هل ينفصل الجنوب السوري عن دولة سوريا المركزية؟

1679485180_281_173684_gettyimages1235578453

توقعنا في مقالات سابقة حصول انفصال جنوبي سوريا عن الدولة، وتحديداً عن نظام بشار الأسد، وقد جاءت وقائع تظاهرات واحتجاجات السويداء لتشي بإمكانية حصول هذا الانفصال انطلاقاً من الوقائع التي تُسجّل يومياً منذ نيف وعشرة أيام، ولا غرابة في ذلك طالما أن  السوريين إجمالاً يشعرون بغربة عن وطنهم بعد حرب دموية طاحنة شنّها عليهم نظام بشار الأسد منذ العام 2011 بحجة محاربة الإرهاب والمنظمات الإرهابية، حيث تتحمّل المعارضة السورية بدروها جزءاً مهماً من المسؤولية بعدما تم خرقها بعناصر وتنظيمات متطرّفة موالية للخارج، ما أضعف وأنهك الثورة السورية الحقيقية وأدى الى استمرار نظام دمشق الى الآن .
 
صحيح أن المتظاهرين في السويداء يرفعون خلال احتجاجاتهم العلم الدرزي الخُماسي الألوان وهم يطالبون بإسقاط النظام ورحيل الرئيس بشار الأسد الى جانب المطالبات المعيشية والحياتية، إلا أنها باتت تحظى بمباركة دينية من أعلى المرجعيات الدرزية وعلى رأسها الشيخَين يوسف الجربوعي وحكمت الهجري اللذين تضامنا مع الحراك الشعبي الثوري، لكن الصحيح أيضاً أن المراجع الدينية طلبت من المتظاهرين إبقاء حراكهم تحت سقف الوحدة الوطنية من دون أي اتجاه طائفي أو مذهبي يمكن أن يُفسّر من جانب النظام على أنه يُبشّر بحركة إنفصالية عن سوريا، علماً أن السويداء لطالما حافظت على نوع من الحيادية منذ اندلاع الثورة السورية الأولى العام 2011، انطلاقاً من الرغبة العميقة لدى الدروز في سوريا بعدم الانخراط في ما يمكن أن يهدم الدولة السورية على غرار النهج السياسي الذي كان  الزعيم الدرزي سلطان باشا الأطرش قد تبنّاه عندما رفض خلال فترة الانتداب الفرنسي عرضاً بإقامة "دولة درزية"، فقاوم الفرنسيين رفضاً لهذه الفكرة.
 
 وللتذكير أيضاُ أنه، وبعد نكسة عام 1967 وسقوط الجولان في يد الاحتلال الإسرائيلي، تكرّرت محاولة إقناع الدروز بإقامة دولة درزية والانفصال عن سوريا لاسيما وأنه في إسرائيل الدروز طائفة قائمة ومحترمة إلا أن الدروز رفضوا هذا الطرح، علماً أن المشروع كان يشمل الجنوب السوري امتداداً الى الجنوب اللبناني وصولاً الى الشوف وعاليه .
 
 الدروز، ومنذ تلك الحقبة، أعلنوا التزامهم بخطهم العربي والعروبي ولا يزالون ملتزمين بسوريتهم وعروبتهم.
 
يبقى أن اللافت هو صمت النظام وأجهزته الأمنية والقمعية أمام ما يحصل في الجنوب السوري الدرزي بما يشبه نوعاً من الإقرار منه باستقلالية محافظة السويداء عن سوريا وعدم شمولها بالأمن الوطني السوري، ما لا يشكل معه ما يحصل من تهديد لدمشق ونظامها.
 
لطالما لعبَ النظام السوري على المشاعر الطائفية والمذهبية من أجل شدّ العصب العلوي بحجة خوضه حرباً كونيةً عليه، بما يعني أن سقوطه سيرتّب القضاء على العلويين، وقد أثبتت الأحداث والتطورات زيف هذا الادعاء وكذبه، وقد بدأت الطائفة العلوية نفسها تضيق ذرعاً بالأسد ونظامه في مناطق سيطرته بدليل الأصوات والاحتجاجات التي تخرج عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمطالبة برحيله بعدما باتت مناطقه تحت وطأة انهيار مزرٍ على كافة الصعد الاجتماعية، والمعيشية والاقتصادية والإنمائية.
 
النظام السوري لا مشكلة عنده إن حصل انفصال جنوبي عن سوريا، فهو لن يضيره أن حصل ذلك بأن ينسحب من دمشق الى طرطوس واللاذقية والساحل السوري في ظل الانقسام الفعلي على الأرض سوريا اليوم، بين شمال شرقي وشرق وجنوب ووسط وساحل وريف دمشق في ظل توازن سياسي ـ عسكري يقسم  مناطق النفوذ بين الروس والإيرانيين والأميركيين والأتراك .
 
