أمام هول المشهد الجنوبي المتكرّر يومياً منذ خمسة أشهر، تحت عنوان “وحدة الساحات” وربط مصير جنوب لبنان بما يجري في غزة، وعلى وقع القصف الاسرائيلي الفوسفوري للقرى الحدودية، والتصعيد المتواصل وعمليات الاغتيال بالطائرات المسيّرة، واستهداف ارواح المدنيين الذين لا ذنب لهم في حرب عبثية، وتدمير المنازل وجعل الساحات أرضاً محروقة، وما يتبعها من اعتداءات وتهديدات يومية باجتياح برّي للجنوب اللبناني في الربيع او مطلع الصيف، والى ما هنالك من مواقف يتسابق عليها المسؤولون الاسرائيليون، يبقى لبنان المتخبّط بأزماته محتلاً من قبل مَن يقرّر مصيره في الحرب والسلم، فالدويلة باتت على رأس الدولة، والكلمة النهائية لها…
هذه الصورة القاتمة شكلّت رفضاً قوياً لها من قبل أكثرية اللبنانيين واهل الجنوب، كذلك بيئة حزب الله التي دخلت هذا المشهد، بحيث إختفت الشعارات التي كان يطلقها المناصرون والمؤيدون للحزب، لان الوضع الامني المخيف وإمكانية إتساع الحرب، يشكلان اليوم مصدر القلق الاول والهواجس من تفاقم قواعد الاشتباك، وصورة غزة لا تغيب عن عيون اللبنانيين الخائفين، من تحوّل لبنان الى غزة ثانية، وبإعادته الى العصر الحجري على الرغم من عودته الى ذلك العصر منذ سنوات، بعد وصوله الى الانهيار الذي يتوالى يومياً وفي كل القطاعات، بالتزامن مع الوضع المعيشي الصعب، الذي تعيشه النسبة الاكبر من اللبنانيين، خصوصاً في المناطق الشعبية، التي تبرز بيئة “الحزب” ضمنها في مناطق الضاحية والجنوب والبقاع، حيث كانت شعارات” لبيك نصرالله” و”هيهات منّا الذلة” وغيرها من العبارات أسياد الموقف الشيعي، حين كان” الحزب” في صلب معاركه مع اسرائيل، وكانت الضحايا تسقط بالعشرات يومياً والرد كان دائماً ” فدا السيّد”.
اليوم تغيب تلك العبارات، لان البيئة الحاضنة كفرت و” قرفت” كما كل شعب لبنان، وباتت شوارع الضاحية ومناطق البقاع والجنوب تعبّر عن غضبها الشديد من الحرب التي فُرضت عليها، خصوصاً القرى الحدودية التي تعيش في قلب النيران، بعدما أصبح أهلها لاجئين في بلدهم على أثر تفرّد حزب الله بقرار الحرب، ووضعه الشروط الصعبة التي ستودي الى الكوارث.
في السياق، ثمة جنوبيون ينتمون الى الطائفة الشيعية، يتحدثون في مجالسهم الضيقة، عن توقهم الى التحرّر من قبضة “الحزب” ومن الاستغلال ضمن تحرّكات ستظهر لاحقاً، رافضين احتكاره للتمثيل الشيعي وتوظيفه في الانخراط في حروب المنطقة باسم إيران، من دون مراعاة تداعيات ذلك على لبنان.
وأكدوا وجود تململ كبير ضمن “جمهور المقاومة”، يعود الى زمن الحروب المتتالية التي خاضها حزب الله في سوريا الى جانب النظام السوري، فدفعت الطائفة الشيعية أثماناً باهظة في البشر والحجر وسط ضياع كبير، اذ ترى نفسها مغايرة عن الآخرين، وتبحث عن راحة البال التي تفتقدها.
في موازاة ذلك، لم يعد الوتر المذهبي” يفعل فعله” من قبل حزب الله على البيئة الحاضنة، لانها تبحث اليوم عن مسار جديد، لا يتوافق مع الرسائل”الجهادية” التي كانوا يفتخرون بها سابقاً، ليصبح الواقع الجديد:”دعونا نعيش بسلام ولا تفرضوا علينا الموت بالقوة”.