حصل بالأمس هجوم بمسيّرات على الكلية الحربية في حمص أثناء تخريج دفعة من ضباط في جيش نظام الأسد.
ماذا تخفي حادثة التفجير في حمص من أخبار؟
الحادثة في ظاهرها تحمل على توجيه أصابع الاتهام لأعداء النظام من الداخل والخارج، وهذا ما سارع النظام عبر إعلامه وأبواقه الى التداول به ذاهبين حدّ اتهام ثوار السويداء بالتنسيق مع قاعدة التنف العسكرية في إرسال المسيّرات.
الى هنا تبدو الحادثة مفسَّرة ومبرَّرة، لكن ما قد يغفله أي مستمع لتلك الأخبار والتأويلات والتفسيرات الصادرة عن نظام الأسد هو أن تلك الحادثة تخفي أسراراً أكبر وأعظم لمَن يريد معرفة الحقيقة وراء حادثة قصف الكلية الحربية في حمص.
عاصفة عسكرية مرتقبة من شمال سوريا الى جنوبها
للتوضيح دعونا نضع أمامنا المعطيات الآتية :
- أولاً : سبق لنا في أكثر من مقال حول سوريا والوضع فيها أن قلنا إن البلاد مقبلة على عاصفة عسكرية تبدأ شمالاً ولا تنتهي جنوباً في ظل وجود خمسة لاعبين خارجيين في الملف السوري : الأميركي – التركي – الإيراني – الروسي – الإسرائيلي، أما النظام فلم يعد سوى منفذ لأجندة إيران وقليلاً روسيا. الكل طبعاً يعلم أن الدور الروسي في سوريا تراجع كثيراً عن ذي قبل مع انهماك الرئيس فلاديمير بوتين في حربه الكونية على الغرب والأميركيين انطلاقاً من أوكرانيا ووصولاً الى أدغال أفريقيا.
لكل دولة من الدول أعلاه مصلحتها ومخططاتها لصون تلك المصالح كل وفق الأجندة الخاصة به.
ففي وقت كانت الأنظار متجهة نحو السويداء وثروتها، ونحو شمال شرق سوريا وشرقها وما يعد من مخططات لإقفال معبر التنف – البوكمال في وجه إيران، اذا بالتخطيط الإيراني المكيافيلي يحرف الأنظار عن ما يحصل في السويداء ودرعا والساحل وداخل دمشق وضواحيها، فتنفذ إيران من خلال تنظيم كردي محسوب عليها انفجاراً في اسطنبول منذ أيام.
أنقرة التي تكافح على الدوام مَن تعتبرهم منظمات إرهابية كردية اتخذت القرار بمهاجمة معاقل الأكراد شمال سوريا انتقاماً.
هنا تيقّن الإيراني مع نظام الأسد أن أي ردة فعل تركية ستورّط أنقرة في صراع جديد ومفتوح مع الإرهاب، وبالتالي تصرف بذلك الأنظار عن العجز الذي يعانيه النظام اقتصادياً وسياسياً خصوصاً بعد عودة الأسد وزوجته من زيارة استجمام في الصين حيث، ورغم الاستقبالات والورود وتعلم اللغة الصينية، عاد الأسد الى قصره بخفي حنين.
تدخّل أميركي لإعادة تنظيم العلاقة الكردية- العربية
واستباقاً لأي حسم ضد الأسد، قرّرت طهران صرف الأنظار وتأخير وعرقلة أي هجوم على نظام دمشق بعد إفلاسه التام، وكان أول الغيث في الاستثمار الفاشل في الصراع بين قسد وبعض العشائر العربية شرقي الفرات حيث لعبت طهران والنظام على العصبية العربية ضد الأكراد لكن، وإن حصل الاشتباك المسلّح إلا أن الأميركي تدخّل لإعادة تنظيم العلاقات بين المكوّن الكردي في قسد والمكوّن العربي وتم الأمر.
إيران والخطة ” ب” لإشعال الجبهة التركية- الكردية
أمام نجاح إنهاء الصراع حول دير الزور بين قسد وبعض العشائر التي تبيّن اختراق جزء منها من قبل الأسد والإيرانيين، إنتقل الإيراني مع الأسد الى الخطة “ب” مفادها إشعال الجبهة التركية – الكردية خصوصاً وأن إيران تريد توريط تركيا في الصراع السوري تمهيداً لقطع الطريق أمامها وابتزاز الأميركي شمال شرقي سوريا.
- ثانياً : بالعودة الى الهجوم على كلية حمص الحربية فإن اللافت كان مغادرة وزير الدفاع السوري ومحافظ حمص حفل تخريج الضباط قبل الهجوم بالطائرات المسيّرة على الكلية، واللافت أيضاً كان
بيان الجيش السوري الفوري بعد الانفجار في اتهامه منظمات إرهابية مسلّحة مدعومة من أطراف دولية من دون أي تحقيق أو انتظار بعض الوقت ما يترك مجالاً للشك بأن العملية مدبّرة.
جيش النظام توعّد بالردّ الصارم والحازم، وفعلاً ما إن صدر البيان أو حتى قبل صدوره، لوحظ تعرّض حلب لقصف سوري- إيراني مدمّر .
