لطالما كان هدف “حزب الله” خدمة مشروعه الاسمى أي إقامة “الجمهورية الإسلامية” في لبنان ورهانه دوماً على عامل الوقت وسلاح الديمغرافيا. لذا لم يأبه يوماً للمناصب والحقائب الوزارية أو النيابية والمواقع الادارية والعسكرية والمالية إلا بمقدار ما تخدم هذا المشروع.
خير مثال، كسره عرف المناصفة في توزيع الحقائب بين السنة والشيعة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثانية او ما يعرف بـ “حكومة القمصان السود” في حزيران 2011 حين تخلى عن وزير شيعي لمصلحة توزير حليفه فيصل كرامي. فضمّت تلك الحكومة 5 وزراء شيعة مقابل 7 وزراء سنة في سابقة بتاريخ لبنان.
لذا فالمعيار الاساسي الذي يركن اليه “الحزب” في اي إستحقاق هو مدى خدمة مشروعه. من هنا، يمكن إستشراف خيراته في الاستحقاق الرئاسي حيث لن يتورعه عن الاستغناء عن مرشحه سليمان فرنجية مع تلمّسه ان لا حظوظ له وأن المراوحة في دائرة الفراغ أصبحت تشكل خطراً فعلياً على مشروعه أو تعيق تقدمه.
في هذا الاطار، إن لم يتجاوب مرشحه مع رغبته بالانسحاب بسلاسة، يتولى امين عام “الحزب” السيد حسن نصرالله المخارج إن إستدعى الامر. هذا ما جرى على سبيل المثال عشية حكومة ميقاتي الثانية، حيث تكفّل نصرالله في 23 كانون الثاني 2011 بقطع الطريق على حليفه الرئيس عمر كرامي حين نقل امين عام “الحزب” عن كرامي قوله: “أنا أشكر ثقتكم وثقة المعارضة، ولكن أنت تعرف أنني متقدم في السن وأن وضعي الصحي على ما هو عليه، والمرحلة حساسة ودقيقة، وتحتاج إلى حيوية وجهد. أنا أفضّل أن تجدوا خياراً آخر قد يكون في هذه المرحلة أفضل للبلد”. فرّد كرامي بعد أيام وتحديداً في 27 كانون الثاني 2011 مكذّباً نصرالله حين قال: “استمعت للسيد حسن في الخطاب الذي رثاني فيه، اليوم أنا أمامكم واستشهد بكم كإعلاميين، أنا أمامكم فهل ترونني مريضاً؟”.
في لبنان، ثمة هواة في لعب شطرنج السياسة وثمة محترفون يخططون لعشر خطوات الى امام. في طليعة هؤلاء “حزب الله” الذي يتميز عن منافسيه من اللاعبين الاستراتجيين انه لا يملك فقط الرؤية والتخطيط بل يتفوق عليهم بالقدرة والمقدرات. إلا ان هذه المرة، الارض تهتز معيشياً ومالياً وإقتصادياً تحت جميع اللاعبين وقد تطيح بخطط الجميع. لذا قد يلجأ “الحزب” الذي يحترف نصب الافخاخ الى مرشحين مموهين إن لم يخدموا مشروعه فالاكيد انهم لن يقفوا بوجهه، وهذه أكبر خدمة في الحقبات الصعبة.
من هنا، قد يسير “الحزب” بمرشح:
- مموه بسيرة ذاتية دسمة بالخبرات العلمية والاقتصادية والمالية أو ضليع بالقوانين والدستور.
- مموه بوجه سموح وكلام منمّق ولكن فارغ من أي موقف ويسوّق انه يتمتع بـ”صفر” مشاكل مع الجميع.
- مموه بنشاط في المجتمع المدني وعلى مستوى عالمي حتى.
- مموه بالقرب من بكركي والطاعة الصورية لها و”فرك اليدين”.
نعم، يسير “الحزب” بهذا الصنف من المرشحين المراوغين الذين نسج بعضهم معه افضل العلاقات تحت شعار الانفتاح والوقوف على مسافة واحدة من الجميع. فهو يضمن أنهم “أوهن من بيت العنكبوت” – وفق التعبير المحبب لدى “الحزب” – ولن يجرؤوا على التصدي لإنفلاش الدويلة على حساب الدولة. لن يجرؤوا على قول “لا” لإستباحة الدستور والقوانين. لن يجرؤوا على إغلاق معبر غير شرعي أو خط عسكري للحزب في المرفأ أو المطار. فكيف لهم السير بالاصلاحات الملحّة والتي تشكّل ممراً إلزامياً للخروج من الانهيار؟
لكن بحنكته، لن يهرول “الحزب” لإعلان تبنّيه هكذا مرشح لا يعثر في ارشيف مواقفه على موقف واضح – ولو يتيم – من سلاح “الحزب” غير الشرعي او ارتكاباته كـ “غزوة 7 أيار”. سيعوّل على وجه المرشح المموّه ليتم تبنيه من أطراف آخرين، تأييده من بكركي أو مجموعات المجتمع المدني، دعمه من عواصم قرار تهوى مرشحي “اللا طعم ولا نكهة” ومرشحي الصفقات لا التسويات وتسليم عواصم أخرى به أكان جراء ضغوط الانهيار أو شبح الاحداث الامنية أو التنصل من اي مسؤولية لها بالاختيار وترك اللبنانيين يتحملون مسؤولية خياراتهم.
إن وصل أحد من هذا الصنف من المرشحين المموهين والهزيلين امام سطوة فائض قوة الحزب، فسيستدعي كشفه حقيقته سنتين الى ثلاث سنوات يكون حصل خلالها على دعم كدعم حكومة حسان دياب للمواد. حينها، تكون النتيجة مشابهة أي هدر لما تبقى من إمكانات للخروج من الازمة لا بل إستفحالها. حينها، سنترحّم على ما نعيش اليوم لأن الخروج من واقعنا سيتطلب أضعافَ أضعافِ الجهود والطاقات المطلوبة اليوم.