يمكن القول اليوم إن الميليشيات الإيرانية المتواجدة في سوريا باتت محاصَرة ومعزولة عن عمقها العراقي الإيراني …
فمعبر البوكمال الذي طالما شكًل همزة الوصل الوحيدة في تحقيق الهلال الشيعي من العراق الى لبنان بات خارج الخدمة ما أدى الى قطع آخر منافذ التواصل مع النظام السوري.
بالتزامن ثمة حراك عسكري أميركي في العراق يتجلّى في عمليات إعادة تموضع المدرعات والآليات والقطعات العسكرية الأميركية، والقيام بمحادثات مع قيادات الجيش العراقي فيما إيران ملتزمة بالصمت التام.
وللتذكير عندما سلّمت واشنطن العراق لإيران، أبرمت اتفاقية أمنية مشتركة ودفاعاً مشتركاً مع الجانب العراقي تضمن للأميركيين الدخول في أي وقت الى العراق والتحرّك العسكري من داخله، ويتيح لواشنطن حرية تحرّك عسكري على الأراضي العراقية.
واشنطن، على لسان رئيس هيئة الأركان، تصرخ بأن لا نية لها للدخول في مواجهات عسكرية في دير الزور، وهذا أمر صحيح لأن الأميركي مسيطر على الجانب العراقي من الحدود مع سوريا سيطرةً كاملة بحشده وميليشياته الإيرانية، فلا يمكن لأي أحد الاعتراض على الوجود الأميركي هناك .
في هذا السياق، يُلاحظ منذ يومين ما صدر عن المرجعية العراقية (السيستاني) من تنبيه موجّه الى الحكومة العراقية بوجوب الضغط على الحشد ومراقبته لكونه وجد لخدمة المواطن العراقي لا لايذائه في موقف متميز وفريد من نوعه ومضمونه يصدر عن المرجعية.
قطع معبر البوكمال اذاً يُنذر بتطورات ميدانية وتداعيات بخاصة على الميليشيات الموجودة داخل سوريا، ما يطرح ملف مصير تلك الميليشيات والى أين ؟
طهران لا تأبه لأرواح جنودها وهي تقدمهم للنار للتخلص منهم لا سيما وأن أصحاب العمائم في طهران يرون الوقت مناسباً للتخلّص من طبقة الشباب المنضوي في تلك الميليشيات.
أما في بيروت، فيتجهز حزب الله لاستقبال الهاربين من دير الزور وقد ألمح أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الى هذا الاحتمال، ما سينعكس تصاعداً للتوترات اللبنانية الداخلية.
منذ أسابيع، تكلمنا عن الخطة الأميركية مع التحالف الداعم في شمال شرقي الفرات السوري للإطباق على الحدود الشرقية لسوريا وإقفال آخر الممرات الحدودية بين العراق وسوريا بهدف عزل نظام الأسد عن الإمدادات الإيرانية التي تعبر من الأراضي العراقية باتجاه سوريا ولبنان.
راهناً وبعد التحرّك العسكري في شمال شرقي الفرات والحشودات العسكرية لحلفاء واشنطن في تلك المنطقة، فضلاً عن إمساك قسد بزمام القيادة والعشائر العربية السورية في البادية الشرقية المتحالفة مع الأميركيين زمام السيطرة بدأت واشنطن خطة انتشار حدودية داخل الأراضي العراقية العربية على تماسٍ مع الحدود الشرقية لسوريا.
القوات الأميركية تُرعب الفصائل الموالية لإيران وهي تعلم أنها باتت على أبواب مواجهة كبرى مع الوجود العسكري الأميركي والحليف،
فالمطلوب أميركياً تكريس منطقة عازلة بين سوريا والعراق، ما يضع في دائرة الاستهداف قائد فصيل مسلح موالي لإيران.
الحشد الشعبي في العراق والميليشيات المنضوية تحت جناحه مستنفَرة تحسّباً لعمل عسكري واسع النطاق ووشيك قرب الحدود مع سوريا، فتلك الفصائل الإيرانية تخشى من تصعيد أميركي مرتقب أو عملية عسكرية مبيّتة تنوي واشنطن تنفيذها ضد أهداف في العراق.
القوات الأميركية أرسلت منذ أيام تعزيزات الى قواعدها في الأنبار في العراق ودير الزور في سوريا إثر تعرضها لهجمات من عناصر موالية لإيران في الشريط الحدودي بين البلدين.
كما أن واشنطن أرسلت حاملات طائرات وفرقاطات وزوارق هجومية في البحر الأحمر في إطار الإعداد لهجوم كبير هدفه إنشاء تلك المنطقة العازلة بين سوريا والعراق وضمان عدم تعرّض قواعدها هناك لهجمات، فواشنطن
اتخذت قواعدها في تلك المنطقة وأبلغت رعاة الأغنام بالابتعاد عن المقرات العسكرية ومناطق إطلاق النار، ما دفع قادة الفصائل في الحشد الى إصدار أوامر بإلغاء الإجازات وبقائهم على جهوزية تامة.
واشنطن إتهمت قائد فصيل مسلح موالٍ لطهران بترتيب تلك الهجمات المستهدِفة للنفوذ الأميركي في سوريا، وقد سلّمت سفيرة أميركا في بغداد رسالة بهذا المعنى الى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تبلغه فيه قرار بلادها استهداف عشرة قادة من قادة تنظيمات الحشد وسواهم.
وهنا يجب التذكير بأمرين أساسيين في العراق :
الأول أن الاتفاق على تقاسم العراق بين واشنطن وطهران ما زال قائماً ولو أن ثمة مواقف إعلامية حامية في هذا الخصوص، والثاني هو أن ثمة خطة أميركية لتغيير النظام في العراق لكن ليس الآن وليس بالقوة الحالية لواشنطن،
فالتحركات العسكرية الأميركية على الحدود العراقية تخللتها تعزيزات عسكرية على الحدود العراقية السورية باتجاه مدينة القائم بالقرب من مدينة البو كمال الحدودية، كما أجرت قوات التحالف الدولي تدريبات عسكرية في قاعدة كونيكو بريف دير الزور الشمالي في مقابل إرسال جيش نظام الأسد تعزيزات عسكرية الى منطقة الميادين.
معلومات متقاطعة تتحدث عن قرب صدام عسكري بين القوات الأميركية وميليشيات إيران في دير الزور، فيما أفادت تقارير إعلامية بأن القوات الأميركية في قاعدة عين الأسد تنوي إغلاق الشريط الحدودي مع سوريا،
ويبدو أن واشنطن بذلك قد قررت عزل الخطوط البرية بين العراق وإيران من جهة، وسوريا ولبنان من جهة أخرى، لوقف الدعم اللوجستي الإيراني للفصائل في سوريا.
إيران قلقة من التحركات العسكرية الأميركية على الحدود العراقية السورية، واشنطن لم تكن لتحرك أضخم حاملتي طائرات في ترسانتها العسكرية لولا وجود نية بعمل عسكري ما في المنطقة، سواء في الخليج أو في سوريا أو البحر الأحمر. والمعلوم أن حاملتي الطائرات هذه تحمل أحدث مقاتلات سلاح الجو الأميركي من الأف ١٦ الى الأف ٢٢ و٢٥ والأف ٣٥ وسواها وكلفة وقود الحاملتين تغطي ميزانيات الأردن ولبنان وسوريا.
أما في البرّ، فسُجّل وصول اللواء الثاني الأميركي من الفرقة الجبلية العاشرة والتي تأسست عام ١٩٤٩ ونشطت في الحرب العالمية الثانية .
الضربة الأميركية ستكون على الحدود السورية مع العراق فيما ردات الفعل ستكون في العراق ولبنان، فلواشنطن ٢٧ فرقة عسكرية في سوريا وأكبرها في حقل العمر الذي يبعد ١٠ كيلومترات عن مدينة الميادين في دير الزور السوري والقاعدة الاستراتيجية في التنف.
بالمقابل، نصب الجيش العراقي مضادات فوق أبنية حكومية في بغداد لتأمين طوق ناري للمطار كما برّرت قيادته.
بين منطقة البوكمال والتنف، ثمة ٥٠ كيلومتراً مسافة وهذه الحدود مقسّمة بين العراق وسوريا مناصفةً في الخطة الأميركية ويقطع فيها الحركة نهائياً.
يبقى أن نقول إن الحشود العسكرية الأميركية بين العراق وسوريا، وإن كان لها وظيفة سياسية أخرى متمثّلة بزيادة الضغط على إيران وميليشياتها والنظام السوري الموالي لها، إلا أنه يمكن اعتباره مندرجاً ضمن خطة مواجهة أكبر تشمل روسيا أيضاً.
العراق اذاً على موعد مع ردود فعل اهتزازية ستواكب سير العمليات وستكون الحكومة العراقية أمام امتحان صعب في الاحتفاظ بحيادها وعدم توريط الجيش منعاً لزيادة حدّة التوتر الداخلي مع القوى الموالية لإيران.
