هل بدأت استدارة واشنطن الديمقراطية ضد إيران ؟

thumbs_b_c_c6f16ea51998ab40c93029e1aa43d02b

في معلومات شبه مؤكدة من أكثر من مصدر غربي خلال الأيام القليلة الماضية، حُكي أن الاجتماع الأخير لمجلس الأمن القومي الأميركي برئاسة الرئيس جو بايدن كان عاصفاً في موضوع الموقف الواجب اعتماده من المملكة العربية السعودية وتحديداً من ولي العهد محمد بن سلمان، حيث انقسم المجتمعون بين فريق يدعو الى الانفتاح نهائياً على ولي العهد، وفريق آخر يدعو للاستمرار قدر الإمكان في الضغط عليه على خلفية تهمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
وفي المعلومات نفسها، فإن المناقشات أفضت الى وجود توجه طاغّ للانفتاح على ولي العهد السعودي والتعامل معه مباشرةً لضرورات الأمن القومي الأميركي والمصالح الأميركية في المنطقة والخليج.
من هنا يمكن توقّع صدور طلب أميركي في وقت قريب للقاء ولي العهد والاجتماع به للبحث في آفاق التحالف الاستراتيجي والعسكري في المنطقة، لاسيما تجاه إيران، مصدر التهديد الإقليمي الأساسي، والبحث في مستقبل الشراكة الأميركية- الخليجية وتحديداً السعودية بعد الانفتاح السعودي على الصين ودول الشرق لرسم حدود الشراكات والتحالفات مجدداً، انطلاقاً من معادلة واضحة قالها بن سلمان للرئيس بايدن في الصيف الماضي في جدّة بأن المملكة العربية السعودية تغيّرت عما كانت عليه تقليدياً مع الأميركي الحليف والشريك.

هذه المعلومات أتت متقاطعة مع سلسلة من المواقف والتصريحات الأميركية التصعيدية والنوعية ضد إيران وميليشياتها في المنطقة، كان آخرها قرار البنك الفدرالي الأميركي منذ أيام معدودة بإيقاف التحويلات المزورة اعتباراً من الشهر الحالي من العام 2022 الى العراق، وبخاصة 14 مصرفاً عراقياً مشتبه بها أميركياً بأنها تموّل إيران وميليشياتها في المنطقة.
هذه الخطوة الأميركية الخطيرة والفريدة من نوعها منذ العام 2003، عام احتلال واشنطن للعراق، تعني في ما تعنيه ضربة قاسمة لميزانيات ميليشيات إيران والبنوك العراقية المتعاملة والمموّلة لأنشطة تلك الميليشيات في المنطقة من العراق الى لبنان.
والمعلوم أن نظام التحويلات المالية التي أُرسيت قواعده منذ العام 2003 في العراق كانت تفرض تحويل مداخيل العراق الى البنك الفدرالي الأميركي ليعاد تمويل العراق بناء لطلبه، وبالتالي كانت تلك الأموال تُستخدم عبر حوالي 14 بنكاً عراقياً لتمويل الأنشطة الإيرانية والميليشيات التابعة لها، وقد فتح الفدرالي تحقيقاً في ملفات تلك البنوك تمهيداً لإدراجها على القائمة السوداء بعد اكتشاف تهريب أموال من خلال تلك البنوك بطرق غير مشروعة بعد أقل من شهر من تولّي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مقاليد الحكم في العراق.
وللملاحظة يمكن القول إن هذا النموذج المالي هو الذي سمح للدينار العراقي طوال سنوات وحتى أيامنا هذه من الصمود الى حد كبير أمام الأزمات الاقتصادية والمالية والمعيشية العراقية والتي لولاها لما انهار الدينار الى مستويات التومان الإيراني الحالي.
هذه الخطوة غير المسبوقة من الفدرالي الأميركي تقطع التمويل عن إيران ونظام بشار الأسد وحزب الله في لبنان وعن الحوثي في اليمن، أي ببساطة تقطع الدولار عن إيران ووكلائها الإقليميين بضربة قوية قاطعة للأرزاق بعدما قطعت أعناق سليماني والمهندس سابقاً.

