من بين أهم النتائج التي حقّقتها زيارة الزعيم الصيني تشي جينبينغ الى المملكة العربية السعودية ولقاءات القمة الصينية- السعودية والصينية- الخليجية والصينية- العربية، إسقاطها لبروباغندا محور الممانعة والمقاومة الإيراني الذي أتحفنا منذ فترة طويلة بنظرية التوجّه شرقاً، وقد صدحت حناجرهم من حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية الى بغداد مناديةً ومطّبلة بضرورة التوجّه شرقاً والتعامل مع الصين وروسيا والهند ومحور بريكس، والتخلّي عن الأميركيين والغرب الإمبريالي والإستعماري والصليبي … الى ما هنالك من مصطلحات بالية ومتقادمة زمنياً ومكانياً.
ففي البيان الصيني- الخليجي المشترك، تأكيد على التعاون المشترك لضمان سلمية برنامج إيران النووي وتأكيد مشترك على دعوة إيران للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبذل الجهود المشتركة للدفاع عن مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول، فيما الصين جدّدت معارضتها لأي تدخّل في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية، وهي ترفض أية هجمات تستهدف المدنيين والأراضي السعودية.
البيان المشترك أكد ضرورة احترام إيران لمبادىء حسن الجوار إضافة لدعوتها الى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
هذا البيان التاريخي بحد ذاته، والذي يُعتبر بمثابة قنبلة سياسية من العيار الثقيل إنفجرت في وجه إيران من بلد لطالما اعتبره محور إيران الممانع في المنطقة صديقاً وحليفاً له، فاذا به يتّفق مع الرياض على عكس ما كان يحلم به هذا المحور وبخاصة في ملفات :
- التدخّل في الشؤون الداخلية للسعودية وتهديد أمنها وسلامة أراضيها (حيث حزمت الصين أمرها بالوقوف ضد أي تدخّل من إيران).
- التدخّل في شؤون الدول (حيث حزمت الصين موقفها من رفض التدخّل الإيراني في الدول العربية والاستيلاء على بعض العواصم العربية من لبنان الى العراق مروراً بسوريا واليمن)
- التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (وهو أبرز سبب لتوقّف مفاوضات منصة فيينا مؤخراً).
- ضرورة احترام إيران لمبادىء حسن الجوار (وهذه الدعوة نقيض سياسة إيران القائمة على الاعتداء على الجوار والإمعان في تهديد أمنه وسلامة شعوبه).
أرادوا التوجّه شرقاً فإذا بالشرق يضع لهم حدوداً وخطوطاً حمر من قبل أقوى دولة في المحور الشرقي ألا وهي الصين، بعكس سياساتهم ونهجهم المدمّر الهدّام في المنطقة.
طهران تلقّت صفعة مدوية من بيجين في الرياض، ومعها تلقّى كل المحور وميليشياته من لبنان الى العراق صفعة استراتيجية وسياسية مزلزِلة.
الصين في البيان المشترك مع الخليجيين تبنّت بوضوح لا لبس فيه القراءة العربية والخليجية لأدوار ايران في المنطقة،
وطهران لم تسكت على هذا البيان المناهض كلياً لنهجها وسياساتها، فما إن صدر البيان الصيني- السعودي المشترك حتى ردّ النظام الإيراني باتهام البيان بأنه تدخّل في شؤون إيران الداخلية وبرامجها التكنولوجية والدفاعية ومفاوضات رفع الحظر، وقد اعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية البيان تكرار "للأيانوفوبيا" الفاشلة كما قال بيانها، وقد استدعت طهران السفير الصيني لديها احتجاجاً على البيان الصيني- الخليجي المشترك، فيما أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لنائب رئيس الوزراء الصيني أهمية العلاقات الإيرانية- الصينية في محاولة منه لإغواء السلطات في بيجين من خلال تذكيرهم بالدور الهام لتلك العلاقات وارتداداتها الإيجابية على البلدين، معتبراً أن بعض المواقف الصينية الأخيرة تسبّبت، على حد قول رئيسي، بانزعاج الشعب الإيراني وحكومته …
وانطلاقاً من تداعيات البيان الصيني- الخليجي المشترك و ردود الفعل الإيرانية الغاضبة منه، بات من الواضح أن ثمة فريق ربح رهان الشرق وآخر خسره، والرابح هو الفريق الذي أثبت برؤيته وإمكاناته واقتصاده أنه قادر على أن يكون الشريك الطبيعي للصين، وقادر على إقناع الصين برؤيته الجيو سياسية والاستراتيجية من قضايا المنطقة وعلى رأسها الملف الإيراني بتشعباته وتداعياته الإقليمية والدولية كافة،
فدخول الصين الى الشرق الأوسط لتعزيز علاقاتها بهذه المنطقة يتم عبر الأقوياء فيها وليس عبر الضعفاء، فالأقوياء هم الخليجيون والعرب وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، فيما الضعيف الأول هو إيران.
