بعد اندلاع حرب أوكرانيا تبدلت أجندة البيت الأبيض تجاه السعودية لمحاصرة النفط الروسي ومعاقبته بحيث لم يبقَ أمام واشنطن الا النفط الخليجي والسعودي تحديداً.ومنذ تلك الفترة الى اليوم، يلجأ الأميركيون والغرب الى السعوديين والخليج لطلب ضخ المزيد من النفط لكن دول الخليج رفضت ذلك واتخذت من الحرب الأوكرانية موقف الحياد.رفض ولي العهد الرد على اتصالات بايدن تَرجَم في فترة ما عمق التوتر بين البلدين، كما ما سُرّب من تفاصيل حول لقاء مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان .الوقت يداهم الأميركيين والغرب مع تحقيق الرئيس فلاديمير بوتين تقدماً على أرض المعركة في أوكرانيا حيث تكاد إحدى مقاطعتي الدونباس أن تسقط بيد جيش الكرملين بعد سقوط ماريوبول، ما يزيد الروس قدرة على الضغط على الغرب ويزيد من الإلحاح العربي على طرق باب الخليج والمملكة على رأسه لإيجاد البدائل .كل هذا في ظل تصاعد سعر برميل البترول الذي وصل الى ١٢٠ $ للبرميل الواحد ما يهدد اقتصاديات العالم الصناعي ومنها الولايات المتحدة وأوروبا بركود إقتصادي خانق، ويزيد من كلفة استهلاك النفط ومشتقاته في الغرب ولا سيما أوروبا، ما يهدد حكومات هذه الدول بخسارة مواقعها وانتخاباتها في هذه الفترة بالذات من السنة ويؤثر بالتالي على وحدة مواقف تلك الحكومات من روسيا، مروراً بما يمكن أن تتسبب به أزمة أسعار النفط من خسارة الديمقراطيين في الولايات المتحدة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في شهر تشرين الثاني المقبل، ويقضي على فعالية حكم الرئيس بايدن الذي يصبح مقيداً بأكثرية مناوئة للديمقراطيين وخط البيت الأبيض داخل الكونغرس “كالبطة العرجاء”.من هنا، يأتي التفكير الأميركي بزيارة بايدن للرياض، ما أشعل ردود فعل أميركية ضاغطة حول ما تعتبره تراجع بايدن عن وعوده الانتخابية بنبذ المملكة ومعاقبة ولي العهد السعودي حول ملف الخاشقجي. العلاقة بين واشنطن والرياض عادت الى الوراء منذ أيام تحت تأثير التيار المناهض للمملكة داخل البيت الديمقراطي.والمعلوم أن الولايات المتحدة بحاجة لانضمام المملكة ودول الخليج الى التحالف ضد الرئيس فلاديمير بوتين وضخ كميات إضافية من النفط، وهي تسعى لإبطاء أو وقف العلاقة الآخذة بالنمو والتطور بين المملكة وكل من الصين وروسيا وصولاً الى فتح باب السلام مع إسرائيل وحل ملف مقتل الصحافي المعارض جمال الخاشقجي .الرياض تعتبر نفسها غير معنية بالتطبيع مع إسرائيل الى الآن مع أن ولي العهد السعودي في مقابلته الأخيرة لمجلة ذي اتلانتيك كان قد اعتبر أن إسرائيل ليست عدواً بل حليفاً محتملاً بعد حل لمشكلة فلسطين، كما أنها غير معنية بالبحث في ملف الخاشقجي الذي أُقفل من جهتها ولا بحث فيه بعد اليوم سعودياً، كما أنها ليست في وارد تعديل أُحادي لقرارات إنتاج النفط العائد التقرير فيها لأوبيك وأوبيك بلاس ( بعضوية روسيا ) ولا في وارد تجميد أو وقف أو إبطاء التعاون مع كل من الصين وروسيا. الرياض تسعى لانتزاع تعهدات أميركية بضمان أمن المنطقة من خلال اتفاقيات أمنية رسمية وملزِمة لواشنطن تماماً كما تعهد حماية الدول الأعضاء في الأطلسي بموجب البند ٥ من ميثاق الأطلسي، والإلتزام بالمساهمة في وقف التهديد الحوثي لليمن ودول المنطقة.واشنطن تخشى توسع التعاون السعودي- الصيني الى النواحي العسكرية والاستراتيجية وعدم الاكتفاء بالاقتصاد والتجارة والاستثمارات، وقد تحدثت وسائل إعلام أميركية عن تطوير برنامج صواريخ باليستية سعودية بدعم صيني.وواشنطن في نفس الوقت لا تستطيع العودة الى المنطقة من بوابة تورطها في مواجهة إيران وهي التي قررت الانسحاب من المنطقة وتقليص تواجدها العسكري.هكذا يتضح مدى التعقيدات التي يعانيها تحسن العلاقات الأميركية – السعودية والصعوبات التي تواجه عودة الدفء لتلك العلاقات في ظل استمرار التباعد بين نظرتين مختلفتين لا تلتقيان في أي من بنودها.ويبدو أن الارتباك الأميركي في المواقف من المملكة المتأرجحة بين الإيجابية والبرودة والسخونة والتناقض في المواقف والتصاريح سيتسمر الى حين إيجاد الرئيس بايدن وفريقه الديمقراطي صيغة وسطية لا تغضب الرياض كما هي الحال الآن، ولا تنعكس على مصداقية وعود بايدن الانتخابية تجاه ناخبيه،الأمر الذي لا يبدو سهلاً ومتاحاً الى الآن.
