كتب ألان سركيس في صحيفة نداء الوطن:
تلقت هيبة الدولة ضربة قوية ومؤلمة بعد تمرّد "حزب الله" على قرارات الدولة وإضاءته صخرة الروشة. ولا بدّ من اتخاذ خطوات سريعة من أجل عودة الأمور إلى مجراها الطبيعي.
كانت صورة الروشة سيئة للغاية، ففي نظر الشعب، هناك مقولة واحدة تتردّد "الدولة ع الضعيف"، و"الفاجر بياكل مالو ومال التاجر". قد تكون هذه المقولة صحيحة، لكن غاب عن بال كثر وأهمهم أركان الدولة أن "حزب الله" في أضعف مراحله، إذ فقد 70 في المئة من قوته العسكرية وخسر معظم مقاتليه وكوادره، والأبرز خسارة أمينه العام السيد حسن نصرالله وخلفه السيد هاشم صفي الدين.
كل ذلك يحصل، أما بعض أركان الدولة فما زال يخاف من أسطورة "الحزب" الوهمية. والبعض الآخر لا يزال يحسب له ألف حساب أو يعمل لصالحه، وبالتالي يجب تنظيف الدولة من أزلام "حزب الله" وبثّ روحية وعقلية جديدتين.
وإذا كانت الصورة التي ظهرت فيها الدولة مخزية للداخل، فماذا عن المجتمع العربي والدولي؟ وهذا المجتمع يتحضّر لعقد مؤتمر دعم الجيش اللبناني في تشرين الثاني المقبل في الرياض، وبعد هذه الصورة التي ظهرت فيها الدولة عاجزة، قد يتأثّر المؤتمر بكل ذلك.
وتراقب الولايات المتحدة كل ما يحصل على الساحة اللبنانية، وهناك عودة قريبة للموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس التي تتابع أدقّ التفاصيل الداخلية العسكرية والمرتبطة بقضية الحدود والجنوب وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها. وبات واضحًا عدم وجود رضى أميركي على كل ما تقوم به السلطة اللبنانية وعملية البطء في التنفيذ، فبحسب الأميركيين، اتخذت الدولة اللبنانية قرارات جيّدة ووقفت عند هذا الحدّ، ولم تستكملها بالتطبيق على أرض الواقع، إذ لا يزال "حزب الله" يقوم بكل ما يحلو له من دون حسيب أو رقيب.
ويظهر عدم التزام "الحزب" بتحرّكه في جنوب الليطاني وشماله ومحاولة ترميم بناه العسكرية والأمنية التي دُمّرت، وهذا الأمر ليس سرًّا، لذلك كيف يمكن تفسير تصريحات مسؤولي "الحزب" وحتى إيران التي تتحدّث عن إعادة ترميم وبناء قوى "حزب الله" وإدخال الأموال والسلاح على أنواعه إلى لبنان من أجل تدعيم ترسانته العسكرية وقدرته على مواجهة إسرائيل؟
ويعتبر هذا الأمر اعترافًا مباشرًا بعدم التزام "حزب الله" قرار وقف إطلاق النار وهدنة 27 تشرين الثاني 2024، ما يمنح إسرائيل ذريعة لمواصلة حربها للتخلّص من أحد أخطر أذرع إيران في المنطقة.
فقدَ "حزب الله" الجزء الأكبر من قوته، ويحاول الإيحاء أنه عاد أقوى مما كان، وأن باستطاعته مواجهة إسرائيل وهزيمتها في الجنوب وضرب العمق الإسرائيلي. لكن أساس كل هذا الكلام، هو توجيه التهديدات إلى الداخل وليس إلى تل أبيب. فـ "الحزب" أعجز من الرد على الاعتداءات الإسرائيلية، والجيش الإسرائيلي يغير كل يوم تقريبًا ولا تتجرأ قيادة "الحزب" على الردّ ولو بصاروخ واحد، وبالتالي سقطت مقولة أن سلاح "الحزب" هو للوقوف في وجه إسرائيل.
وصل الوضع اللبناني إلى ما هو اليوم، والجميع ينتظر خطوات عملية على الأرض وتدابير استثنائية، فأخذ المزيد من القرارات من دون إمكانية تطبيقها على أرض الواقع سيزيد من غرق الدولة وصعود نجم الدويلة، وسيفقد الشعب اللبناني ثقته بالأجهزة والسلطة، والحل الوحيد أمام الدولة للعودة إلى السكة الصحيحة هو إعطاء الأوامر السياسية الواضحة للأجهزة الأمنية بشلّ حركة "حزب الله" العسكرية ووقف تحركاته والانتقال إلى المرحلة الأهم وهي المباشرة بعملية سحب السلاح غير الشرعي من كل لبنان وليس من جنوب الليطاني.
على أركان الحكم مصارحة الشعب اللبناني بكل ما حصل، ومخاطبة المجتمع العربي والدولي لاستعادة الصورة والحضور والهيبة، وأي إجراءات أقل من حجم الحدث ستضعف الدولة وعندها تشرّع أبواب لبنان أمام الفوضى والحرب.