Search
Close this search box.

وزير الخارجية الجزائرية: لا يمكن للخطوة الفرنسية أن تغيّر وجه القضية الصحراوية

ahmad attaf

عمّمت السفارة الجزائرية نص كلمة وزير الخارجية والجالية الوطنية في الخارج أحمد عطاف، التي ألقاها خلال ندوة صحافية في مقر وزارة الخارجية، جاء فيها: “شكرا لكم على تلبية الدعوة، ومرحبا بكم في هذا اللقاء الذي ارتأينا انه من المفيد تنظيمه لتناولي ملفات الساعة المرتبطة بالسياسة الخارجية، وهي الملفات التي تتطلب منا التطرق لحيثياتها وملابساتها وتداعياتها لتنوير الرأي العام الوطني والدولي. إننا نلتئم في وقت بالغ الخطورة وأمام منعرج مأسوي، بعد اغتيالي رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في طهران”.

وقال: “إننا ندين بشدة، هذه العملية الارهابية الغادرة والشنيعة التي أقدمت عليها قوات الاحتلال الصهيوني، وهي تتمادى في لامبالاتها ولا اكتراثها بأبسط القواعد والضوابط الانسانية والقانونية والسياسية والاخلاقية. إنها سياسة الأرض المحروقة التي جعل منها الكيان الصهيوني نهجا وخطه واستراتيجيه قوامها التصعيد في كل الاتجاهات: غزة، الضفة الغربية، اليمن، لبنان، سوريا وإيران. إنها حقا سياسة الأرض المحروقة ، وكان المراد منها إدخال المنطقة برمتها في سلسلة من الحروب المستفيد الوحيد منها المحتل الصهيوني ، والخاسر فيها أمن واستقرار المنطقة والسلم الذي تصبو إليه”.

أضاف: “إن الجزائر تتقدم بأخلص التعازي والمواساة للشعب الفلسطيني الشقيق، وهو يواجه هذه المحنة ، التي يتقاسمها وإياه سائر الشعب الجزائري”.

تابع: “أما في ما يتعلق بما طرأ من تغيير في الموقف الفرنسي تجاه الصحراء الغربية ، فأستسمحكم بأن أركز مداخلتي هذه حول محاور ثلاثة رئيسية: المحور الأول، يتعلق بإرهاصات الخطوة الفرنسية ومحاولة التمهيد والتبرير المسبق لها.
المحور الثاني، يرتبط بمكمن هذه الخطوة وما تحمله من تغييرات خطيرة مقارنة بالموقف الفرنسي المعهود من قضية والصحراء الغربية. المحور الثالث والأخير، يتمثل في تداعيات هذه الخطوة وتبعاتها على قضية الصحراء الغربية وعلى السلم والأمن في منطقتنا. أولا، فيما يخص إرهاصات الخطوة الفرنسية ومحاولة التمهيد والتبرير المسبق لها، فقد تم اطلاع السيد رئيس الجمهورية بها بصفة مسبقة من قبل نظيره الفرنسي خلال اللقاء الذي جمعهما يوم 13 حزيران الماضي، أي منذ أكثر من شهر ونصف الشهر، على هامش اجتماع مجموعة السبع بمدينه بار الايطالية. وفي هذه المناسبة، أكد الرئيس الفرنسي في تبريراته وتعليلاته للتغيير الذي كان يحذر له ويعبد الطريق لتعبيده على المعطيات التالية:
أولا: أن هذه الخطوة ليست بجديدة ولا تأتي بجديد، وإنها فقط تذكير بموقف فرنسي كانت قد أعربت عنه فرنسا في 2007 لدى تقديم خطه الحكم الذاتي من طرف المملكة المغربية.
ثانيا: إن هذه الخطوة تهدف إلى الإسهام في إحياء المسار السياسي لتسويه النزاع في الصحراء الغربية.
ثالثا: إن فرنسا تبقى وفية لتعهداتها والتزاماتها دعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة ومساندة مساعي مبعوثه الشخصي.

وخلال اللقاء، كان رد السيد رئيس الجمهورية صارما وحازما ودقيقا للغاية حيث اعتبر أن الموقف الفرنسي الجديد ليس مجرد استنساخ للمواقف السابقة المعلن عنها، بل يتجاوزها بكثير، حيث انه يركز على حصرية خطة الحكم الذاتي كقاعدة لحل النزاع القائم في الصحراء الغربية، وانه يعترف اعترافا صريحا بما يسمى “مغربية الصحراء الغربية”، ويدرج بصريح العبارة حاضر ومستقبل الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة. ورأى أن الخطوة الفرنسية لا يمكن أن تسهم البتة في إحياء المسار السياسي، وإنما جاءت لتغذي الانسداد الذي أدخلت فيه خطه الحكم الذاتي للقضية الصحراوية منذ أكثر من 17 سنة. واعتبر أن الخطوة الفرنسية لا يمكن لها أن تدعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة لأنه وبكل بساطه لا يتجه أداء مهمته في نفس الاتجاه الذي أعلنت عليه فرنسا، أي انه لا يعمل من اجل تطبيق خطه الحكم الذاتي ولا هو يعتبر أن الصحراء الغربية مغربيه ولا هو يهدف إلى تثبيت السيادة المغربية المزعومة على التراب الصحراوي.