صحيح أن إيران دولة إقليمية كبيرة ولها مصالحها في المنطقة وتخوض اشتباكاً سياسياً إقليمياً ودولياً مع الاميركيين والبريطانيين وسواهم، ومن الطبيعي أن تشعر بالمنافسة والقلق عندما تجد أنها تخسر استقطاب الصين الى جانبها، لكن الصحيح أيضاً أن الصين ليست أميركا العسكرية وليست هذا الشريك الذي تهمّه أولويات أجندة إيران ونظام طهران في المنطقة، ولذا وجدنا بين التقارب الصيني- السعودي والاستنفار الإيراني ضد هذا التقارب حصول أمر ليس بالصدفة، إذ أعلنت الحكومة الأفغانية مقتل ثلاثة مهاجمين وإصابة إثنين من الرعايا الأجانب في هجوم على مجمّع سكني للصينيين وسط العاصمة كابول من خلال تفجير إنتحاري استهدف المجمّع، لتتبنّى داعش الهجوم وتعلن مسؤوليتها عنه.
تزامن هذه العملية الإنتحارية في كابول ضد مجمّع سكني صيني، مع البيان الصيني- الخليجي المشترك وردود الفعل الإيرانية الرافضة له والغاضبة منه، يثبت مرة جديدة التخادم لا بل التبعية التي تحكم العلاقات بين الجماعات الإسلامية المتطرفة، سواء السنّية أو الشيعية والنظام في طهران راعيهم جميعاً.
المصالح الصينية لم تكن يوماً مستهدفةً بأية أعمال إرهابية الى أن صدر البيان الصيني- الخليجي المشترك الذي أغضب طهران، فكان الهجوم الإنتحاري في كابول في وقت دأب فيه النظام الإيراني وأبواقه الميليشياوية من حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية الى بغداد باستمرار على اتهام المملكة العربية السعودية بدعم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، فإذا بعملية كابول تفضح حقيقة مَن يرعى ويدعم هذا الإرهاب بمجرد أن غضب النظام في طهران من الصينيين لاصطفافهم الى جانب الرؤية الخليجية السعودية لأزمات المنطقة.
هذا النهج الإرهابي الإيراني عندما يحشر النظام في طهران كل مرة بات من مسلّمات المعادلة الإيرانية في المنطقة التي لا يمكن دحضها مهما حاول أتباع المحور الإيراني التبرير والنفي ورمي الآخرين باتهامات فارغة وكاذبة.
وللتذكير، وعلى سبيل المثال، فإن تفجير مقام ديني في شيراز الإيرانية في عز التظاهرات الشعبية الإيرانية المناهضة للنظام وإلصاق تهمة التفجير بمندسّين بين المتظاهرين لاختلاق مسبب لقمع واضطهاد الشعب الثائر عن حق ضد طغيان وظلم وجور نظام الملالي …
فكلما شعر النظام الإيراني بالحشر والحرج، تتم بسحر ساحر وبصدف مريبة، عمليات تفجير تتبناها داعش ومنظمات إرهابية أخرى.
طهران اذاً ومن خلال تفجير كابول أرادت إيصال رسالة مزورة ومبتورة للصينين ليست تهديداً لبيجين بل محاولةً لإيهام الصينين بأن اتفاقهم مع الخليجيين إنما هو اتفاق مع رعاة الإرهاب السنّي، وبالتالي فإن مصلحة الصينيين هي مع إيران وليس مع تلك الأنظمة الإرهابية بالمنظار الإيراني والداعمة للإرهاب كما لا تنفك فصائل محور ايران وطهران نفسها عن ترداده منذ أشهر، وهذه التركيبة الدعائية الفاشلة والساقطة دعمتها إيران مع الإيغوريين الصوفيين الذين تمكنت طهران من تشييعهم لإبراز استعدادها أمام الصينيين لإزالة الخطر السنّي المتطرّف عن كاهلهم، في سياق حملة التشيع الخبيثة التي تخوضها في المنطقة.
فماذا بقي بعد كل هذا من كلام أو أوهام أو مزايدات من فريق الممانعة ومحور إيران حول موضوع التوجّه شرقاً ؟
ها هو الشرق أتى من البوابة التي لم يتوقعونها وفي الاتجاه الذي يناقض آمالهم ودعاياتهم الفارغة،
وقد أثبتت الصين أن دخولها الى المنطقة العربية من بوابة الخليج وتحديداً البوابة السعودية هو الدخول الأنجح والأنجع، لأن بيجين تريد شراكات ضخمة في مجالات التجارة والاقتصاد والاستثمارات والمال والسياسة مع دول قوية متينة قادرة ومتطورة ذات رؤى تنموية للمستقبل وليس دولاً فاشلةً كاذبةً وغوغائيةً تدمّر المنطقة وأية إمكانيات لنهوضها خلافاً لمصالح المارد الصيني الذي يجاريه.