الخطوة الفدرالية الأميركية هذه هبطت على رؤوس الميليشيات الإيرانية كما رأس النظام في طهران هبوط صاعقة ماحقة، بحيث تُعتبر أقوى من مقتل سليماني والمهندس في مفاعيلها المدمّرة والمزعزِعة لقوة إيران وميليشياتها في المنطقة، والتي اعتاشت على تمويل عمليات التهريب وتجارة الكبتاغون وتمويل داعش والقاعدة وعملياتها وتمويل تسلّحها …

هذه الخطوة الأميركية تعكس توجهاً أميركياً جديداً في سياسة البيت الأبيض الديمقراطي تجاه إيران بالتزامن مع توقف مفاوضات النووي ومنصة فيينا للخمسة + 1 وإعلان واشنطن والغرب عدم إمكانية العودة للتفاوض مع طهران في هذه المرحلة من تشابك أوراق المنطقة واختلاطها بسبب الحرب في أوكرانيا وتداعياتها الإقليمية والدولية الاستراتيجية على مجمل الحسابات الجيو سياسية، فواشنطن يبدو أنها أيقنت أخيراً أن النهج الذي سارت عليه منذ دخول الرئيس بايدن البيت الأبيض تجاه إيران لم يعد ذات فعالية وآنتاجية، لاسيما بعدما انتهجت طهران نهج التحدي والاصطفاف الى جانب موسكو في حربها ضد أوكرانيا والغرب، وتورطها فيها من خلال تزويد الرئيس فلاديمير بوتين مسيّرات فتاكة اتهمت كييف طهران بمنحها للروس لقتل الشعب الأوكراني وتدمير البنى التحتية في أوكرانيا.

قطع الدولار عن إيران وسوريا وميليشيات إيران يُنذر ببداية استدارة أميركية ديمقراطية صارمة تجاه إيران ودورها الإقليمي وبخاصة تجاه ميليشيات إيران ووكلائها الذين على ما يبدو دقت ساعة انتهاء دورهم.

خطوة البنك الفدرالي تضرب في الصميم الحرس الثوري الإيراني الذي يتولّى إدارة ميزانيات النظام الإيراني وتوزيع إيراداتها على وكلاء ايران الإقليميين، وبالتالي ضرب الحرس الثوري في عصبه المالي سيؤدي لا محالة الى إضعافه، وبإضعاف الحرس الثوري الذي يشكل العمود الفقري لقوة نظم الملالي ينكشف ظهر هذا النظام ويزيد وهنه ما سيسرّع من وتيرة سقوطه عاجلاً أم آجلاً.

توقف الفدرالي الأميركي عن تزويد العراق بالعملات الصعبة يعني فصل الدينار عن الدولار، أي بعبارة سياسية أوضح فصل إيران وميليشياتها عن نظام الدولار الذي كان يموّل أنشطتهم وسياساتهم في المنطقة، والخطر الكبير الآن هو مصير الميليشيات.

وفي المعلومات أن البنك الفدرالي الأميركي بدأ إجراءات تدقيق في المعاملات الخارجية ما أخّر الإفراج عن الأموال من الولايات المتحدة لتغطية الاحتياجات العراقية الأخرى، فكل دولار يعود للعراق من واردات بيع النفط الخام يذهب الى حساب في البنك الفدرالي الأميركي ليقوم العراق بناءً عليها بسحب رواتب الموظفين ووارداتها من هذا الحساب.
إيرادات النفط تشكل 95% من الميزانية الفدرالية، ويتولّى الفدرالي تزويد العراق بالأموال بناءً على طلب الحكومة العراقية نقداُ أو بالمعاملات المالية، فيذهب القسم الكبير من تلك الأموال لمنظومة إيران وميليشياتها الإقليمية.

روسيا في وضع ضعيف مع حليفتها إيران ولا تستطيع المساعدة كما لا تستطيع حماية حليفها التابع بشار الأسد لانشغال الرئيس بوتين بحربه الأوكرانية ومواجهته الغرب، وبالتالي تمزّق المحور الصيني- الروسي- الإيراني على قدم وساق، وقد سبق وحلّلنا الانفكاك الصيني عن كل من روسيا في أوكرانيا وإيران في المنطقة ولا سيما دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

ولعل أحدث علامات ضعف التأثير الروسي في هذه المرحلة الانتكاسة الأمنية مجدداً بين أرمينيا وأزربيدجان، كما وتصاعد التوترات بين أفغانستان وباكستان بنفس الوقت الذي تعاني فيه إيران في الداخل من انتفاضة شعبية لا تنتهي وتُنهك يوماً بعد يوم صلابة النظام ومنظومة حكم الملالي.

ويبقى السؤال : هل الاستدارة الأميركية تذهب الى حد الضغط على النظام الإيراني للتسريع في سقوطه أم أن واشنطن عازمة على استخدام القوة الى حد معين منعاً لغرق المنطقة في الفوضى إن سقط النظام في طهران بصورة دراماتيكية ؟

المعادلة الأضعف حالياً هي الميليشيات وكلاء إيران في المنطقة : فهل إقفال "سبالة" الأموال سيؤدي الى إضعافها وبالتالي الى تحوّلها الى عناصر خطيرة ضمن مجتمعاتها أم أن إسقاطها سيؤدي أسرع من قدرتها على زعزعة المجتمعات التي تديرها؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: