إتفاقية "مار مخايل" و"بند السم" يطيح بـ"بنود العسل"

WhatsApp Image 2022-02-05 at 1.03.02 PM

16 عاماً مضت على إتفاقية "مار مخايل" بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" في ذاك السادس من شباط 2006. في الشكل تعمُّد إختيار التاريخ ذكّرنا بالسياسة التي إعتمدتها الكنيسة في الاجيال الاولى عبر إحياء أعيادها في تواريخ تشكل أعياداً للوثنيين من أجل مساعدة الناس على نسيانها. فـ 6 شباط لدى جزء من اللبنانيين - بمن فيهم جمهور العماد ميشال عون - يعني 6 شباط 1984 يوم أطاحت "حركة أمل" بـالجيش اللبناني وأخرجته من الضاحية وما كان يعرف بالمنطقة الغربية ونجحت بشقه عبر السيطرة على اللواء السادس. كذلك، تعمّد إختيار قاعة كنيسة مار مخايل في الشياح من أجل كسر الانطباع بأصولية "حزب الله".

أما من حيث المضمون، فالاتفاقية مؤلفة من 10 بنود نظرياً، لكن عملياً تضمنت 9 بنود سخّرت لتجميل البند العاشر المرتبط بسلاح "الحزب". فيما من حيث التوقيت، الاتفاقية أتت في خضمّ ضغط شعبي وسياسي داخلي ومناخ خارجي دفع الى انسحاب الجيش السوري من لبنان في 26/4/2005 ويحض على تنفيذ القرار 1559. فكسرت هذه الاتفاقية الطوق الداخلي وأمنت غطاء مسيحي للحزب ممن بنى اسطورته الشعبية عبر رفع شعار "حصرية السلاح بيد الجيش اللبناني.

البند الاولى يتحدث عن أن "الحوار الوطني هو السبيل الوحيد لإيجاد الحلول للأزمات التي يتخبط فيها لبنان"، لكن "حزب الله" تنصل من مقرّرات الحوار التي وافق عليها في زمن الرئيس ميشال سليمان وعرفت بـ "إعلان بعبدا" في 11/6/2012 الذي تميّز بدعوته الى " تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة". أما "التيار" فتكفّل بمحوها من ذاكرة القصر الجمهوري بعدما حرقت جراء احتكاك كهربائي في شجرة الميلاد ولم تتم إعادتها!!!

البند الثاني يتحدث عن "الديمقراطية التوافقية"، فكانت "ديكتاتورية عنجهية السلاح" و"فائض القوة" في أكثر من محطة من هنا فرض "الحزب" حكومة "القمصان السود" عام 2011 فتحوّل التوافق الى إخراج قوى "14 آذار" منها والاكتفاء بـمشاركة "الاشتراكي" تحت وطأة شبح الخوف الوجودي المستدام لدى زعيمه، فكان "مرغم أخوك لا بطل".

البند الثالث تحدث عن "قانون الانتخاب" و"ضروة الحد من تأثير المال السياسي والعصبيات الطائفية"، وكان استنفار الثنائي "الحزب" و"التيار" للعصب الطائفي في كل إستحقاق إنتخابي وتعاظم دور المال السياسي "النظيف".

البند الرابع تحدث عن "بناء الدولة" "العصرية والتي تحظى بثقة مواطنيها" و"تعتمد" معايير العدالة والتكافؤ والجدارة والنزاهة" مشدداً على ان "القضاء العادل والنزيه هو الشرط الضروري لإقامة دولة الحق والقانون والمؤسسات" وداعياً الى "احترام عمل المؤسسات الدستورية" و "معالجة الفساد من جذوره". فكان تعزيز الزبائنية والمحاصصة وتقاسم التوظيفات وعرقلة قيام الهيئات الناظمة وتعطيل المجلس الدستوري وعدم إقرار التعيينات القضائية وكانت "همروجة" وزير عون لمكافحة الفساد نقولا تويني الذي لم يكشف عملية فساد واحدة!!!

البند الخامس تحدث عن "المفقودين خلال الحرب" وضرورة "طي صفحة الماضي وإجراء المصالحة الوطنية الشاملة عبر إنهاء ما بقي من ملفات الحرب العالقة"، فكان مزيد من نكء الجراح وتحريف الوقائع وإهمال هذا الملف والاكتفاء بإستثمار هذه القضية الانسانية سياسياً للتصويب على الاخصام كـ "عراضة" حفر اوتوستراد حالات بحثاً عن مقبرة جماعية "مزعومة" بإشراف نائبي "التيار"شامل موزايا وعباس الهاشم في 15/4/2008.

البند السادس يتحدث عن حل مشكلة اللبنانيين في "إسرائيل"، والنتيجة بعد 16 عاماً مزيد من التعقيدات بلغت حد ضرب مفهوم "مرور الزمن".