كما أن الخطوة الفرنسية لا تخدم السلام في الصحراء الغربية، ولا تخدم البحث عن حل سلمي في الصحراء الغربية، ولا تتجه في الاتجاه الذي بإمكانه الإسهام في جمع الشروط اللازمة للإسراع في بلوره الحل المنشود لهذا الصراع، طبقا لما أملته ولا زالت تمليه الشرعية الدولية. وفي مرحلة لاحقة، قامت السلطات الفرنسية بإبلاغنا عبر سفيرنا بباريس بفحوى الرسالة التي اعتزم الرئيس الفرنسي أن يبعث بها إلى العاهل المغربي، لا سيما نصها المتعلق بقضية الصحراء الغربية. وبتعليمات من السلطات العليا للبلاد، فقد عبر سفيرنا بباريس للسلطات الفرنسية عن الموقف الجزائري من هذه الخطوة، محذرا من تداعياتها وعواقبها الأخيرة. وقد تم تضمين ركائز الموقف الجزائري من القرار الفرنسي في نص البيان الرسمي الذي أصدرناه يوم الخميس الماضي والذي لا شك أنكم اطلعتم عليه في حينه. وبالأمس ، وبعد أن تم نشر نص الرسالة الفرنسية، أكدت الجزائر مجددا على موقفها من هذا التطور الخطير، وقررا سحب سفيرها لدى الجمهورية الفرنسية بأثر فوري وتخفيص مستوى تمثيفها بهذا البلد. فما هي التغييرات، والتغييرات الخطيرة التي طرأت على الموقف الفرنسي؟”.

تابع:” إن الجديد فيما أقدمت عليه فرنسا يتجسد في ثلاثة أمور خطيرة تناقض كلها ما يدعيه هذا البلد من تأييد للجهود الدبلوماسية ومن دعم لدور مجلس الأمن ومن مسانده لمساعي المبعوث الشخص للامين العام للأمم المتحدة:
الأمر الأول: وهو إقدام فرنسا على الاعتراف بالسيادة المغربية المزعومة على إقليم الصحراء الغربية، وهي الخطوة التي يمكن وصفها بعبارة بسيطة اعتقد أنها تلخص في مضمونها القيمة القانونية لهذا الاعتراف ألا وهي “هبه من لا يملك لمن لا يستحق”.

الأمر الثاني: وهو اعتبار فرنسا خطه الحكم الذاتي المغربية كحل وحيد وأوحد لقضية الصحراء الغربية، وبالتالي إقصاء أي جهد للبحث عن حل بديل لقضية الصحراء الغربية وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها قرارات مجلس الأمن التي شاركت فرنسا في صياغتها واعتمادها.

الأمر الثالث والأخير: وهو ما يستشف من نص رسالة الرئيس الفرنسي إلى ملك المغرب من أن فرنسا أصبحت تتبنى بشكل كل الطرح المغربي المتعلق بقضية الصحراء الغربية. وتجعل منه أولوية تتعهد بالدفاع عنها على الصعيدين الوطني والدولي. وكان الطرح المغربي حول الصحراء الغربية أصبح طرحا فرنسيا”.

تابع: “على ضوء هذه المعطيات الثلاثة، انتقل الآن إلى المحور الثالث والأخير من مداخلتي يتعلق بتداعيات الخطوة الفرنسية وتبعاتها على قضية الصحراء الغربية وعلى السلم والأمن في منطقتنا وفي هذا المضمار، أود التركيز على أربع ملاحظات رئيسية:
الملاحظة الأولى: وهي أن الخطوة الفرنسية التي تدعي أنها ترمي إلى إحياء المسار السياسي لتسويه النزاع في الصحراء الغربية، تسهم على النقيض من ذلك، في تكريس حاله الجمود التي تعاني منها العمل السياسية منذ ما يقرب العقدين من الزمن. وهي حالة الجمود التي تسبب فيها بصفه مباشرة مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب.

فهذا المقترح المغربي لم يهدف ولو يوما، لتقديم مساهمة في حل نزاع الصحراء الغربية. بل على العكس من ذلك تماما، فان مآربه كانت ولا تزال تنصب حول ثلاثة أهداف رئيسية:
أولا، القضاء على حق تقرير المصير المخول دوليا للشعب الصحراوي من خلال إجهاض تنظيم استفتاء لهذا الغرض.
ثانيا، وادي الحلول السياسية البديلة والحيلولة دون بروز أي مبادرة جادة وصادقه لحل هذا النزاع، غير تلك التي تريدها المملكة المغربية، أي شرعنه الأمر الواقع الاستعماري في الصحراء الغربية. ثالثا وأخيرا، ربح المزيد من الوقت لتكريس الأمر الواقع الاستعماري وفرضه على المجتمع الدولي وحمله على التكيف معه والقبول به، وهذا ما لا يزال المغرب يسعى من اجله بتضييع الفرص تل والفرص وهاجسه الوحيد ربح الوقت والمزيد من الوقت”.