رواية النظام السوري ليست صحيحة لأن الإرهابيين كمنا يصفهم النظام ليصلوا الى مقربة من الكلية الحربية يمرون بالساحل وإدلب وأرياف حلب بمسافة تتراوح بين ١١٠ الى ١٩٠ كيلومتراً بحيث من المستحيل لفصائل معارِضة للنظام أو لجبهة النصرة في إدلب امتلاك مسيّرات أو طائرات قادرة على تجاوز كل هذه المسافة للوصول الى الكلية، ناهيك عن أن أي طائرة أو مسيّرة تعبر من الساحل الى حمص أو من إدلب الى حمص أو من أرياف حلب الى حمص عليها عبور عشرات مناطق النظام والوجود الروسي حيث الدفاعات الجوية ومحطات الدفاع الجوي ووسائطها، سواء كانت تابعة للنظام أو الروس، فكيف اذاً بإمكان كل هذه الأجسام الطائرة أن تقطع كل هذه المسافات من دون كشفها واستهدافها .
يُضاف الى كل ذلك أن التدابير والإجراءات التي تُتخذ في المناسبات والاحتفالات الرسمية والعسكرية دائماً ما تصحبها تدابير رفع وسائط الدفاع الجوي لتكون مستعدة لأي هجوم، وتكون هناك طائرات حماية خصوصاً بوجود شخصيات سياسية أو عسكرية من الصف الأول كوزير الدفاع ورئيس الأركان ومحافظ حمص.
يُضاف الى ذلك ولمَن يعرف خريطة سوريا ومواقعها الحساسة بأنه يوجد على بعد مسافة ٢٠ كيلومتراً من مجمع الكليات العسكرية مطار حمص حيث يتم تدريب عناصر النظام على الطائرات المسيّرة المصنّعة إيرانياً. - ثالثاً : لمثل هذه العملية أكثر من هدف سياسي ليس أقله التغطية من جهة على عجز النظام عن النهوض بالوضع الاقتصادي والمعيشي المنهار في مناطقه، ومن جهة أخرى التأكيد على استمرار حرب النظام الوهمية ضد الإرهاب كما قال بشار الأسد في حديثه الإعلامي على هامش زيارته بكين، بما لا يجعل أي صوت في البيئة الحاضنة له أعلى من صوت محاربة الإرهاب، علماً أن معارك النظام مع الفصائل توقفت منذ العام ٢٠٢٠.
يُضاف الى ذلك التغطية على فشل زيارة الأسد للصين مؤخراً وعودته بلا أموال، والأهم من كل ذلك إيجاد الذرائع الكافية لشنّ حملة تطهير مذهبي طائفي سنّي في مناطق الشمال السوري خدمةً لمصالح إيران التي تفتعل تلك المجازر، والتغطية أيضاً على عجز النظام في مواجهة ثورة جبل العرب التي أضعفته، والتي حرّكت الثورة في دمشق ومناطق حلب وحمص.
نظام مجرم وحليف فائق ” الوحشية”
طهران تُفهِم العرب أن لا مجال للتجاوب مع الطلبات العربية والتطبيع ولا خلق البيئة الآمنة لعودة النازحين ولا مجال للتجاوب مع طلب إطلاق سراح المعتقلين إذ إن الحاجة الوحيدة هي الأموال بحجة محاربة الإرهاب.
ففي عام ٢٠١٢، فجّر النظام خلية الأزمة وحصل ما حصل بعد ذلك من حرب أهلية ضروس ومدمّرة وانفلاش إرهابي خطير لسوريا ومحيطها فهل يتكرر التاريخ ؟
نحن أمام نظام مجرم وحليف إيراني فائق الوحشية، إذ يكفي أن نذكر أن ٨٠ % من الذين قتلوا في الكلية الحربية من الطائفة العلوية، الأمر الذي يجعل الأسد لا يتوانى حتى عن قصف القرداحة إن اضطرته مصلحته أو مصلحة إيران لإخماد النقمة الناشئة في بيئته، ولسدّ العصب العلوي مجدّداً بحجة تهديدها الوجودي .
الأكيد أن ما حصل في كلية حمص الحربية من تدبير إيران والنظام لإصابة أكثر من هدف وملاقاة هجوم الأتراك على الأكراد شمال سوريا انتقاماً لتفجير اسطنبول، بما يعني ترتيب مناطق نفوذ إيراني شمال سوريا قد لا يخلو من مواجهة بالواسطة أو مباشرة، الأمر الذي لا تزال طهران تتجنّبه الى الآن .
ذريعة مدبّرة لقصف مدن وبلدات في شمال سوريا
الأيام والأسابيع المقبلة في سوريا حافلة بالتطورات والتقلبات الخطيرة وما قصف النظام بحجة الانتقام من استهداف الكلية الحربية في حمص الا ذريعة مدبّرة لقصف أكثر من ٤٢ مدينة وبلدة شمال سوريا بما فيها أرياف إدلب التي لا علاقة بما يحصل، لا لشيء الا لعودة الحرب والدمار الذي يضمن للأسد والإيرانيين بقاءهم ولو فوق المزيد من الدمار والجثث والحريق لأنه المخرج الوحيد للهروب الى الأمام خصوصاً على بعد أيام معدودة من انعقاد أول جلسة لمحكمة لاهاي الدولية للنظر في جرائم النظام السوري وتجهيزه حجة مكافحة الإرهاب واستمرار الحرب على الإرهاب لمحاولة التنصّل من المسؤولية الدولية التي تشدّ على عنقه.