البند السابع يتحدث عن المسألة الأمنية و"إدانة الاغتيال السياسي" الذي إستمر بعد 2006 وصولاً الى إغتيال الوزير السابق محمد شطح في 27/9/2013 وتصفية الشاب جو بجاني بدم بارد في 21/12/2020، وإن كان الفاعل في عمليات الاغتيال منذ محاولة إغتيال الوزير السابق مروان حمادة في 1/10/ 2004 مجهولاً معلوماً وملفات التحقيقات فارغة، وإن كان حكم المحكمة الدولية الذي ادان سليم عياش في جريمة إغتيال الرئيس الحريري مرفوضاً من قبل "الحزب" الذي إعتبره "أشرف الناس" تحت ذرائع عدة، فهل من حجة لعدم توقيف قاتلي هاشم السلمان أمام السفارة الايرانية وجريمتهم موثقة بالصور؟!!

كما يتحدث عن "الإصلاح الأمني" وعن وضع خطط أمنية تتصدى لمكامن التهديد الأمني ومنها مسألة الإرهاب. فكان على سبيل المثال الخط الاحمر الذي وضعه امين عام "الحزب" على مخيم "نهر البارد" لمنع الجيش من القضاء على شاكر العبسي وإرهابييه عام 2007 وكان تأمين "الحزب" لخروج الدواعش سالمين من عرسال في باصات مكيفة خلال معركة "فجر الجرود" التي خاضها الجيش للقضاء عليهم في أواخر آب 2017.

البند الثامن تحدث عن "إقامة علاقات لبنانية سورية سويّة" وإتخاذ الخطوات والإجراءات القانونية المتعلقة بتثبيت لبنانية مزارع شبعا وتقديمها الى الأمم المحدة وترسيم الحدود بين لبنان وسوريا والكشف عن مصير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. فكان عدم الحصول على "قصقوصة ورق" سورية تعترف بلبنانية المزارع ورفض "الحزب" ترسيم الحدود حيث إعتبر الشيخ صادق النابلسي المقرب من "حزب الله" في نيسان 2020 أن "التهريب جزء لا يتجزأ من عملية المقاومة والدفاع عن مصالح اللبنانيين".

أما المعتقلين في السجون السورية، فقد أعلن عون في 1/12/2008 في تصريح له: "أذهب الى سوريا ورأسي مرفوع، وحين انتهت الخصومة تحوّلت الى صديق وقضية المعتقلين في السجون السورية ليست مسؤوليتي وأنا لست ذاهباً لدراسة ملفات فهذا من عمل الحكومة". كما اعتبر في تصريح آخر ألا معتقلين للعونيين في سوريا!!!

البند التاسع تحدث عن "العلاقات اللبنانية الفلسطينية" ومعالجة ملف إنهاء السلاح خارج المخيمات وترتيب الوضع الأمني داخلها إلا أن "حزب الله" إستمر بتمويل وتجهيز بعض الفصائل الفلسطينية المسلحة لتكون ورقة بين يديه.

البند العاشر يتحدث عن "حماية لبنان وصيانة استقلاله وسيادته" ويعتبر أن "سلاح حزب الله يجب أن يأتي من ضمن مقاربة شاملة تقع بين حدين: الحد الأول هو الاستناد الى المبررات التي تلقى الإجماع الوطني والتي تشكل مكامن القوة للبنان واللبنانيين في الإبقاء على السلاح، والحدّ الآخر هو تحديد الظروف الموضوعية التي تؤدي إلى انتفاء أسباب ومبررات حمله". كما يصف السلاح "وسيلة شريفة مقدسة" وهذا ما يتنافى مع القيم المسيحية. كذلك، تحدث عن "حوار وطني يؤدي إلى صياغة استراتيجية دفاع وطني يتوافق عليها اللبنانيون".

فكان أن قدم جميع الاطراف تصورهم مكتوباً للاستراتيجية الدفاعية إلا "حزب الله" وكان هذا البند غطاء عوني لسلاح "حزب الله" الذي فقد اي مشروعية محتملة حين استخدم لقتل المواطنين اللبنانيية خلال غزوة بيروت في 7 أيار 2008 وكرس ذلك في غزوة عين الرمانة في 24/10/2021.

إنه "بند السم" الذي يطيح بـ "بنود العسل" الـ9، إنها تغطية السلاح ببنود وضعت لرفع العتب ولدغدغة جمهور عون كي يسير بإتفاق يناقض الطروحات التي صنعت ظاهرة الجنرال والتي قامت على ضرب الميليشيات وحصرية السلاح بيد الجيش اللبناني. اليوم طرح إعادة النظر بهذه الاتفاقية ليس إلا من باب الحرص على طلي بندها العاشر بأجدّ مساحيق التجميل عبر بنودها التسعة.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: