شهدت “خلوة القطالب الزاهرة” في بلدة بعذران الشوف لقاء درزياً استثنائياً جامعاً للقيادات السياسية والروحية، لمناقشة الاوضاع الراهنة، وسط التطورات المتسارعة التي تمر بها البلاد واتخاذ المواقف المناسبة منها، وذلك بمشاركة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى ورئيس الحزب الاشتراكي السابق وليد جنبلاط (اصطحب معه فؤاد تيمور جنبلاط)، رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان، الشيخ ناصر الدين الغريب، الشيخ نعيم حسن، والمشايخ: ابو علي سليمان بو ذياب، ابو زين الدين حسن غنام، ابو فايز امين مكارم، ابو داوود منير القضماني وممثل عن الشيخ ابو صالح محمد العنداري.
كما شارك الوزيران عباس الحلبي وعصام شرف الدين، والنواب: مروان حمادة، وائل ابو فاعور، هادي ابو الحسن، مارك ضو، فيصل الصايغ والوزراء والنواب السابقون: فيصل الداوود، غازي العريضي، ايمن شقير، رمزي مشرفية، عادل حمية وممثل عن الوزير السابق وئام وهاب هشام الاعور، رئيس محكمة الاستئناف الدرزية العليا القاضي فيصل ناصر الدين، وقضاة المذهب: الشيخ غاندي مكارم، الشيخ سليم العيسمي، فؤاد حمدان، منير رزق، منح نصر الله، الشيخ دانيال سعيد، الشيخ سعيد مكارم، رائد الصايغ وامير ابو زكي، رئيس مؤسسة العرفان التوحيدية الشيخ نزيه رافع على رأس وفد من المشايخ وإدارة المؤسسة، امين السر في المجلس المذهبي المحامي رائد النجار وعدد من رؤساء اللجان واعضاء المجلس والمستشارين، الى مسؤولين في الحزب التقدمي الاشتراكي والمجلس السياسي في الحزب الديمقراطي اللبناني وحزب التوحيد العربي وحشد كبير من مشايخ الطائفة وفاعلياتها.
وقال الشيخ أبي المنى: “الحمد لله على ما أفاضَ من نِعم، وعلى ما قدّر وقسم، فكان هذا اللقاءُ المبارك بإذنه تعالى، برغبة عارمة وتوجيه سديد من معالي وليد بك جنبلاط، وبتجاوب مقدّر من عطوفة طلال أرسلان وممثلي الطائفة ووجوهها الكريمة أصحاب المعالي والسماحة والسعادة والفضيلة، وبحضور سماحة الأخ الكريم الشيخ نصر الدين الغريب، بمباركة شيخنا الجليل الشيخ أبو صالح محمد العنداري الذي أرسل ممثلاً عنه وأبلغنا سلامه ودعاءه بالتوفيق، وبمشاركة المشايخ الأجلّاء الشيخ أبو علي سليمان أبو ذياب، الشيخ أبو زين الدين حسن غنام، الشيخ أبو فايز أمين مكارم، والشيخ أبو داوود منير القضماني شيخ خلوة القطالب التي في رحابها نلتقي وببركة مشايخها من السلف الصالح نرتقي”.
وأضاف: “اللقاء مباركٌ بالحضور، وبما تمثّله هذه الخلوة من رمزية في موقعها وفي دورها، كما جميعُ خلوات الموحّدين ومجالسُهم الدينية، وفي رسالتها التوحيدية للجمع والتآلف والتكاتف وتثبيت دعائم الصمود والوجود ومواجهة الصعاب. في خلوة القطالب، كما في خلوة جرنايا منذ القدم، كما في سواهما، اعتاد كبارُنا أن يلتقوا في الملمّات على الخير ووحدة الموقف وإرادة الجمع والتوحيد. أمّا اليوم، فالمرحلةُ صعبة والتطوّرات خطيرة، فإن لم نكن قادرين على تغيير المعادلات وإيقاف ما يحصل من عدوان وقتلٍ ودمار وانهيار، إلا أننا قادرون على مواجهة ذلك بالتماسك الداخلي والتعاضد الوطني وتثبيت الإيمان الروحي والقيم المعروفية في القلوب والعقول، وبتعزيز الصمود الاجتماعي وتأكيد التعلُّق بالأرض ورفض المتاجرة بها، فالأرض جزءٌ من هويتنا، وجذورنا مغروسةٌ فيها ولا يجوز أن نتخلّى عنها.. والوطن موئلٌ لنا نصونُه بوحدتنا واحترامنا للشراكة الوطنية التي تجمعُنا بأبنائه الأخوةِ من مختلف المذاهب والمشارب”.
وتابع: “قرارُنا توحيديٌّ بامتياز، نُعلنه في كلِّ موقفٍ ومن كلِّ موقع: الحياد عن كل ما يفرق والانحياز الى كل ما يجمع، وهو شعارنا الوطني الذي رفعناه منذ البداية… أكان على الصعيد الداخلي ضمن الطائفة أم على صعيد الوطن… وهو ما تؤكّده القيادة السياسية التي نعتزُّ بها وبدورها الموزونِ والمتوازن، وما نعملُ عليه في مشيخة العقل، وأكدنا عليه بالأمس مجتمعين في القمة الروحية في بكركي. ندين العدوان الإسرائيلي المتمادي بإجرامه ووحشيته، ونتضامن مع النازحين ونعتبرهم ضيوفاً مكرَّمين عندنا، لكنّنا نتحمّل مسؤوليةَ تنظيم الضيافة وإتقانها، ولا نقبل بأيِّ خللٍ أمني من أيِّ جهةٍ أتى، ونتعاون مع أولي الشأن الاجتماعي والسياسي ومع الجيش وقوى الأمن لضبط المخالفات وتحقيق الاستقرار. نؤكِّدُ على مبدأ الاستضافة ونحذِّر من بيع الأراضي والبيوت في هذه الفترة المفصلية لما ينطوي عليه ذلك من مخاطر التغيير الديمغرافي الذي تخطّط له إسرائيل، ومن الاختلاط غير المدروس وعواقبه الاجتماعية والأمنية، فالنازحون عاشقون لأرضهم وسيعودون إليها قريباً بإذن الله، لذلك نطالب المجتمع الدولي والمسؤولين عندنا بالضغط لوقف إطلاق النار ونشر الجيش على الحدود ودعمه بما يلزم”.
وختم الشيخ ابي المنى: “رسالتنا واحدة موحَّدة، وإن حصلت بعض التباينات إلَّا أننا من دعاة جمع الشمل والاعتراف بعضنا ببعض، فمقام مشيخة العقل للجميع وفي خدمة الجميع، ومشايخنا الأجلّاء لا يبتغون سوى حفظ الدين والمجتمع، والقيادة السياسية لا تفقد بوصلة الطائفة الوطنية والعربية والإسلامية، وهي حريصة على العيش الواحد المشترك وعلى بناء الدولة لتكون عادلةً وقادرة على حماية الجميع وتحقيق النهضة المَرجوَّة. نتشاور ونتحاور، وهدفنا واحد: أن نحميَ مجتمعنا وأن نحافظ على ثوابتنا الروحية والاجتماعية والوطنية والقومية، ومن القطالب المطلّة على المختارة وعلى الجبل والساحل وكلّ البلاد، نطلق نداء الوعي والحكمة لنكون على قدر المسؤولية وعلى مستوى تاريخِنا وتراثِنا وقيمِنا. وبالله سبحانه وتعالى نستعين، فالراعي صالحٌ، كما يقول مشايخُنا، والعقلُ إمامُ المتَّقين يقودُهم إلى ما هو خيرٌ وسلام. وفّقنا وإيَّاكم الله”.
من جهته قال أرسلان: “سررنا بهذا اللقاء الجامع، اليوم، بمبادرة كريمة من وليد بك جنبلاط للتشاور والبحث في أمور تتعلق بالجبل والبلد، لأنه في النهاية نحن جزء لا يتجزأ من هذا الوطن، بل نحن أم الصبي في هذا الوطن وفي هذا البلد. نحن دفعنا دماً عبر مئات من السنين، جميعاً، من خلال أبائنا وجدودنا وأهلنا. سكننا في الجبال لم يكن صدفة، بل سكنا فيها لأننا جئنا في مهمة هي الحفاظ على الثغور والسواحل، التي كانت تمتد في ذلك الوقت من اللاذقية إلى عكا في فلسطين، سمينا حماة الثغور لأن مهمتنا كانت حماية عمق الدولة الإسلامية والدولة العباسية في ذلك الوقت”.