وقال: “من هذا المنظور، فان الدعم الفرنسي الكامل والمطلق للمقترح المغربي للحكم الذاتي يمثل محاولة لإعادة بعث هذا المشروع من الرماد وإعادة إحياء الأهداف المتوخاة منه، وهي الأهداف التي ترتبط تمام الارتباط بعرقلة جهود التسوية السياسية لقضية الصحراء الغربية وتثبيت الواقع الاستعماري المفروض على الشعب الصحراوي. وفضلا عن كل هذا، نسأل: ” كيف لهذا المقترح أن يعمر لأكثر من 17 عامًا دون أن تخصص له ولو ساعة أو دقيقة أو حتى ثانية لمناقشته؟ والمعنى هنا انه لم يعرض على طاولة المفاوضات طيلة كل هذه المدة الزمنية. لأنه لم يؤخذ على محمل الجد والجدية كإطار لحل الصراع في الصحراء الغربية. كيف لهذا المقترح الذي يتم تقديمه اليوم على انه الوصفة السحرية لحل قضية الصحراء الغربية، ألا يحظى باهتمام المبعوثين الامميين الأربعة الذين توالوا على هذا المنصب طيلة العقدين الماضيين؟”.

أضاف: “أخيرا وليس آخرا، لماذا لم يخسس هؤلاء المبعوثون، ولو فرصة واحدة لاستعراض ومناقشة مضمون هذا المخطط، لا في إطار الأمم المتحدة ولا خارج هذا الإطار الاممي؟ وهنا تحضرني تعليقات عدد من المسؤولين الامميين الذين اسروا لنا، في أكثر من مناسبة، أن مخطط الحكم الذاتي لا يمت للواقع ولا للجدية بصلة، ولا يرقى لان يشكل عرضية توافقية للمفاوضات السياسية حول تسوية النزاع في الصحراء الغربية. أما الملاحظة الثانية فهي أن القرار الفرنسي بدعم الواقع الاستعماري المفروض على الشعب الصحراوي يسير عكس تيار الجهود الدبلوماسية المبذولة أخيرًا من قبل الأمم المتحدة ومن قبل إطراف دولية فاعلة أخرى بهدف إحياء المسار السياسي لإنهاء النزاع في الصحراء الغربية. كما أن اصطفاف فرنسا بصفه كلية بجانب المغرب، يقصيها من أي دور للمساهمة في الجهود الديبلوماسية الرامية لحل هذه القضية سواء داخل مجلس الأمن كدولة دائمة العضوية أو خارج هذه الأممية المركزية”.

تابع: “الملاحظة الثالثة: إن الخطوة الفرنسية التي وضعت نصب أهدافها تدشين صفحة جديدة في العلاقات الفرنسية المغربية، لا تعدو أن تكون صفقة: صفقة لا تصح قانونيا ولا سياسيا ولا أخلاقيا، صفقة يتم إبرامها بين طرفين على حسابي طرف ثالث مغلوب على أمره، ألا وهو الشعب الصحراوي صاحب الحق وصاحب القضية، له دعمه ودرعه في الشرعية الدولية التي أقرت بمشروعية حقه وأنصفته خير إنصاف، صفقه يتبادل فيها الأقوياء المنافع وهم يضحكون، غير آبهين وغير مكترثين بحق من لا قوه له إلا قوة القانون وقوة الشرعية الدولية”.

ختم: “أما الملاحظة الرابعة والأخيرة: فهي أن القرار الفرنسي وعلى الرغم مما يصبو إليه من مأرب تخدم الواقع الاستعماري في الصحراء الغربية، فانه يستحيل عليه أن يغير المعطيات القانونية الدولية لقضية الصحراء الغربية: فالقضية الصحراوية تبقى في نظر القانون الدولي قضية تصفية استعمار، والقضية الصحراوية تبقى مسجلة على جدول أعمال اللجنة الأممية لتصفية الاستعمار، والقضية الصحراوية تبقى مطروحة أمام مجلس الأمن، والقضية الصحراوية تبقى تحظى ببعثة أممية لتنظيم استفتاء في الإقليم، وبمبعوث شخصي للامين العام للأمم المتحدة مهمته السعي لتحقيق حل سياسي يضمن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. وبالتالي لا يمكن، بأي حال من الأحوال، للخطوة الفرنسية أن تغير الوجه القانوني والسياسي والأخلاقي للقضية الصحراوية بالعفوية والسهولة التي يتصورها من كان وراء بلورة وتفعيل هذه الخطوة”.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: