ماذا سيقول العرب للرئيس بايدن ؟

t_781b5f6be479478da387d82b30ece504_name_5d7bdfbc_2393_11eb_9c4a_0dc6242c4814_scaled

كثر الكلام في الآونة الأخيرة حول قيام ناتو عربي او إقليمي – ساهم الحديث المتلفز الأخير للملك الأردني عبدالله الثاني في وضعه في التداول الإعلامي والسياسي الإقليمي والدولي .
 
في المبدأ أي تحالف من أي نوع كان بين الدول مرحب به سواء كانت أهدافه سياسية عسكرية اقتصادية تنموية وسواها – فكلما تحالفت الشعوب تغلبت مجتمعة على مشاكلها وطورت إمكاناتها وطاقاتها الجماعية وارست تعاونا دوليا إيجابيا في كافة المجالات – خاصة في عصرنا الحالي الذي توجه اكثر فاكثر نحو التكتلات العملاقة المؤثرة مباشرة على حياة البشرية اليومية ومستقبلها وتوازنات العالم المعاصر .
 
ففكرة التحالفات الدولية او الإقليمية فكرة سديدة – خاصة متى جاءت هذه التحالفات لتلبية مصالح الدول المعنية وحدود امنها الإقليمي والقومي والسيادي .
 
غداة الحرب العالمية الثانية وفي خضم الحرب البادرة بين المعسكرين الشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي آنذاك والمعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى مع حلف شمال الأطلسي – دعمت كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا – ما سمي بحلف بغداد الذي انعقد في العام 1955 بين العراق وتركيا بداية لتنضم اليه من ثم باكستان وايران .
 
هذا الحلف وضع نصب أهدافه مواجهة التمدد الشيوعي في المنطقة – لكنه فشل في إيقافه خاصة في سوريا والعراق نفسه واليمن الجنوبي ليصل الى مصر والسودان آنذاك .
 
فشل الحلف أيضا في دعم باكستان اثر اندلاع الحرب الهندية الباكستانية .
 
فبحسب معلومات من مصادر خليجية مطلعة –  ليس المهم انشاء احلاف بقدر ما المهم ان تكون تلك الاحلاف مجدية للدول المنضوية تحتها – اذ ثبت تاريخيا ان الاحلاف كانت تخدم الدول العظمى على حساب الدول المتوسطة والصغيرة الحليفة – وفي امثلتنا كانت تخدم على الدوام مصالح الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وبعض دول الغرب بينما الدول الإقليمية المنضوية تحت لواء التحالف لم يكن يأتيها منها الا اليسير اليسير من المكتسبات فضلا عن تحولها هي نفسها لساحات صراعات وحروب .
 
اما بالنسبة الى الخليج و المنطقة العربية –  لننطلق من مبدا ان أي تحالف إقليمي عربي – عربي او عربي – غير عربي – لا يمكن ان يتم بمعزل عن دولة محورية هي المملكة العربية السعودية .
 
فالمملكة بيضة القبان في تكوين أي تحالف دعم الشرعية  وقد اثبت التحالف العربي في اليمن والتحالف الخليجي ( درع الخليج ) الدور السعودي التأسيسي والقيادي المحوري في بناء أي تحالف إقليمي .
 
معايير انضمام السعودية او تأسيسها لتحالفات محددة – تختصر في قدرة هذه التحالفات في تأمين مصالح دول التحالف وفي طليعتها مصالحها وفي ان تلبي اهداف قومية ووطنية للدول المتحالفة .
 
ان التحالفات التي تبنى من الاميركيين غالبا ما تكون لادارة أزمات اما يصنعونها هم واما تكون موجودة ويتحكمون بها لتولي ادارتها – كما يقول وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر – دون حلها في كافة الأحوال .
 
للملاحظة – ان السياسة الأميركية في المنطقة بدأت تخرج عن مساراتها التقليدية منذ 11 أيلول 2001 وحتى الحرب الروسية – الأوكرانية الحالية  .
 
دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية فضلا عن مصر اتخذت من تلك الحرب موقفا محايدا ومتوازنا – وحافظت على علاقاتها المتنامية اقتصاديا واستثماريا مع الصين والروس في نفس وقت رفضها التصرف الروسي في أوكرانيا – ما حدا بالولايات المتحدة الى التيقن من خطورة انسحاب الدول الإقليمية الحليفة في الخليج والعالم العربي الى الحضن الشرقي – فقررت واشنطن إعادة بناء التحالف مع الدول الخليجية ومصر لتوظيف التحالف الجديد في خدمة مصالحها في الحرب الروسية الأوكرانية او في احسن الأحوال لبناء حزام على غرار تجربتها عام 1979 – يمتد من تركمنستان الشرقية مرورا بالايغور وطالبان فالعراق فسوريا فالاردن لمحاصرة النفوذين الروسي والصيني ومنعهما من التوغل في المنطقة المشار اليها والمشمولة بهذا الحزام ولو لم يكن هذا الحلف منسجما مع نفسه داخليا – فالاميركيين لا يهمهم الانسجام بين مكونات حلفائهم بل المهم بالنسبة لهم التركيز على مواجهة العدو المقابل ( الصين والروس ) .
 
لطالما سعت واشنطن تاريخيا –  الى ارغام العرب بالتحالف معها في مواجهة فزاعات تارة فزاعة الشيوعية والالحاد الغازي أيام الحرب الباردة – وتارة الليبرالية المتغولة – وطورا ايران والنووي الخاص بها … والغاية الأساسية من العمل الأميركي الحالي على خلق التحالف الإقليمي الجديد ادعاء السلاح النووي الإيراني – الذي وان كانت تخشاه واشنطن لكونه يشكل خطرا مباشرا على إسرائيل – الا انه تخشى اكثر اتخاذ هذا السلاح مبررا لتسلح عربي وخاصة سعودي وخليجي نووي لا تقبل به لا واشنطن ولا تل ابيب .
 
واشنطن تبتغي من أي تحالف إقليمي – ان يكون درعا يتلقى الضربات واللكمات في أي صراع ينشأ بحيث تتركز الحروب والمواجهات في المنطقة العربية والدول المتحالفة تكون ستارا لها ولاسرائيل – تماما كما هو حاصل حاليا في كل من العراق ولبنان وسوريا وان بدرجات متفاوتة – وهو الامر الذي تريد واشنطن ان يتكرر مع قيام التحالف الإقليمي
في المعلومات – ان الرد الخليجي ولا سيما السعودي على طرح تحالف إقليمي – يتمحور حول النقاط الثلاث التالية :
 
أولا : تمسك الخليج ومصر بعلاقات متوازنة بين الشرق والغرب .
 
ثانيا : ثمة تحالف خليجي عربي قائم بقيادة المملكة العربية السعودية –  لدعم الشرعية في اليمن لم تدعمه الولايات المتحدة ولا الناتو ولا دول الغرب – وكان بالإمكان لو تم دعمه ان يكون ركيزة أساسية لبناء تحالف إقليمي أوسع – لكن الاميركيين والبريطانيين والأوروبيين لطالما حاولوا افشال هذا التحالف بدل دعمه .
 
ثالثا : ان أي تحالف برعاية أميركية يجب ان يراعي وبموازاة المصالح الأميركية المصالح العربية والخليجية – فالدول العربية المعنية بهذا التحالف لن تقبل بعد اليوم ان تكون تابعة للاميركيين بلا قيد او شرط او ان ينظر الى تلك الدول على انها قاصرة او يتيمة بحاجة لمن يرعاهم .
 
على واشنطن ان تستوعب ان العرب المعتدلين الممثلين بدول الخليج وعلى رأسهم المملكة العربية السعودي ومصر لم يعودوا قاصرين كما في السابق – والأميركيين في توجههم اليهم يجب ان يدركوا انهم باتوا يتكلمون مع دول سيدة في قراراتها تضع مصالح دولها وشعوبها في أولويات أي تحالف او تعاون – خاصة وان أنظمة تلك الدول بعد الذي عصف بالعالم العربي منذ العام 2011 تعلموا دروسا كثيرة جعلتهم يميزون تماما العدو الحقيقي من الصديق الحقيقي – فلن يعد بالإمكان تطويعهم كما في السابق – وبخاصة من الولايات المتحدة وبخاصة من الديمقراطيين الذين كانت لهم اليد الطولى في محاولة اسقاط تلك الأنظمة اثناء ما سمي الربيع العربي .
 
اليوم لسان حال العقل العربي والخليجي تحديدا يقول ان العرب ليسوا ضد فكرة التحالف والائتلاف مع اية دول – ولكن بناء على معطيات وضمانات تعطى لهم تضمن صلابة التحالف وخاصة مدى خدمته شعوب المنطقة ومصالح دولها .
 
دول الخليج ومصر وعلى راسهم المملكة العربية السعودية يريدون من الاميركيين :
 
ضمان فعلا ان يقوم هذا التحالف بضرب الميليشيات الإيرانية في المنطقة ان في لبنان او العراق او اليمن او سوريا …
 
 كما انهم يريدون ضمان من الاميركيين بعدم استحصال ايران على السلاح النووي …
 
 ويريدون من الاميركيين ضمان إيجاد تسوية للقضية الفلسطينية على قاعدة القرارات الدولية وحل الدوليتن والقدس الشرقية …
 
ويريدون من الاميركيين ضمانات باعطاء العرب التكنولوجيا و السلاح على غرار ما تفعله الصين وروسيا معهم – دون مماطلة او تسويف بحجج دستورية كضرورة نيل موافقة الكونغرس على الصفقات وسواها من مناورات ضاق منها ذرعا العرب ( ثمة قناعة انتشرت في أروقة القرار العربي وخاصة الخليجي ان التعاطي مع الدول الكبرى ذات السلطة الأحادية والدكتاتورية اسهل وافضل واسرع من التعاطي مع دول ديمقراطية يستوجب القرار فيها لسلسلة من الإجراءات والموافقات والتصديقات ما يعيق مصالح دول المنطقة ويؤخرها ) .
 
بكل صراحة نقولها – ان الدول العربية وبخاصة الخليجية ومصر لم تعد تثق بهذا الحليف الأميركي الذي وفي اكثر من مناسبة مفصلية تخلى عنهم لا بل انقلب عليهم وحاربهم وتآمر عليهم .
 
فالرياض لم تنسى كيف سحبت واشنطن بطاريات الدفاع الصاروخي من المملكة إيذانا للحوثيين والإيرانيين بقصف أراضي ومنشأت المملكة – وكيف لم تتحرك واشنطن لحماية منشآت أرامكو عندما تعرضت للاستهداف …الى ما هنالك من تراكمات في الاحداث أدت الى تكون قناعة بالحذر الشديد وعدم الثقة بالحليف الأميركي .
 
اسئلة كثيرة ومواضيع وشروط عديدة ستبحث في خلال زيارة الرئيس الأميركي الى المملكة العربية السعودية – وسيفاجأ ربما الرئيس بايدن – بقوة النضج العربي لدى أنظمة تلك الدول التي  خرجت منتصرة من ربيع عربي انقلب خريفا على امن واستقرار المنطقة فسيلتقيها وهي تحاصره  بشروط ومطالب – قد تشكل تحدي كبير له في مواجهتها والاستجابة لها .
 
اهم ما سيعلمه الرئيس بايدن من زيارته : ان ايران لم تعد فزاعة الخليج ولا العرب وهذا لوحده كاف لتغيير كافة قواعد اللعبة .
 
ساعة المحاسبة لبناء علاقات مستقبلية واضحة المعالم دنت … والمنطقة العربية لن تحارب ايران بالنيابة عن الاميركيين والغرب …

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: