هل تضرب السعودية اﻻقتصاد الأميركي؟

78fbcd1a-d3e2-4c0d-a45d-1431489d3a17

يبدو من متابعة مجريات الكباش الحاد بين ولي العهد محمد بن سلمان والرئيس جو بايدن أن الأمور بين البلدين متجهة الى مزيد من التصعيد والتوتر.
الرياض وجّهت تهديداً خطيراً من شأنه ضرب صميم اﻻقتصاد الأميركي من خلال ما سُّربَ من مصادر مطلعة عن مسؤولين سعوديين تحدثوا عن خيار التهديد، وقد نشرت ال "وول ستريت جورنال" خبراً مؤكداً بأن المملكة العربية السعودية ستتخذ قراراً ببيع جميع سنداتها من الخزانة الأميركية التي تمتلكها الرياض، والمقدّرة بأكثر من ١١٥ مليار دوﻻر أميركي وفق بيانات الخزانة الأميركية التي استندت اليها الصحيفة.
هذا الأمر إن حصل يُعتبر بمثابة ضربة صاعقة تنزلها المملكة باقتصاد الوﻻيات المتحدة الأميركية في هذا الظرف الدقيق الذي يعاني فيه اﻻقتصاد الأميركي من صعوبات اقتصادية ومالية جمة تمر بها البلاد منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، تلك الخطوة السعودية التي إن حصلت، سوف تطال مباشرة المواطن الأميركي والشركات الأميركية العاملة في الوﻻيات المتحدة.
فبالنسبة للمواطن الأميركي، فهو إن أراد اﻻقتراض من مصرفه لشراء عقار أو سيارة، فسيتكبّد كلفة قرض مرتفعة جداً فضلاً عن الفائدة المرتفعة التي ستدفعها الشركات المُدِينة للبنوك الأميركية.
هذه التطورات ستشكل ضغطاً سعودياً كبيراً على الوﻻيات المتحدة الأميركية.
التحرك السعودي إن حصل، والأرجح أنه سيحصل بحسب أكثر من مصدر خليجي سعودي، يأتي رداً على تسريبات ظهرت في ١٨ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في الكونغرس الأميركي حيث وصعت اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ الأميركي مشروعاً ضد أوبك بلاس والدول الأعضاء في أوبك للتصويت عليه وإقراره، وهذا المشروع المعروف باسم " نوبك " يستهدف أوبك بشكل مباشر.
هذا القرار إذا أُقر في الكونغرس الأميركي فإنه سيعطي صلاحيات كاملة للرئيس جو بايدن لفرض عقوبات على أعضاء أوبك وأوبك بلاس، وبخاصة المملكة العربية السعودية لاعتقاد الديمقراطيين بأن المملكة هي التي وقفت وراء قرار تخفيض الإنتاج الأخير بداية الشهر الحالي، والذي وصفته واشنطن بالقرار العدائي للغاية كونه سيضر باﻻقتصاد الأميركي بشكل كبير وبالناتو والدول الأوروبية، ما يأجج أزمة الطاقة فضلاً عن اعتبار القرار بمثابة اصطفاف سعودي الى جانب روسيا في الحرب الروسية- الأوكرانية.
ومع أن أوبك بلاس والرياض تحديداً أوضحا أسباب التوصّل الى القرار بتخفيض الإنتاج مليوني برميل، وبأنه قرار أملته اعتبارات تقنية بحتة ﻻ علاقة للسياسة فيه، وهو جاء بناءً على توقعات أوبك بلاس بركود اقتصادي مقبل، بحسب مؤشرات اقتصادية خلال الأشهر المقبلة، ما سيؤدي الى انخفاض سعر برميل النفط بشكل كبير وخطير، ما سيلحق بالدول المنتجة والمصدرة للنفط خسائر اقتصادية كبيرة لأن انخفاض إيرادات النفط نتيجة انخفاض الطلب على النفط سيؤدي الى إصابة اقتصاديات تلك الدول بأزمات كما حصل في العام ٢٠٠٨ حين انخفض سعر برميل النفط من ١٠٠ $ الى ٣٢ $.
تخفيض الإنتاج استهدف رفع سعر برميل النفط والحصول على عائدات أكثر للتمكّن من مواجهة الركود اﻻقتصادي المقبل، وقد رأت أوساط أميركية هذا التحرك من أوبك بلاس بأنه منطقي، حيث نشرت صحيفة "نيويورك تايمس" منذ يومين دراسة وجدت من خلالها من الناحية اﻻقتصادية قرار تخفيض الإنتاج أمراً منطقياً للغاية، ولكن إدارة بايدن مصرّة على اعتبار الأمر تآمراً سعودياً على الوﻻيات المتحدة واصطفافاً الى جانب روسيا، ما تسبّب في تحريك مشروع نوبك مجدداً اعتباراً من الأسبوع الماضي في الكونغرس لإقراره، ما دفع بالرياض الى التهديد باللجوء الى بيع جميع سنداتها الأميركية.
أزمة الوقود والطاقة ضاغطة على واشنطن، وقد لجأ الرئيس بايدن الى استنزاف اﻻحتياط النفطي الأميركي منذ شهر آذار الماضي من خلال سحبه ١٨٠ مليون برميل من الإحتياطي اﻻستراتيجي الأميركي من أجل التصدّي لأي ارتفاع في الأسعار، ثم ذهب الى الرياض محاولاً الطلب من السعوديين ودولة الإمارات مساعدته على زيادة الإنتاج لتخفيض الأسعار الى حين انتهاء الحرب الروسية- الأوكرانية، إﻻ أن قرار أوبك بلاس مع بداية الشهر الحالي جاءت بعكس توقعات واشنطن بتخفيض الإنتاج الى مليوني برميل في الشهر المقبل، أي بعد أيام من الشهر الحالي، ما دفع بالرئيس بايدن مجدداً الى سحب ١٥ مليون برميل من اﻻحتياطي اﻻستراتيجي الأميركي، ذاك اﻻحتياطي المفتَرَض أن يكون مخصصاً لحاﻻت الحروب.
الهاجس الأساسي الحالي لإدارة بايدن هو اﻻنتخابات النصفية في ٨ تشرين الثاني المقبل، وهو الهاجس الذي يقود كل تصرفات إدارته وقراراته، علماً أن قرار أوبك بلاس بتخفيض الإنتاج مليوني برميل يدخل حيز التنفيذ مع بداية الشهر المقبل، وفي ٨ منه يحين استحقاق اﻻنتخابات النصفية في الكونغرس الأميركي في ظل توقعات شبه مؤكدة من فوز جمهوري كبير بسبب أزمة الطاقة وارتفاع الأسعار وبسبب العلاقات المتوترة مع أوبك بلاس.
الإحصاءات تؤكد فوزاً كبيراً للجمهوريين بنسبة ٨١% مقابل ١٩% للديمقراطيين في غرفة النواب وحتى في مجلس الشيوخ حيث أمام الجمهوريين فرصة ٤٥% للفوز بالأغلبية مقابل ٥٥% للديمقراطيين بحيث أن الجمهوريين أمام مقعد واحد للسيطرة على مجلس الشيوخ الأميركي.
فوز الجمهوريين سيعني حكماً تعرّض الرئيس بايدن لمحاولة عزله من قبل الجمهوريين الذين توعدوا بعزله انتقاماً للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي تعرّض على يد الديمقراطيين ولأول مرة في تاريخ رؤساء أميركا للعزل مرتين، وهي مسألة تحتاج الى ثلثي أصوات مجلس الشيوخ، الأمر الذي يمكن توفره في حال فوز الجمهوريين لعزل بايدن.
مما ﻻ شك فيه أن فوز الجمهوريين في الكونغرس إن حصل، سيؤدي الى تكبيل الرئيس بايدن في سياساته الخارجية وبخاصة في الملف الأوكراني حيث سيصطدم أي طلب من بايدن للأموال لشراء سلاح لأوكرانيا برفض الجمهوريين لأي تمويل لأوكرانيا لحماية الداخل الأميركي الأهم بالنسبة اليهم من مساعدة أوكرانيا.
هذا التطور في السياسة الداخلية الأميركية بعد فوز الجمهوريين سيؤدي الى إجبار أوكرانيا على التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد أن تتوقف المساعدات الأميركية لكييف، وكذلك الناتو الذي سيجد نفسه مجدداً مضطراً للتحادث مع الروس.
منذ يومين، طالب ٣٠ نائباً ديمقراطياً الرئيس بايدن بالتفاوض مع الرئيس بوتين برسالة كتابية اعتبروا فيها أنه، على واشنطن التفاوض مع الروس لوقف الحرب في أوكرانيا بالتناغم مع موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أطلق من الفاتيكان غداة لقائه قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس، نداءً للحوار بين واشنطن وموسكو وتدخّل قداسته لتحقيق هذا الحوار.
في ظل كل هذه الأجواء، بات التهديد السعودي للديمقراطيين واضحاً والمنازلة على أشدها بين الديمقراطيين والرياض.
منذ أيام، صدر من الرياض بيان ملكي رسمي تضمن اعتذار الأمير محمد بن سلمان عن حضور القمة العربية في الجزائر "لأسباب صحية"، هذا الموقف جاء مفاجئاً وخارج أي سياق من التوقّعات، وفي المعلومات أن اﻻستخبارات الروسية نصحت ولي العهد السعودي بعدم الذهاب الى القمة أو السفر خارج البلاد لأن ثمة نية لاستهدافه …
فهل دخلنا سيناريو المواجهة الكبرى بين الرياض وواشنطن الديمقراطية ؟
أم أن الرياض ستتريث الى ما بعد نتائج الانتخابات النصفية في أميركا في ما لو انتصر الجمهوريون ؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: