يُنجز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “استفتاءه العرفي” في المناطق التي يحتلها من أوكرانيا، فيما يبدو أنه بات يشكل تطوراً خطيراً ومنعطفاً مصيرياً للحرب حيث ينقل هذا الاستفتاء الصراع الى مرحلة جديدة يتخذ فيها طابعاً أشمل من مجرد تقاتل الروس مع الأوكرانيين نظراً للتداعيات التي ترتسم في الأفق لمثل هكذا استفتاء مرفوض من الأسرة الدولية، وبخاصة من المعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الاميركية.الاستفتاء وبغض النظر عن عدم شرعيته وعدم الاعتراف به، نَقلَ الصراع في أوكرانيا الى أبعاد جديدة قد ترتّب تدخلاً غربياً مباشراً في الصراع، خصوصاً اذا ما اعتبر الرئيس بوتين نتيجة الاستفتاء مبرر كافٍ لاعتبار أي من المناطق المنضمة للاتحاد الروسي أرضاً روسية يبرّر أي اعتداء عليها واعتباره اعتداءً مباشراً على أرض روسية، وتهديداً مباشراً لأمن روسيا القومي، ما سيستجر تصعيداً للصراع ودخوله مرحلة استخدام سلاحٍ نوعيٍ كالسلاح النووي الإستراتيجي الروسي.في مثل هذه الحالة، سيكون العالم أمام خيار بين أمرين : إما ترك بوتين ينفذ ما يريد واعتبار المناطق المنضمة بالاستفتاء أرضاً روسيةً كما حصل عام ٢٠١٤ مع ضم جزيرة القرم، وإما مواجهة الضم بتهديد غربي مباشر لروسيا.هذه المعادلة ستضع العالم أمام وضعية خطيرة وتمهد لمرحلة جديدة من المواجهة المفتوحة حيث أصبحت الإحتمالات كافة واردة من سيئها الى أسوأها.ويتزامن هذا التطور الروسي مع دخول أوروبا فصل الخريف والشتاء البارد حيث لن تقتصر البرودة ولا الصقيع فيها فقط، بل سيشمل أوكرانيا وروسيا نفسها، الأمر الذي سيلقي بظلاله على الموازين العسكرية والسياسية والإقتصادية.في العام ١٩٦٢ واجهت واشنطن كيندي موسكو خروتشوف السوفياتية في كوبا حيث بلغت المواجهة ذروتها في ليلة لم ينسها العالم كادت أن تصبح الحرب النووية مسألة ساعات لا بل دقائق لولا حزم كينيدي وحكمة خروتشوف في حينه واللذين نجح في نزع فتيل مواجهة عالمية مدمرة.اليوم وبعد الاستفتاء وضم الأراضي الأوكرانية المحتلة في الدونباس وماريوبول وزباروجيا المفترض الى روسيا سيكون الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، أمام معطى جديد : إما المواجهة التي قد تؤدي الى حرب عالمية نووية خصوصاً مع إصرار الأوكرانيين على متابعة مقاومتهم للمحتل الروسي ورفضهم الصارم للاستفتاء ومفاعيله، وإما التراجع الذي يعني ترك أوكرانيا “لقمة سائغة” في فم موسكو، الأمر المستحيل والذي دونه أكثر من محظور، أهمه تهديد الأمن الأوروبي الجماعي فيما لو سقطت أوكرانيا أو تفتت سيادتها.أمامنا اليوم كوبا و أوكرانيا والاستفتاء والضم والصواريخ الباليستية التي تهدد أمن أوروبا والولايات المتحدة، وأمامنا جو بايدن كندي وفلاديمير بوتين خروتشوف الذي لطالما اعتبر انهيار الإتحاد السوفياتي أكبر كارثة في القرن العشرين.واشنطن تهدد وتتوعد موسكو إن هي ضمت مناطق الاستفتاء، وفي نفس الوقت يقول البيت الإبيض إنه لا يسعى الى صراع مع روسيا لكنه لن يسمح ومهما كانت الكلفة حصول الضم، وإن الاستفتاء صوري وذريعة كاذبة لمحاولة ضم أجزاء من أوكرانيا بالقوة خلافاً للقانون الدولي، وإن واشنطن وحلفاءها يعملون لوضع رزمة قوية من العقوبات على روسيا، فيما موسكو ترد بأنها لا تهدد بالسلاح النووي لكنها لا تقبل بتورط خارجي في الحرب في أوكرانيا، فيما كييف تتوعد بمتابعة الخروق واستعادة الأراضي وتحرير أوكرانيا من الروس.اذاً المشهدية متفاقمة ومتصاعدة وهي تنذر بتطورات خطيرة ما لم يتم تداركها كما حصل في ليلة الثامن والعشرين من تشرين الأول وعلى أثير الراديو، حين أذاع الزعيم السوفياتي خروشوف رسالة موجهة إلى الرئيس الأميركي أعلن خلالها موافقته على إزالة جميع الصواريخ من كوبا وإعادتها إلى الاتحاد السوفياتي،فهل يوافق بوتين في اللحظة الأخيرة على إلغاء الاستفتاء أو وضعه جانباً، وكذلك موضوع الضم لنزع فتيل تفاقم الحرب وتصاعدها في اتجاهات لا تحمد عقباها؟
سؤال يبقى برسم الأيام القليلة المقبلة لاسيما وأن الرئيس بوتين ليس خروتشوف والرئيس بايدن ليس كيندي، وحرب أوكرانيا ليست نصب صواريخ نووية تهدد أمن الولايات المتحدة بل نصب فخ سلخ أراضٍ أوكرانية وضمها الى الإتحاد الروسي واعتبار أي هجوم عليها بمثابة هجوم على الأراضي الروسية وتهديداً للأمن القومي الروسي، وبالتالي فتح الحرب على الاحتمالات كافة لاسيما اذا استمر الأوكرانيون بعملياتهم العسكرية المتقدّمة، وأرادوا بالسلاح الغربي استعادة الدونباس وزباروجيا وماريوبول بالقوة من الروس.
طبعاً كل القوى العظمى تتحسس خطورة الانزلاق نحو مواجهة نووية ولو محدودة لأن الروس كما الأوكرانيين والأوروبيين سيتأثرون بمفاعيل أي استخدام لسلاح نووي ونتائجه نظراً للأضرار المتوقّعة من الجانبين، كما أن كل القوى بما فيها روسيا- بوتين تدرك أن نهاية الحرب لن تكون الا على طاولة تفاوض، لذلك فالأزمة تتجه في أوكرانيا الى الوقوع بين حدّي المواجهة أو الجلوس على طاولة تفاوض لكن بعد تحسين كل من الطرفين الروسي والأوكراني لأوراق تفاوضهما ميدانياً، ما يعني استمرار الحرب وتصاعدها في ظل التعبئة الجزئية، فيما الجميع يخاطر من الوصول الى نقطة اللاعودة.