إسرائيل تتجاهل مبادرة عون.. رسالة أم مناورة؟

Doc-P-504424-638629238021453790

كتب شارل جبور في نداء الوطن:

تعتمد إسرائيل الغموض في مقاربتها ملف التفاوض الذي بادر إليه الرئيس جوزاف عون. فهي لم تُجِب إيجابًا ولا سلبًا، ولم تطرح شروطها لهذا التفاوض، وهذا موقف غير مفهوم، لأن بإمكانها أن تُحرج رئيس الجمهورية، وأن تنقل النقاش إلى الداخل اللبناني، بدل ترك ورقة التفاوض ورقة قوّة بيده في علاقته مع الولايات المتحدة الأميركية.

وقبول إسرائيل مبدأ التفاوض لا يعني وقف عملياتها العسكرية في لبنان، لأن هذا الوقف مرتبط بإنهاء تركيبة "حزب اللّه" العسكرية. كما لا يعني موافقتها على التفاوض ضمن إطار "الميكانيزم" ولو موسعًا، بل يعني رمي الكرة في الملعب اللبناني، وتحديدًا في الملعب الرئاسي، على قاعدة: إمّا تفاوض مباشر أو لا تفاوض، خصوصًا أن تفاوض "الميكانيزم" بعد كلّ التطوّرات التي شهدها لبنان بات مزحة، والأسوأ أنه يعني قبولًا بسقف "الثنائي" الحزبي الشيعي.

وعلى الرغم من أن الأولوية الإسرائيلية في لبنان وسوريا هي أمنية، وأن التفاوض يجب أن يشكّل تتويجًا للمسار الأمني من خلال احتكار الدولة اللبنانية السلاح، وإنهاء حالة لبنان - المنصة المستمرة منذ منتصف ستينات القرن الماضي، وعلى الرغم من اقتناع إسرائيل بأن الدولة اللبنانية لن تنزع سلاح "حزب اللّه" بالقوّة، وعلى الرغم من شكوكها بأن الدولة قد تستخدم التفاوض لشراء الوقت والتعويض عن عدم ممارسة دورها، إلّا أنه من المنطقي أن تسعى تل أبيب إلى إرباك الموقف اللبناني لا إلى ترييحه، وذلك عبر إعلان قبولها التفاوض بشرطين: تفاوض مباشر على مستوى وزاري، وعدم وقف الحرب قبل تحقيق أهدافها.

ولن تخسر إسرائيل شيئًا إذا رفض لبنان الشرطين، فهي في موقع الـ "رابح-رابح"، حيث تواصل حربها وكأن شيئًا لم يكن، وإذا وافق لبنان تدخل معه في تفاوض مباشر تحت النار، وهذا مكسب لها بلا أيّ تنازل. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تجاهلت إسرائيل تمامًا مبادرة الرئيس عون إلى التفاوض؟ ولماذا لم تلجأ إلى المناورة السياسية؟

لا إجابات واضحة حتى الآن، رغم أن إسرائيل تتابع وتعلِّق على كلّ تفصيل لبناني. ولا يفيد بشيء أن تكون مقتنعة بالعجز اللبناني الرسمي عن تنفيذ ما قد ينتج عن التفاوض، أو أن تحكم مسبقًا على سقفه التفاوضي، فيما المفترض أن تطرح شروطها وتترك لبنان يتخبّط في التوجُّه الذي سيعتمده.

ولا خيار أساسًا أمام رئيسي الجمهورية والحكومة لكسر الرتابة في المشهد السياسي، الذي يدور في حلقة مفرغة، سوى واحد من ثلاثة:

أولًا، تنفيذ قرارات 5 و 7 آب بنزع سلاح "حزب اللّه".

ثانيًا، فتح المواجهة السياسية مع "الحزب" إن أصرّ على سلاحه وعلى استخدامه هذا السلاح ضد إسرائيل.

ثالثًا، إعلان التفاوض المباشر مع إسرائيل.

وخلاف ذلك، ستبقى الدولة في موقع المتفرِّج على حرب من طرف واحد بعدما هزم وتعطّل الطرف الثاني، وسيبقى لبنان معزولًا ومكشوفًا ومعرضًا لتوسيع رقعة الحرب.

فالخطورة في موقف الدولة اللبنانية وتموضعها، أنها لا تريد تنفيذ قراراتها ودستورها من أجل بسط سيادتها في مواجهة فريق لم يبق منه سوى صوته وصورته. كما لا تريد مواجهته سياسيًا، من خلال التأكيد المستمرّ، ردًا على تمسّكه بسلاحه وما يسمّيه "المقاومة"، بأن الصراع العسكري مع إسرائيل فرض على الدولة اللبنانية التي تريد الخروج منه والعودة إلى اتفاقية الهدنة، وأن أيّ عمل مسلّح من لبنان سيواجه من الدولة اللبنانية، والكلام عن "المقاومة" هو خروج عن الدستور، وأصحابه يعرّضون أنفسهم للملاحقة القضائية.

وتتجنب الدولة أيضًا المواجهة مع "حزب اللّه" من باب تأكيدها الذهاب إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، لا الاكتفاء بلجنة "الميكانيزم" التي تقع تحت سقف "الحزب"، وذلك لكسر "التابو" الذي خلقه هذا "الحزب" ومن على شاكلته. وقد لا تريد الدولة تنفيذ قراراتها بنزع سلاح "الحزب" بالقوة، وتعتبر أن هذا السلاح أصبح خارج الخدمة، لكن عليها أن تُبطل مفاعيله سياسيًا من خلال رفعها ثلاث لاءات واضحة: لا سلاح خارج الدولة، لا مقاومة في لبنان، ولا مشكلة في التفاوض مع إسرائيل.

وأفضل طريق لتطويق "حزب اللّه" وإسقاط مشروعه يمرّ بهذه اللاءات الثلاث، وعلى الدولة الإسراع في رفعها وإعلانها والتأكيد عليها. أما إسرائيل، فعليها أن تلاقي رئيس الجمهورية بقبول مبدأ التفاوض ضمن رؤيتها، وأن تخرج من الغموض واللاموقف، إلى موقف واضح برمي كرة التفاوض في الملعب اللبناني.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: