تطورات الحرب الدائرة، فإما أن نصل الى صفقة سلام كبرى أو الى حرب كبرى، وعندها تسقط كل الخطوط الحمر وغير الحمر المرسومة بديبلوماسية رباطة الجأش والبحث عن حلول لتصبح المعادلة سحق الخصم بأقل كلفة ممكنة.
الرياض اعترضت منذ أيام الصواريخ التي أطلقها الحوثي باتجاه إسرائيل وغيّرت وجهتها لتسقط في طابا المصرية، لا لشيء سوى إفهام الحوثي ومن ورائه الإيراني أن الرياض بالمرصاد لأي تمادٍ أو تهديد لأمن المملكة القومي، وقد كان مرسوماً للصواريخ أن تعبر فوق الأراضي السعودية.
محور إيران اذاً مكشوف وقد تعرّى على حقيقته في حرب غزة، وإيران حالياً تسعى لحفظ “ماء وجه” محور المقاومة والإعداد لصفقات مع الغرب، وقد تمت الصفقة الأساسية على حساب حماس وغزة بانتظار قبض ثمن حزب الله في لبنان .
المنطقة على أبواب انقلابٍ دراماتيكي
غزة تحترق … والقضية الفلسطينية تتهاوى وإيران تشتري وتبيع بإسم فلسطين عابثةً بجرائمها عبث تاجر الدماء، في الوقت الذي يقصف فيه الأميركي مواقعها في سوريا بموجب اتفاق وتناغم لرفع العتب الدولي والإقليمي عنها،
فكم من جرائم إيرانية ستُرتكب بعد اليوم بإسم فلسطين، وقد باتت المنطقة على أبواب انقلاب دراماتيكي في الأوضاع والخرائط يطيح بكل المسلّمات المصلحية والاستراتيجية ؟