ما بعد قمة جدة وتحديات استدارة روسيا

802D11DC-90AB-43CC-8D97-10E6C94810E8

أما وقد دخلت المنطقة في مرحلة جديدة ما بعد قمة جدّة التاريخية، الا أنه ما دون هذه المرحلة عقبات وصعوبات ينبغي أخذها بالحسبان في عملية تشريح للتطورات التي ستطفو على سطح الأرض مع تقدّم الأيام وتصاعد المواجهة الدولية والإقليمية على وقع حرب أوكرانيا وتداعياتها وإفرازاتها الإقليمية.لا نبالغ إن قلنا إن قمة جدّة أنهت حقبة الضياع والفوضى الإقليمية التي تسببت بها السياسات الدولية والإقليمية منذ العام ٢٠١١، وكانت سمة تلك المرحلة التحالفات بين الميليشيات المسيطِرة برعاية المحور الإيراني الإقليمي من القاعدة الى داعش الى الحوثي الى حزب الله وحماس والحشد الشعبي وخليط الميليشيات في سوريا، وصولاً الى الميليشيا الكردية ( بي كي كي )، وكان كلام سليماني الشهير المختصر لتلك الحقبة عن أن “مَن يريد الهجوم على إيران سوف يواجه ستة جيوش قبل الوصول اليها، بالإضافة الى جيش بشار الاسد.أول تحدٍ تواجهه مرحلة ما بعد قمة جدّة هو كيفية سحب العراق من محور إيران الإقليمي، خاصة مع الإستدارة الروسية التي باتت داعمة لإيران في مواجهة محور الغرب في المنطقة وعلى رأسه الولايات المتحدة الاميركية.منذ يومين، قصفت تركيا منطقة في شمال العراق (قضاء زاخو ) في محافظة داهوك مما تسبب في سقوط قتلى وجرحى مدنيين من بينهم أطفال، الا أن الخارجية التركية نفت ضلوعها في هذا القصف ومع ذلك شكلت هذه الحادثة فرصة لأيران التي استغلت توحّد العراقيين، سنّة وشيعة وأكراد، ضد تركيا في تنديدهم ورفضهم هذا العمل العدواني لإظهار أن بإمكانها تجييش العراقيين بما يخدم استمرار بسط نفوذها على العراق خلافاً لقرار قمة جدّة.تركيا في وضع متشابك شديد التعقيد، فالرئيس رجب طيب اردوغان الذي طالب الأميركيين بالأمس بالانسحاب من شرقي الفرات للدلالة على قدرة ما في تحكّم تركيا بقرارها ضرب شمال سوريا وقوات قسد الكردية، يواجه في أستانا محوراً روسياً إيرانياً رافضاً للعملية العسكرية التي ينوي تنفيذها في سوريا، وقد أضيف الى الرافضين إسرائيل وأميركا من زاوية عدم الرغبة في إضعاف الأكراد.ففي مواجهة قمة جدّة ثمة محور أستانا ومحور روسيا- إيران- الصين ومحور إيران الإقليمي مع ميليشياتها.الرئيس الروسي الذي يريد تفعيل كل المنصات المحورية في المنطقة لمحاربة الأميركيين والغرب إصطف حالياً الى جانب إيران وتقويتها، ما ينعكس على الموقف الروسي من إيران في سوريا، والذي كان لفترة يميل نحو السلبية والرغبة في إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا، فاذا به الآن وباستدارته نحو إيران يريد إعادة تفعيل محوري أستانا و التحالف الإيراني- الصيني- الروسي، وربما يذهب الى مساندة محور إيران نفسه مع ميليشياته في مرحلة متقدمة.لكن اللافت مما رشح من القمة الثلاثية التركية- الروسية- الإيرانية الأخيرة في طهران أن روسيا وإيران وقفتا ضد تركيا التي يعتبرونها في معسكر الناتو المعادي لروسيا بحيث بات أمام تركيا خطان أحمران من الصعب على أنقرة تجاوزهما : خط أحمر شمال سوريا وخط أحمر شمال العراق،وبالتالي بات بشار الأسد في وضع أكثر حماية من روسيا و إيران ضد تركيا في شمال سوريا، ما يصعّب أي أفق تسوية سياسية في سوريا يخرجها من المحور الإيراني- الروسي الذي تهدف اليه قمة جدّة أو الستة+٣. روسيا أكثر من قبل باتت تريد استخدام الورقة الإيرانية، والتي أصبحت أكثر من ضرورية وملحّة لها في سياق المواجهة الدولية والإقليمية مع الغرب، لدرجة أن تعود إيران رأس حربة في سوريا، فيما موسكو تذهب أكثر في محاولتها حتى إبعاد تركيا عن الناتو وعلاقاتها مع إسرائيل ودول الخليج والعرب لجذبها الى محورها الشرقي من خلال تسهيل مبادرات أنقرة الإقليمية، كمثل التعاون الإيجابي مع المسعى الأممي في إبرام “اتفاقية القمح” بين اوكرانيا وروسيا والتي وقّعت أمس في تركيا.في المقابل، تخسر تركيا، بتقليب العراقيين شمال العراق ضدها من إيران على خلفية قصف زاخو، الغاز العراقي الذي كانت تنوي استبدال الغاز الإيراني به بفعل قطع علاقة أنقرة مع إربيل، ما يعود بالفائدة على إيران ويصعّب على الستة + ٣ العرب سحب العراق من إيران، لا بل سيصبح النفود الإيراني على العراق أكثر تشدداً، وبالتالي لا نتوقع قبل انتخابات تركيا في ٢٠٢٣ وانتخابات أميركا النصفية عام ٢٠٢٤ حصول أي تقدّم أو تطور على خط بلورة تغيير جذري في العراق وسوريا، ما يعني بقاء الصراع مفتوحاً على كل الإحتمالات لتحسين شروط التفاوض على الأرض. كل هذا الكلام لا ينفي تغيّر المعادلة وانقلابها في الشرق الأوسط بعد قمة جدّة، ولا ينفي عودة أميركا الى المنطقة ولا تشكّل قوة عربية سياسية واستراتيجية قوية خارجة عن الإصطفافات الدولية بصيغة ستة +٣ ( الخليج + مصر والأردن والعراق ) لكن التغييرات ستكون في مواجهة صعوبات بدأت تتبلور مع تداعيات قمة طهران وهجوم زاخو، ما سيدفع الستة +٣ الى مزيد من الانتظار والترقّب الى حين نضوج ظروف الانتقال الى تنفيذ مضمون بيان جدّة، خاصة وأن روسيا دخلت على الخط بقوة في المنطقة في سياق المواجهة مع الغرب، ما يعزز محور أستانا ومحور الصين- روسيا- إيران، ويبقي العراق متورطاً مع تلك المحاور وربما يزيده انغماساً في الحضن الإيراني الى حين.تحديات كثيرة تواجه مرحلة الانقلاب الكبير في المشهد الإقليمي بعد قمة جدّة، فيما يبقى الجزء الأكبر من مفتاح تسريع الحلول في يد واشنطن.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: