في حديث تحليلي حصري لموقع lebtalks، إعتبر الكاتب والمحلّل الجيو سياسي جورج أبو صعب أن المنطقة بين خيارين لا ثالث لهما : إما الاستمرار في الحرب وها هي جاسمة أمامنا بكل تجلياتها المدمِّرة وصورها المقزِّزة، وإما العودة الى العقلانية السياسية واستعادة مسار السلام لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة وإقفال هذا الملف النازف نهائياً .
وإذ إعتبر أبو صعب بأن المنطقة منقسمة أكثر من أي يوم مضى الى معسكرين : معسكر يريد الحرب والتدمير ورموزه النظام في إيران وميليشياتها ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وتياره المتطرّف، وما يحصل في غزة هو من أبرز تجلياته وتداعياته، ومعسكرٌ يريد السلام وحل الدولتين، مشيراً في هذا السياق الى أن داخل إسرائيل نفسها هناك معسكر سلام يرفض هذه الحرب ويرفض تقاطع المصالح بين بنيامين نتانياهو والنظام الإيراني في إسقاط التطبيع مقابل الإبقاء على الانقسام الفلسطيني بين دولة غزة ودولة رام الله.
ويتابع أبو صعب “اليوم وفي افتتاح قمة الخليج ودول الاسيان في الرياض، أعاد سمو ولي العهد التأكيد على خيار السلام وحل الدولتين في موقف يعكس التوجه الاستراتيجي للعرب نحو التعقّل والسلام، في مقابل معسكر دموي عنفي يريد الاستثمار في الحروب لأن من دونها لا وجود له، مذكّراً بأن الشواهد التاريخية تؤكد أن ما من حرب تم خوضها في المنطقة، وتحديداً في إسرائيل أو ضدها إلا وانتهت بسقوط أطرافها وانتهاء دورهم من غولدا مائير الى نتانياهو، وهو ما ينسحب على حماس والجهاد السلامي في الحرب الحالية، وقد كُتبت آخر سطور نهاية دورهم في المعادلة الفلسطينية بعد انتهاء الحرب.
وردّاً على سؤال، إعتبر أبو صعب أن الحرب الحالية لن تتوسّع إلا إذا رأى نظام الملالي أن مصالحه في المنطقة مهدّدة، وأهمها ميليشياته النافذة كما حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي، فضلاً عن مصالحه المالية والاقتصادية الحساسة والحيوية، وبالتالي فإن تدخّل حزب الله في الحرب الدائرة حالياً رهن هذا القرار الإيراني الذي على ما يبدو الى الآن غير موجود.
وأشار أبو صعب الى قلة عدد التظاهرات الشعبية الحاشدة في العالم العربي وغياب الاحتشادات المليونية المستمرة في العواصم العربية المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني، معتبراً أن هذه الظاهرة هي دليل على تعب وإنهاك الشارع العربي الرازح تحت وطأة الأزمات الداخلية،/ كما في مصر وتونس والجزائر والأردن الذي شهد أكبر تظاهرة منذ أيام إثر مجزرة المستشفى المعمداني في غزة، بالمقارنة مع التظاهرات التي نزلت في الشوارع العربية الأخرى احتجاجاً على المجزرة.
وإعتبر أبو صعب أان الحرب الدائرة رحاها حالياً في إسرائيل وغزة هي محرقة لكل أوراق محور الحرب، حيث جميع مَن في هذا المحور من الطرفين يرمي وسوف يرمي أكثر فأكثر بكل أوراقه لاستمرار الاشتعال الى أكبر أمد ممكن، وكلا الطرفان يعلم أن نهاية الحرب ستكون نهايتهما معاً : نهاية مشروع نتانياهو والتطرّف اليميني الذي بدأ يختفي انطلاقاً من قلب حكومة نتانياهو نفسها ( أين بن غفير وأين سموتريتش ؟ ) ونهاية مشروع إيران عبر حماس والجهاد في غزة.
وردّاً على سؤال، أجاب أبو صعب أن أيران حالياً تستثمر في الضربة المعنوية والسياسية الكبرى التي تلقاها نتانياهو صباح ٧ تشرين الأول، وبغض النظر عن المعطيات التي تشير الى علم نتانياهو المسبق بالعملية، إلا أن هذا الاستثمار المتمثّل بعدم توسيع الصراع الى الآن لن تطول مفاعيله متى شعر نظام الملالي أن مصالح إيران باتت مهدّدة.
وحول مصير التطبيع، إعتبر أبو صعب أن التطبيع وقبل اندلاع حرب غزة قد تم بدليل زيارة وزيرين إسرائيليين الرياض مؤخراً، فيما تصريح وكالة فرانس برس بتعليق محادثات التطبيع جاء نقلاً عن مصدر مقرّب من القيادة السعودية وليس منها مباشرة ورسمياً، ويُضاف الى ذلك أن محادثات التطبيع أوقفت حكماُ مع اندلاع الحرب، كما أن الدول المطبِّعة مع إسرائيل حديثاً مثل دولة الإمارات ومملكة البحرين ومملكة المغرب لم تعلن إلغاء التطبيع، وحتى مصر والأردن المهدّد أمنهما القومي مباشرةً من الذي يجري في غزة لم يلغيا اتفاقيات السلام مع إسرائيل.
وهذه الحقائق تؤكد التوجه الاستراتيجي لمعسكر السلام في المنطقة، واليوم ومع افتتاح أعمال قمة دول الخليج ودول آسيان في الرياض، أعاد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان موقفه وموقف دول الخليج والدول العربية المعنية برفض الحرب والعمل على استعادة مبادرة السلام على أساس حل الدولتين، ما يعني استمرار الخط العربي الهادف الى إحياء مفاوضات السلام على حساب معسكر الحرب.
وأعلن أبو صعب أن ما تعيشه المنطقة اليوم من مأساة هو نتيجة التخادم المصلحي بين نظام إيران وبنيامين نتانياهو، فالمنطقة أسيرة هذين القطبين، وكل التحدي الحقيقي يكمن في كسر هذا التخادم ووقفه واستعادة معسكر السلام المبادرة من هذا المعسكر المدمِّر الذي يستنزف موارد واستقرار دول المنطقة.
وختم أبو صعب الحديث بالإشارة الى الخديعة الإيرانية الكبرى التي دمّرت دولاً في المنطقة كلبنان والعراق وسوريا واليمن على مرّ سنوات بحجة القضية الفلسطينية وحمل لوائها بالزيف والشعبوية والتخادم، فيما الهدف الأساسي إضعاف المكوّن السنّي في تركيبة تلك الدول ومن خلالها تبادل السيطرة والنفوذ.