اضاف: “عبر تاريخنا المشرف هذا، لم يكن لدينا أعداء في الوطن على الاطلاق. نحن أصحاب هوية وأصحاب وطن واحد وأرض وحدة. طبعاً، عندما تكون الحرب مع عدو الدين والأرض والتاريخ وعدو أرضنا ومياهنا وثرواتنا وكرامتنا وهويتنا الوطنية، في هذا البلد وهذا الشرق، فنحن مؤتمنون، وليس غيرنا وحده المؤتمن. نحن اليوم في الجبل نستضيف أهلاً واخواناً نزحوا نتيجة هجوم بربري ووحشي على لبنان. عندما تُدمر ضيعة في لبنان، فهذه مسألة تعنينا. لا يمكننا أن نستقيل من دورنا التاريخي، من الدور الذي تربينا عليه من كل سلفنا الصالح. هذا الجبل أثبت عبر مشايخنا وشبابنا ونسائنا أنه جبل يفتح يديه كأم حنون ليستقبل اخوانه في الوطن، وهو يقوم بواجباته التي لا نحتاج إلى من يعلمنا إياها، بل هي جزء من جذورنا وتوجهاتنا التي نسير عليها”.
وتابع: “لن أزيد أكثر، لكن المطلوب أن تستلم القوى الأمنية الأمور أو أن تكون حاضرة، منعاً لحصول أي محاولة إحداث فتنة أو انقسام أو تخريب عبر الجبل، إن كان في الشويفات أو المتن أو عاليه أو الشوف أو حاصبيا. لدينا بلديات وشرطة وحرس بلدي، وأنشئت خلايا أزمة في كل بلدة، وقد توافقنا على دعمها، مع التنسيق الكامل مع الأجهزة الأمنية، حتى نتمكن من تطويق أي اشكال أو حادث يحصل لا سمح الله”.
وختم أرسلان: “نشكر المشايخ على استقبالهم لنا، وكما اتفقنا مع وليد بيك خلال اللقاء، سنستمر في تنظم الاجتماعات في كافة المناطق للتأكيد على هذا التوجه وعلى تمسكنا بهويتنا العربية الإسلامية، التي تربينا عليها. نحن في النهاية أصحاب هوية ولنا جذور متجذرة في الأرض. وكنت دائماً أقول للمشايخ الأجلاء في كل كلمة ألقيها أنتم أوتاد الأرض وأطهارها، بالمعنى التوحيدي للكلمة لكن ليس على المستوى الديني فحسب، بل على المستوى الزمني أيضاً. يجب أن نتعالى كلنا عن كل تفصيل قد يخرب المجتمع، ونلتف على بعضنا البعض كأبناء جبل وكأبناء وطن وكأبناء هوية وكأبناء قضية، ولا عدو لنا إلا إسرائيل”.
وختاماً، القى جنبلاط كلمة قال فيها: “سنبقى سويًّا بالتشاور الكامل مع كل هيئات المجتمع المدني وكلّ النواب والفاعليات والمشايخ للقيام باجتماعات مماثلة، وطرحنا بعض النقاط كون لم يتوفق الرئيسان برّي وميقاتي بالتوصل إلى وقف إطلاق النار، لأنهم خذلوا من قبل الموفد الأميركي آموس هوكشتاين ومن قبل الولايات المتحدة الأميركية”.
وأردف جنبلاط: “يبدو أن الحرب طويلة، ولذلك علينا أن نكون على استعداد لتوفير الحد الأقصى من الخدمات للشعب اللبناني النازح والمقيم والتعاون المطلق مع الدولة والأجهزة الأمنية لإبعاد أي محاولة ضئيلة حول موضوع الأمن الذاتي ونطلب من الوزير الحلبي تفعيل خطة التعليم الحضوري والمدمج وتجهيزها، كما إمكانية استئجار مدارس خاصة كما أبلغني من أجل هذا الأمر”.
وعن القطاع الصحي، قال جنبلاط: “المستشفيات والمراكز الإجتماعية جاهزة والأدوية متوافرة، هناك نقص يمكن تعويضه، ويجب أن تكون هناك لجان فعالة في كلّ المناطق وعلى المستويات كافة، ونحن جاهزون مع الدولة والمشايخ لتلبية الحاجات”.