بشار الأسد أمام الامتحان الداخلي الصعب لا بل الأصعب، ولذا تراه يكثف من جولاته في الساحل السوري لتهدئة خواطر بيئته الحاضنة المنتفضة بالتزامن مع تشديده الإجراءات الأمنية المانعة لقيام تظاهرات احتجاجية، وقد ساد الأسد ونظامه الهلع مما سُمّي "حركة الضباط العلويون الأحرار"، التي انطلقت من قلب البيئة الحاضنة لنظامه والتي أعلنت سابقاً تواصلها مع أبناء الطائفة العلوية للانقلاب على الأسد ولإعداد مرحلة ما بعد الانقلاب، وقد التحقت تلك الحركة المنشقة بالمنشقين العسكريين في كل من عفرين وأعزاز،
ويُحكى أن العميد مناف مصطفى طليس الموجود حالياً في فرنسا، سيلتحق بالشمال السوري بدعم فرنسي ـ أميركي لقيادة المجلس العسكري تمهيداً لعمل عسكري ضد النظام، إلا أن المعطيات في هذا الصدد لا تزال مبهمة وشحيحة.
مهما يكون من أمر فالأكيد أمران  أساسيان :
 
الأول : أن الحراك في السويداء أخرج المارد الدرزي الساكت من قمقمه ولن يعود بعد اليوم اليه إلا إذا تحقق له ما يريد، وقد تكون الفدرلة حلاً له شأنه شأن كل سوريا أو في أسوأ الأحوال إعلان إدارة مدنية ذاتية في المحافظة .
 
الثاني : أن بشار الأسد انتهى " كلينيكياً " كنظام وسلطة ودولة لسوريا الكاملة مع خروج الشمال الشرقي الخاضع للأميركيين وقسد والعشائر رغم الخلافات المضبوطة بين قسد وبعض العشائر العربية حالياً والتي تنتظر " صفارة " المايسترو الأميركي بالعودة للجدية، وقسم من الشمال الغربي الخاضع للسيطرة التركية والشرق الخاضع للتحالف والأميركيين والجنوب بين درعا والسويداء بانتظار حلول ساعة الوداع .
 
الوضع السوري برمّته بات على شفير الانهيار التام من أقاصي الشمال الى أقاصي الجنوب وبقاء بشار الأسد في السلطة سيزيد من انهيار وحدة سوريا الجغرافية، وفي آخر المعلومات أن صواريخ سام 6 ظهرت في بعلبك، وهي صواريخ سلّمتها روسيا لإيران التي بدورها وصلت الى حزب الله، وقد كشف الحزب عنها للمرة الأولى بمناسبة افتتاحه متحفه الجهادي في بعلبك إحياءً للذكرى السادسة لتحرير الجرود الشرقية من الجماعات الإرهابية كما ادعى الحزب في رسالة واضحة الى الداخلين اللبناني والسوري معاً، ومن هنا فإن خلط أوراق إقليمية يمكن أن يحصل من بوابة سوريا اذا ما تدخّل الحزب مرة جديدة وتورّط في مساعدة بشار الأسد إن هو طلب ذلك وفقاً لما أكدته مصادر ديبلوماسية منذ أيام من أن زيارة مدير المخابرات السورية لوقا الى حارة حريك لتنسيق المواقف والتأكد من استعداد الحزب للتدخّل في سوريا إن تجاوزت الاحتجاجات السويداء ودرعا.
 
من هنا، من غير المستبعد أن تكون الثورة الدرزية حالياً في السويداء بدايةً لسيناريو واسع النطاق في سوريا متزامناً مع الإعداد لعملية عسكرية كبيرة تعيد خلط الأوراق في سوريا في ظل التضعضع الروسي المؤيد للنظام، وقد كثفت موسكو غاراتها الجوية في الآونة الأخيرة ضد المجموعات المسلحة المعارضة للنظام، كجبهة تحرير الشام "النصرة" سابقاً، علماً أن الخريطة الجيوسياسية تظهر بوضوح الحصار الواقع على الفصائل المدعومة من إيران، امتدادا من الشمال التركي والشرق الغربي للتحالف الدولي، وصولاً الى الشرق فالجنوب في السويداء ودرعا.
 
الجنوب السوري، إذا استمر الوضع على هذا الحال، مقبلٌ على إعلان إدارة مدنية ذاتية تكرّس الانفصال النهائي عن دمشق ونظامها، فهل تكون بداية لتغييرات جذرية في سوريا برمّتها؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: