أزمة العراق السياسية : إبحثوا عن إيران ...

thumbs_b_c_0a1e803d9e764209d085e1966bfa593d

لم يعد خافياً على أحد أن الأزمة السياسية التي يعاني منها العراق حالياً وحال الإنسداد السياسي الذي وصل اليه في إحدى أبرز مسبباته، هو الإحتلال الإيراني السياسي والعسكري، عبر ميليشيات طهران وتنظيماتها السياسية الموالية، ليس أقلها الإطار التنسيقي وبالأخص إئتلاف دولة القانون بزعامة نور المالكي، الذي وفي تسريبات هاتفية أخيرة وفي صور فاضحة، كشف عن وجهه الدموي بطريقة تعاطيه الشأن العام.

هذا العراق العربي، شاء مَن شاء وأبى مَن أبى، أمام خيارين لا ثالث لهما : إما التوافق على رئيس حكومة غير مرشح الإطار التنسيقي محمد السوداني وعلى رئيس للجمهورية بتوافق كردي - كردي لا زال متعثّراً نظراً للخلاف ضمن البيت الكردي الواحد، وإما الذهاب الى انتخابات مبكرة جديدة تعيد خلط الأوراق وقد تكون ضد مصلحة النفوذ الإيراني الذي تجلّى في الأيام القليلة الماضية بوجود قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال إسماعيل قآني في وساطة جديدة بين الحزبين الكرديين في إقليم كردستان العراق، الحزب الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني من أجل الاتفاق على شخصية كردية لرئاسة الجمهورية العراقية وفقاً للعرف الدستوري السائد في البلاد.

طهران تضغط بكل قوتها على حلفائها وأصدقائها من أجل الاحتفاظ بنفوذها المتهالك، خاصة بعد خروج مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري عن طاعتها، وهو الذي احتفظ بعلاقات جيدة مع الإيرانيين ألا أنه وفي لحظة ما فضل الإلتحاق بالعملية الديمقراطية، حيث حصد تياره 73 نائباً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت منذ 9 أشهر تقريباً.كما أن العلاقة بين التيار الصدري وائتلاف دولة القانون كانت الى حد ما مقبولة، إلى أن توترت بعد تسريبات المالكي الأخيرة، والتي أظهرت فيها تآمر الأخير على حليفه الشيعي والقوى الأخرى المعارضة له، واستعداده للعودة الى السلطة على دماء العراقيين.والمعلوم أن النواب الصدريين، وبعد أن فازوا بأكبر كتلة برلمانية، تقدموا باستقالة جماعية بعد 8 أشهر على فوزهم في انتخابات تشريعية مبكرة، ما جعل تحالف الإطار التنسيقي الكتلة الأكبر داخل مجلس النواب بعد استحواذه على غالبية مقاعد نواب الكتلة الصدرية، لذلك أصبح التيار الصدري خارج المؤسسة الدستورية لكنه احتفظ بأكثرية شعبية تظهّرت في اليومين الأخيرين باعتصام جماهيري داخل البرلمان واقتحامه المنطقة الخضراء، في وقت دعم فيه حلفاء الصدر تحرّك التيار وهم : تحالف السيادة السنّي الذي يضم كتلة " تقدم " بزعامة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الذي أعطى تعليماته لحرس البرلمان بعدم التعرض للمحتجين الصدريين وإفساح المجال أمامهم لدخول البرلمان، وكتلة " عزم " بزعامة خميس الخنجر، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني والمعروف بتحالف " إنقاذ وطن ".

إنسداد الأفق السياسي في العراق اذاً إرتكز الى محورين : رفض التيار الصدري مرشح الإطار التنسيقي لرئاسة الحكومة محمد السوداني، وعدم توافق الثنائي الشيعي على بديل، واختلاف كردي- كردي حول مرشح كردي لرئاسة الجمهورية.هذا في الظاهر، أنما في الحقيقة فثمة حقائق أخرى كامنة ليس أقلها الصراع المفتوح بين فريق عراقي أكثري يريد العودة للحضن العربي، وقد مثّله خير تمثيل في قمة جدّة الأخيرة رئيس الوزراء العراقي الحالي مصطفى الكاظمي الذي، بالمناسبة احتفظ بعلاقات مقبولة مع الإيرانيين مكّنت العراق مثلاً من استضافة جولات الحوار الإيراني- السعودي في بغداد خمس مرات خلال الأشهر القليلة الماضية، وهذا الفريق الأكثري يريد الخروج من عباءة التأثير والنفوذ الإيرانيين المباشرين سواء في إقليم كردستان أو في بغداد، فيما ثمة فريق عراقي آخر يسعى لاستمرار العراق تحت الوصاية الإيرانية. وانطلاقاً من هذا الفرز بين الموقفين، تدور الصراعات السياسية الداخلية بين حدي التعريب أو الأيرنة ( من إيران )، فالعراق الذي دخل عنق الزجاجة بات أمام مفترق طرق خطير ليس أقله التصعيد في الشارع والذي افتتحه منذ يومين التيار الصدري، منذراً بدخول العراق مرحلة جديدة من انعدام الإستقرار السياسي الذي لن تبقى مفاعيله مقتصرة على العراق بل قد تصل شظاياه الى لبنان، خصوصاً متى شعرت طهران بإمكانية انزلاق الوضع العراقي من قبضتها، بحيث ستحاول عندها لا محالة التلويح بأوراقها الإقليمية وعلى رأسها الورقة اللبنانية.

وما يؤشر الى خطورة الإنسداد الحالي أن التيار الصدري ولأول مرة منذ العام 2006 لا يشارك بنواب في البرلمان، وقد اعتاد التيار بالمقابل على الانسحاب من الحكومات كما حصل في أعوام 2010 و 2014 و2018، إنما لتصل به الأمور الى حد الانسحاب من البرلمان إثر انتخابه واستحواذه على أكثرية برلمانية هامة، ففي الأمر تعبير عن عدم رضى واستفحال الخلافات ضمن البيت الشيعي أولاً ومن ثم على النطاق الوطني الأوسع، وأنه بانسحاب التيار الصدري من البرلمان غلب كفة الإطار التنسيقي المنافس له شيعياً وتحديداً إئتلاف نوري المالكي.مشهدية تدل على عمق التجاذبات السياسية نتيجة التدخل الإيراني الضاغط، والذي لا يبقي أمام الناس إلا خيار الفوضى والتأزيم والإنهيار تماماً كما في لبنان.من جهة أخرى، ليس مستغرباً أن تكون في حسابات مقتدى الصدر، بدفعه الأمور نحو التصعيد، محاولة منه للوصول الى حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة جديدة تأتيه بكتلة نيابية أكثرية مريحة يستطيع من خلالها تشكيل الحكومة التي يريدها من دون الحاجة لأي إئتلاف أو تحالف مع أي كان الا بالطبع حلفائه الذين شكلوا في إئتلافهم مع التيار أكبر كتلة برلمانية مؤثرة في انتخابات 2021، إذ حصلوا مجتمعين على 155 نائباً، فيما الإطار التنسيقي مجتمعاً حصل على 83 نائباً، ما سيدفع به أن لم تجرَ انتخابات نيابية جديدة مبكرة الى اضطراره الى تشكيل حكومة محاصصة توافقية، الأمر الذي يرفضه تحالف " إنقاذ وطن " بزعامة التيار الصدري.

وأمام الإنسداد السياسي بسبب الخلافات السياسية بين المكونَين الشيعيين والمكونين الكرديين، يبقى أن الإطار التنسيقي أضعف من أن يملك القدرة على تأليف حكومة، وقد راهن الصدر على فشل المفاوضات التي جرت سابقاً لتشكيل حكومة، نتيجة الخلافات التي تعصف داخل قوى وأحزاب الأطار التنسيقي، ولا سيما بين ائتلاف دولة القانون وتحالف الفتح، كما راهن على عدم القدرة لدى أي طرف حالياً على حسم الأمور بعد أن أخفق البرلمان الحالي ثلاث مرات في انتخاب رئيس للجمهورية متخطياً المهل الدستورية.تطورات الساعات القليلة الماضية أثبتت، أقله حتى الآن، أن مقتدى الصدر خارج الحكومة وخارج البرلمان أقوى مما هو عليه داخلهما، خصوصا وأنه تيار جماهيري كبير خاض تجربة استعراض القوة منذ 48 ساعة والى الآن، وأثبت قدرته على اقتحام كل المحرمات الأمنية بمجرد اقتحام أنصاره المنطقة الخضراء الشديدة المراقبة والحماية والتحصين وصولاً الى اقتحام مبنى البرلمان والاعتصام المستمر فيه الى الآن، كما أظهرت ضعف الإطار التنسيقي في مواجهة التحدي الصدري، وهو أساساً عاجز حتى عن تشكيل حكومة خاصة في ظل تنافس ائتلاف دولة القانون مع تحالف الفتح وخطر تفجّر الإطار التنسيقي في أي وقت من الداخل، وبالتالي إيران في مأزق سياسي من خلال مأزق أدواتها الداخلية، في طليعتهم نور المالكي، وائتلاف دولة القانون ومن خلالهما الإطار التنسيقي، خاصة في ظل خروج الصدر عن الطاعة الإيرانية.

قد تكون الإيجابية الوحيدة التي قد تُخرج العراق من الأزمة الحالية هي تعويم رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي الذي أثبت قدرته على حكم العراق بكل تناقضاته وصراعاته، لكن حظوظه بالبقاء تبقى أيضاً مرتبطة بمدى قبول القوى التي تمثل سائر المكونات، كالحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة والنواب المستقلين، بحيث يكون مرشح تسوية لاسيما وأن لا قدرة للتنسيقي بمفرده على تشكيل حكومة، إذ يحتاج الى غالبية الثلثين من أعضاء البرلمان أي 220 من أصل 329 نائباً.إبحثوا عن إيران في مشكلة العراق، فحيثما حلّت طهران حلّ معها التأزم والإنهيار ...

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: